الثلاثاء، 9 يونيو 2015

سلسلة (صناعة التوازن) - سلسلة تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص

بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة الأولى (المقدمة) (2014/9/30)


الحمد لله رب العالمين، أنعم علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، وهدانا إلى طريق الحق وبيّن لنا طرق الصواب والخطأ. نحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
تأملت كثيرا في المشكلات التي يعاني منها الناس، وسعيت في إيجاد أسباب هذه المشكلات وجذورها، ورأيت بأن هناك أمورا أساسية إن تم إصلاحها فسيتم حل كثير من هذه المشكلات، ومن أبرز هذه الأمور قضية التوازن.
اخترت أن اكتب في هذه السلسلة عن التوازن في الحياة، معناها وأهميتها وطرق الوصول إليها وعوائقها، وأنا أعلم بأن الكتابة في هذا الموضوع ليس سهلا لأن الحديث فيه يجب أن يكون دقيقا جدا وعمليا إلى حد كبير.
وقد أسميت هذه السلسلة ب(صناعة التوازن) حيث أسعى فيها إلى غرس هذا المفهوم الهام في حياة الناس لعلها تساهم في حل كثير من المشكلات الموجودة، وأيضا رأيت بأن هذا الموضوع هام بسبب انتشار كثير من معاني الإفراط والتفريط في كثير من أمور الحياة حيث أصبحت نظرة الناس إلى شيء ما عاطفيا أكثر منه عقلانيا مما أدى إلى غياب التوازن.
التوازن في الحياة من التحديات التي تنتظر من يريد النجاح والتميز في الحياة، بل هو تحدّ كذلك لمن أراد الدرجات العلا من الجنة، حيث أن الإسلام هو دين التوازن في جميع الأمور ولعل هذه السلسلة تساهم في توضيح هذا الأمر بشكل كبير.
إنني على يقين بأن كل من يتصف بالتوازن بالصورة الصحيحة، فإنه سيحصل على ثمرات كثيرة في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى ولعل هذه السلسلة تساهم في غرس هذا المعنى في نفس كل من أراد التفوق والتميز.
أسأل الله تعالى أن يوفقني لطرح هذه السلسلة وأن يرزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثانية (تعريف التوازن) (2014/10/16)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه أن منّ علينا بنعمة الإسلام، هذا الدين العظيم الذي يربّي أتباعه على التوازن في جميع أمور الحياة، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
من الضروري جدا بناء الأساس الصحيح قبل بيان الكيفية، وبالتالي سنفرد بعض الحلقات لبيان بعض الأمور النظرية المتعلقة بمسألة التوازن قبل الحديث عن الناحية العملية في الموضوع مع أن هذه الأمور النظرية لها علاقة كبيرة بالناحية العملية وبغيرها لا نستطيع الحديث عن الناحية العملية.
وأرى من الهام جدا أن نقف في البداية مع معنى التوازن حتى نتفق على التعريف ويعرف القارئ ما الذي نعنيه بالتوازن. جاء في المعجم الوجيز، وازن الشيء أي ساواه وعادله في الوزن، فهذا إحدى المعاني اللغوية لهذه الكلمة وهي تتحدث عن العدل والمساواة، وتأتي مثلا كلمة (الميزان) كأحد مشتقات التوازن، وأعتقد أن الميزان واضح في استخدامه حيث يستخدم في وزن الأشياء ومقارنة طرف بالآخر، وحينما يكون الطرفين متساويين، نقول عن الميزان أنه متوازن.
 أما المعنى الاصطلاحي فأميل إلى تعريف الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه حين نصح أخاه أبو الدرداء رضي الله عنه بقوله (أعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)، وقد وافقه على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (صَدَقَ سَلْمَانُ) (رواه البخاري).
كلمات يسيرة ولكنها توزن بماء الذهب، فالشخص في حياته عليه واجبات كثيرة وقد لخّصها سلمان رضي الله عنه بثلاث أمور هي (إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقّاً، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً)، فهناك حق الله تعالى، وهناك حق النفس، وهناك حق الناس والذين من ضمنهم الأهل. والتوازن هنا هو إعطاء كل أمر من هذه الأمور حقّها دون إفراط أو تفريط. ولعلنا نفصّل في هذا الأمر في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى حتى تكون الصورة أكثر وضوحا.
التوازن من أهم الأمور التي تؤدي إلى النجاح في الدنيا والآخرة، ووصية سلمان رضي الله عنه العظيمة تصلح بأن تكون من أهم نظريات النجاح والتميز في الحياة.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثالثة (أمثلة من الحياة لمعنى التوازن) (2014/10/31)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
ذكرنا في الحلقة الماضية تعريف التوازن والذي أخذناه من الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه حين نصح أخاه أبو الدرداء رضي الله عنه، ووافق على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعريف هو (إعطاء كل ذي حق حقه). ولعلي أضرب في هذه الحلقة بعض الأمثلة من الحياة حتى نفهم معنى التوازن بشكل أكبر.
المثال الأول: لعلك شاهدت حبلا طويلا مربوطا بين شيئين، وهناك شخص يحاول المرور على هذا الحبل حتى يصل إلى الطرف الآخر دون أن يقع، ويمسك هذا الشخص في الغالب بقطعة حتى لا يقع. هذا هو التوازن بعينه. فالشخص هنا يحتاج إلى أن يعطي كل شيء حقه، فيركّز على رجليه ويديه وجسمه والعصا والحبل وخط النهاية ورؤية الناس له وثقته بنفسه وغير ذلك. فإذا اختل شيء واحد من هذه الأمور، كان أقرب إلى السقوط والفشل.
المثال الثاني هو ركوب الأطفال للدراجة الهوائية حيث يتطلب الأمر منهم توازنا حتى لا يقعوا، ولعلنا شاهدنا أطفالا يحاولون التوازن على الدراجة وخاصة في بداية مشوارهم، ويتطلب ذلك تركيزا على أمور متعددة كأعضاء الجسم المختلفة، وإذا ما حصل أي خلل في شيء ما، كان ذلك أدعى إلى السقوط.
المثال الثالث هو مثال الشخص الذي يحمل أحجارا أو أخشابا أو أي شيء في عربة ما، ويحاول نقله إلى مكان آخر، ويتطلب ذلك توازنا أيضا وإلا وقعت العربة منه.
كل هذه الأمثلة تؤكد أنه إذا أراد الشخص إنجاز كثير من المهام فإن ذلك يتطلب التوازن في متطلبات هذا الأمر أي إعطاء كل أمر حقه، وإذا اختل شيء ما فإن ذلك أدعى للفشل أو عدم تحقيق المطلوب.
التوازن من الأمور الهامة جدا لكل من أراد النجاح وتحقيق الإنجازات المتتالية في الحياة.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الرابعة (الإسلام والتوازن) (2014/11/16)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
نطرح سؤالا هاما في هذه الحلقة، هل يحث الإسلام على التوازن؟ وللإجابة على هذا السؤال ينبغي العلم بأن الإسلام دين شامل يحث على كل أمر إيجابي ومفيد، وبما أن التوازن من الأمور الإيجابية فلا شك بأن الإسلام يحث عليه، بل إن التعريف الذي اخترناه للتوازن هو تعريف نبوي بمعنى أنه من صلب الإسلام.
بل نستطيع أن نقول بكل وضوح بأن الإسلام هو دين التوازن، وهنا أريد أن أبيّن نقطة هامة وهي أننا يجب أن نفرّق بين ما جاء به الإسلام وبين تصرفات بعض المسلمين، فإذا رأينا تصرفات خطأ من المسلمين فلا يدل ذلك بأن هناك خطأ في الإسلام نفسه، بل هو خطأ في التطبيق. فعندما نجد أشخاصا متطرفين أو متهاونين لا يعني ذلك بأن هناك خطأ في مفهوم التوازن في الإسلام، بل الإسلام يحارب وينهى عن هذه التصرفات الخطأ لأنه دين التوازن.
ولعل المصطلح القرآني الذي يمكن أن يحتوي معنى التوازن هو الوسطية، وقد قال الله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً" (البقرة 143). فالأمة من أهم صفاتها أنها أمة متوازنة. وهذا التوازن ينبغي أن ينعكس على أفرادها في جميع شؤون حياتهم.
والمتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يجد أمثلة لا حصر في بيان وتطبيق معاني التوازن في حياة المسلم، ولعلنا في الحلقات القادمة نضرب بعض الأمثلة التي تدل على ذلك.
جاء الإسلام ليحث أتباعه على التزام كل خلق جميل ومفيد، ولعل صفة التوازن من أهم الصفات التي ينبغي أن يتصف بها كل من أراد النجاح والتميز في الحياة.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الخامسة (أمثلة من اختلال التوازن) (2014/11/30)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
ذكرنا في الحلقة الماضية أن الإسلام دين التوازن والوسطية والاعتدال، وفي هذه الحلقة نذكر بعض المشاهدات من الحياة لأشخاص افتقدوا معنى التوازن في حياتهم، ومن خلال هذه المشاهدات يتبيّن أن الإسلام لا يؤيد هذه الأفعال مع كونها حسنة في أساسها.
المشاهدة الأولى: شخص يحب الصلاة بشكل كبير جدا، ويحب المسجد بصورة أكبر ولذلك فإنه يقضي أوقات كثيرة داخل المسجد، وفي نفس الوقت، فإن هذا الشخص لا يجلس مع أهله إلا فترات قصيرة جدا، وليس له أية زيارات اتجاه أهله وأصدقائه. هل تصرّف هذا الشخص صحيح؟
المشاهدة الثانية: شخص ينفق بسخاء وكرم على الفقراء والمساكين ولكنه يبخل بخلا شديدا تجاه أهله وأبنائه. هل تصرّف هذا الشخص صحيح؟
المشاهدة الثالثة: شخص حريص على الرياضة بشكل كبير لدرجة أنه يمارسها في اليوم لمدة خمس إلى ست ساعات على الأقل. هل تصرّف هذا الشخص صحيح؟
ربما تختلف إجابات الناس حول هذه المشاهد، ولكنني أعتقد بأن الأغلبية سترى بأن هذه التصرفات غير صحيحة إلى حد ما، لأن الأمور التي يقصّر فيها الشخص هامة أيضا بنفس درجة الأمور التي يفعلها الشخص.
عندما نتأمل في هذه المشاهد وما جاء به الإسلام من توجيهات، نجد بوضوح بأن الإسلام يحثّ على التوازن في حياة الشخص بين مختلف الأمور حيث يسعى الإسلام إلى أن يعطي الشخص كل شيء حقه من غير إفراط ولا تفريط، وبذلك يتحقق للشخص السعادة في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.
سوف نعرض في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى أمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية على حث الإسلام على التوازن في الحياة، وكما ذكرنا من قبل فإن معرفة هذه الأمور النظرية هامة قبل الدخول إلى الخطوات العملية لكيفية التوازن في الحياة، فالعلم دائما قبل العمل.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السادسة (أمثلة من حث الإسلام على التوازن - 1) (2014/12/15)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
كما ذكرنا في الحلقة الماضية بأننا سنمر على أمثلة من حث الإسلام على التوازن من خلال آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لكي نثبت بأن الإسلام دين شامل يحث على جميع الأمور التي تقود الشخص إلى النجاح والتميز في الدنيا والآخرة.
ولعل من أوائل الآيات التي يمكن الاستشهاد بها على مسألة التوازن قوله سبحانه: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (القصص 77)، فهذه الآية العظيمة تقرر مسألة هامة وهي أن المسلم ينبغي عليه التوازن بين أمور الآخرة وأمور الدنيا مع أن كل ما يفعله المسلم ينبغي أن يكون للآخرة في الأساس ولكن المقصد هنا أن لا يعتزل الشخص مثلا في المسجد أو في المصلى ويترك العمل، أو يعمل بالساعات الطوال ويترك الفرائض والواجبات.
كم من الصحابة قرروا الاعتكاف في المسجد الحرام أو المسجد النبوي حتى آخر حياتهم؟ ربما كان القليل منهم فقط فعل ذلك مع عظم فضل هذه الأماكن، ولكن الأغلب انطلقوا في الأرض لكي يعملوا وينتجوا في مجالات مختلفة كتعليم العلوم والدعوة إلى الله تعالى. وكانوا مع ذلك حريصين أشد الحرص على أمور الآخرة.
وعندما قام المسلمون بتطبيق هذه الآية تطبيقا صحيحا، برز العلماء في مجالات شتّى، وأصبح المسلمون هم المرجع في علوم الكيمياء والفيزياء والفلك والطب والجغرافيا وغير ذلك، ولم يقصّروا أبدا اتجاه ربهم، فكان منهم العالم والحافظ لكتاب الله تعالى، والعالم والداعية وهكذا.
إذا أراد المسلمون التميز في المجالات المختلفة، فعليهم الاهتمام بالعلم والإنتاج والعمل والبذل، ولكن لأن هدف المسلم في النهاية هو الجنة ونيل رضوان الله تعالى، فإن عليه أن لا يفرّط أبدا في واجباته اتجاه ربه وخاصة فيما فرض الله تعالى، هذا بالإضافة إلى أنه ينوي أن يكون كل عمله لله تعالى فتصبح جميع هذه الأعمال في ميزان حسنات الشخص بإذن الله تعالى. "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"  (الأنعام 162).
مع أمثلة أخرى في حلقات قادمة بإذن الله تعالى. نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السابعة (أمثلة من حث الإسلام على التوازن - 2) (2014/12/30)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
بدأنا في الحلقة الماضية بالاستشهاد من القرآن الكريم حول حث الإسلام للمسلم على التوازن، وفي هذه الحلقة نذكر آية أخرى من الآيات الرائعة التي تحث على التوازن ولعلها في واحدة من أهم المسائل في حياة الإنسان وهي مسألة التعامل مع المال.
يختلف الناس اختلافا شديدا في تعاملهم مع المال، فمنهم المبذّر أو المسرف وهو الذي يصرف المال الكثير من غير اكتراث في الغالب على أمور تافهة بل قد تكون محرّمة، ومنهم البخيل الذي لا يصرف شيئا، لا على نفسه ولا على الآخرين، وبين هاتين الفئتين درجات مختلفة، فما الذي يريده الإسلام؟
الجواب في قول الله تعالى: "وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً" (الإسراء 29)، وفي الآية الأخرى التي بيّنت صفة عظيمة من صفات عباد الرحمن "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً" (الفرقان 67). يريد الإسلام من أتباعه أن يكونوا متوازنين في تعاملهم مع المال، فلا إسراف ولا بخل وإنما اعتدال وتوازن.
ومتى ما طبّق الشخص في حياته هذا المبدأ، عاش سعيدا مرتاح البال بعكس البخيل أو المسرف الذي قد يسعد سعادة مؤقتة ولكن عاقبتها في أغلب الأحيان تكون غير مرضية، إن لم تكن في الدنيا فحتما في الآخرة. ويكفي قول الله تعالى عن المبذّرين: "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً" (الإسراء 27). وقوله تعالى في عاقبة البخل: "وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (آل عمران 180).
إن تأمل هذه العواقب الوخيمة للتبذير والبخل يؤكد بأن السلامة هي في التوازن وهو الذي يؤدي في النهاية إلى السعادة في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.
 مع أمثلة أخرى في حلقات قادمة بإذن الله تعالى. نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثامنة (أمثلة من حث الإسلام على التوازن - 3) (2015/1/16)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
في هذه الحلقة نعيش مع حديث نبوي عظيم يُعتبر دليلا هاما على حث الإسلام على التوازن. عن أنس رضي الله عنه ، قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أُخْبِروا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا – أي رأوها قليلة - وَقَالُوا: أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَقدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ. قَالَ أحدُهُم: أمَّا أنا فَأُصَلِّي اللَّيلَ أبداً. وَقالَ الآخَرُ: وَأَنَا أصُومُ الدَّهْرَ أَبَداً وَلا أُفْطِرُ. وَقالَ الآخر: وَأَنا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أتَزَوَّجُ أبَداً. فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فَقَالَ: "أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا واللهِ إنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
هذا الحديث العظيم يحمل فوائد كثيرة منها أنه لا يجوز الإفراط حتى في عبادة يحبّها الله تعالى لأن ذلك سوف يؤدي إلى التفريط في أمور أخرى هامة كذلك.
ومن هذه الفوائد أيضا أن التوازن أصل في الإسلام ولذلك ختم الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث بقوله: (فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) أي أن الذي لا يتوازن في حياته مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا يجرّنا إلى فائدة أخرى وهي أن الذي يتوازن في حياته مأجورعند الله تعالى لأنه يتّبع بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك بأن هذا الأمر فضل كبير من الله تعالى.
التوازن أمر هام جدا وهو من الأمور الأساسية المؤدية إلى النجاح والتميز في الدنيا والآخرة ولذلك حثّ عليه الإسلام من خلال الآيات والأحاديث النبوية في مواضع كثيرة.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة التاسعة (كيفية التوازن - التخطيط) (2015/1/31)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
نبدأ من هذه الحلقة ببيان بعض الوسائل التي تعين على التوازن في حياتنا، ولعل أولى الأمور التي تبرز في هذه الوسائل هي التخطيط.
كيف نستطيع التوازن والأمور التي نريد أن نتوازن فيها غير محددة؟ كيف نريد أن نتوازن ولا نعرف ما الذي نريده من كل مجال من المجالات المختلفة؟ التخطيط يساعد أولا على تحديد المجالات المختلفة في الحياة ثم يحدد بشكل دقيق ما الهدف الذي نسعى إليه في كل مجال.
بهذا التحديد نستطيع أن نحقق التوازن في حياتنا وإلا سيكون الشخص تائها لا يدري على ماذا يركّز وما الذي ينقصه من مجالات. والحديث الذي أوردناه في بداية هذه الحلقات والذي اخترنا منه تعريف التوازن يصلح لتحديد المجالات الرئيسة في الحياة (إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقّاً، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً)، فالمجالات الرئيسة لا تخرج عن كونها اتجاه الله تعالى واتجاه النفس واتجاه الآخرين.
المطلوب من الشخص أن يحدد في كل مجال الهدف أو الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، وحين يكتمل التخطيط، يستطيع الشخص أن يرى إن كان حقق التوازن في حياته أم قصّر في ناحية معينة.
التخطيط من أقوى الوسائل التي تعين على التوازن في الحياة، والقوة في التخطيط أن تكون مكتوبة وأن يحرص الشخص على متابعة أهدافه بشكل دوري، وإلا لم تكن ذات فائدة كبيرة.
يتّفق أغلب المفكّرين أن التخطيط من أهم وسائل النجاح والتميّز في الحياة، ولكنّ هذا التخطيط ينبغي أن يكون صحيحا وليس لمجرد أن يقول الشخص أنه خطّط. الكل يستطيع أن يدّعي أنه مخطّط جيد، ولكن القليل هم الذين يستحقون هذا اللقب، وأقلّ القليل هم الذين يحرصون على تطبيق ما خطّطوا له، فلنحرص على أن نكون من هؤلاء القلة. والتوازن الصحيح في الحياة مرتبط ارتباطا وثيقا بمسألة التخطيط الصحيح.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة العاشرة (كيفية التوازن - إدارة الذات) (2015/2/17)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
بدأنا بالحديث في الحلقة الماضية عن الخطوات العملية للتوازن، وذكرنا بأن من أوائل الخطوات التي تساعد على التوازن هي التخطيط. وفي هذه الحلقة نتحدث عن وسيلة هامة كذلك وهي إدارة الذات.
لا يمكن بأي حال من الأحوال تحقيق التوازن بدون إدارة فعّالة للذات، ونقصد بإدارة الذات إدارة الوقت وتنظيمها والتخطيط ووضع الأهداف والتقييم، فالتخطيط الذي ذكرناه في الحلقة الماضية يرتبط نجاحه بإدارة الذات، إذ كيف يمكن تحقيق الأهداف بدون إدارة فعّالة للوقت؟ وكيف يمكن التأكد من تحقيق الأهداف بدون تقييم ومتابعة؟
بعد أن يضع الشخص أهدافه، لا بد له أن يعرف كيف سيحقق هذه الأهداف؟ فكتابة الأهداف أمر هام جدا ولكنها تبقى في النهاية حبر على ورق، أما التطبيق فيتحقق من خلال إدارة الذات حيث يقوم الشخص بالتأمل في كل هدف وتحديد الوقت المناسب لتحقيقها، ويحتاج كذلك إلى تقسيم وقته بشكل جيد على كل الأهداف، ثم بعد ذلك يجب أن يتحقق إن كان حقق ما خطط له من خلال التقييم الدوري سواء كان يوميا أو أسبوعيا أو شهريا.
الإدارة الفعّالة للذات يتطلب قبل كل شيء وجود المعرفة اللازمة، فالعلم دائما يأتي قبل العمل، وهذا يتحقق من خلال القراءة أو حضور الدورات أو سماع المواد المسموعة، إذ يجب أن يبني الشخص أموره على قاعدة صلبة، وهذا لن يتحقق من غير وجود المعرفة اللازمة. أيضا تأتي أهمية المعرفة لتقليل التجربة والخطأ إذ أنه من غير معرفة سيجرّب الشخص أمورا كثيرة وقد يسبب ذلك في حصول عوائق كثيرة قد توقفه عن التطبيق.
الإدارة الفعّالة للذات يتطلب كذلك إصرارا وعدم يأس في تطبيق ما يعرفه الشخص، فلو كان الأمر سهلا لصار كل الناس متميزون وناجحون، ولكن القليل فقط هم الذين ينجحون في إدارة ذواتهم بشكل فعّال وأبرز أسباب ذلك هو إصرارهم وعدم يأسهم، وهذا ينعكس تلقائيا على نجاحهم وتميزّهم في الحياة. لكنني أود الإشارة قبل الختام بأن إدارة الذات والتخطيط مرتبطان ببعضهما لتحقيق التوازن في الحياة، فإذا خطط الشخص ولم يدر ذاته بفاعلية لم يمكنه التوازن، وإن أدار ذاته بفعالية ولم يخطط لم يمكنه التوازن كذلك.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الحادية عشرة (كيفية التوازن - العلم) (2015/2/28)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
لازلنا نتكلم عن الخطوات العملية لكيفية التوازن، وذكرنا إلى الآن أمرين رئيسين هما التخطيط وإدارة الذات، وفي هذه الحلقة نذكر أمرا آخر هاما وهو العلم.
قد يستغرب البعض من إيراد هذه الوسيلة كخطوة عملية من خطوات كيفية التوازن، إلا أننا إذا تعمّقنا في المسألة فسنجد أن العلم وسيلة هامة جدا في أي مسألة وبالتالي فهي وسيلة هامة كذلك في كيفية التوازن.
السؤال الهام هنا، كيف نستطيع أن نعرف مجالات الحياة المختلفة من غير علم؟ وكيف نستطيع أن نخطط لهذه المجالات من غير علم؟ وكيف نستطيع أن ندير ذواتنا بفعالية لتحقيق التوازن من غير علم؟ إذا نستطيع أن نرى بوضوح ارتباط العلم بكل وسيلة من وسائل كيفية التوازن.
والعلم المقصود هو العلم النافع والذي يفيد الشخص في دينه ودنياه، والمهم في موضوع التوازن هو تعلّم الأمور المرتبطة بالتوازن مثل الأمور التي ذكرناها في الحلقات السابقة من تعريف ومجالات وبعض الخطوات العملية للتوازن، فكلما زاد الشخص علما كلما كان تطبيقه للتوازن أفضل وأكبر.
وفضل العلم كبير جدا والآيات والأحاديث التي جاءت في فضل العلم والتعلّم أكثر من أن تحصى، وبالتالي، فالذي يتعلّم في أمور التوازن سوف يحصل بإذن الله تعالى على الأجر إن ابتغى بهذا العلم بوجه الله تعالى "وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ". (رواه مسلم).
أما الذي لا يتعلّم فيمكن أن يفسد أكثر مما يصلح، وسيواجه صعوبة كبيرة في كيفية التوازن في الحياة وذلك لجهله أولا بأهمية التوازن ثم بالأدوات اللازمة لكيفية التوازن.
والعلم يُنال أولا بالقراءة والتي تُعتبر أهم أدوات تحصيل العلم، ثم تأتي الدورات التدريبية بعد ذلك وحضور المحاضرات والندوات وسماع أو رؤية المواد الإعلامية المختلفة. والتعلّم مسألة مستمرة طوال الحياة وليس لفترة محددة، فالعلم في تطور دائم والوسائل في تجدد ومتى ما توقف الشخص عن طلب العلم أصبحت وسائله قديمة، وصدق الله تعالى حين قال: "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمَاً" (طه 114) مما يدل على ضرورة الاستمرار في طلب العلم.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحلقة الثانية عشرة (أمور تعين على التوازن - البيئة المتوازنة) (2015/3/16)




الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.

ذكرنا في الحلقات الماضية بعض الوسائل العملية التي تساهم في تحقيق التوازن في حياة الشخص مثل التخطيط وإدارة الذات والعلم، وفي هذه الحلقة نذكر بعض الأمور التي تعين الشخص على التوازن في الحياة وأولى هذه الأمور هي البيئة المتوازنة.

نقصد بالبيئة المحيط الذي يعيش فيه الشخص حياته وبالتحديد حياته الخارجية مع الآخرين من الأهل والأصدقاء. فبدون وجود بيئة متوازنة لدى الشخص، يصعب عليه تطبيق التوازن في حياته، لماذا؟

لأن هؤلاء الأهل والأصدقاء سوف يأخذون وقت الشخص كله وبالتالي لن يجد الشخص وقتا لأداء الأمور الأخرى. والشخص هو الذي يُشكّل بيئته بالصورة التي يريدها وليست شيئا مفروضا على الشخص.

عندما يزور الشخص أهله أو يلتقي بأصدقائه، فإنه يستطيع أن يمكث معهم لساعات طويلة ويستطيع كذلك أن يمكث معهم الوقت الكافي والمعقول، فالاختيار والقرار بيد الشخص وليس بيد الآخرين. عندما يعرف الآخرين بأن لدى الشخص أهدافا وأمورا يهدف إلى تحقيقها ويجدونه جادا في ذلك، فإنهم يحترمونه ويساعدونه، أما إذا كان الشخص بدون أهداف، فإن الوقت سوف يُسرق منه من الآخرين. ومن المهم كذلك أن يختار الشخص أصحابا يسعون كذلك لتحقيق التوازن في حياتهم وبالتالي يساعد الجميع بعضهم البعض.

وكذلك في الأهل، ينبغي أن يقوم الشخص بتعليم الآخرين معنى التوازن في الحياة حتى يقوم الجميع بمساعدة بعضهم البعض.

العلاقات في الحياة ضرورة، ولكن ينبغي أن يكون الشخص متوازنا فيه وإلا غطّت على أهدافه الأخرى، ولذلك فوجود البيئة المتوازنة من أهم الأمور التي تساعد الشخص على تحقيق التوازن في الحياة.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثالث عشرة (أمور تعين على التوازن - الدعاء) (2015/3/31)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
بدأنا في الحلقة الماضية في الحديث عن بعض الأمور التي تعين على التوازن في الحياة، وذكرنا أولى هذه الأمور وهي البيئة المتوازنة، وفي هذه الحلقة نذكر أمرا آخر هاما، بل أعتبر هذا الأمر من أهم الوسائل المعينة على التوازن ألا وهو الدعاء.
يحتاج الشخص حتى يحقق التوازن إلى معونة الله تعالى وإحدى أهم وسائل طلب هذه المعونة هي دعاء الله تعالى بأن يوفقه للتوازن، والجميل في الدعاء بأن الداعي يحصل على الأجر من الله تعالى بمجرد دعائه حتى لو لم يستطع تحقيق التوازن في حياته، فالدعاء كما جاء في الحديث الشريف هو العبادة، والدعاء هو القيام بأمر أمره الله تعالى ورسوله الكريم.
ولكن ينبغي أن يصاحب هذا الدعاء عملا وتخطيطا وتحديدا للمجالات وإدارة فعالة للذات، فلا يُعقل أن يدعو الشخص الله تعالى بأن يوفقه للتوازن وهو لم يعمل أي شيء، وإنما على الشخص اتخاذ الأسباب والوسائل المؤدية إلى التوازن، ويدعو الله تعالى قبل وأثناء وبعد هذه الأمور بأن يوفقه.
وقد يقول قائل بأن غير المسلمين استطاعوا تحقيق التوازن في حياتهم من غير أن يدعو الله تعالى، فنقول لهؤلاء بأن غير المسلمين ليسوا قدوة لنا وإن حققوا النجاح في حياتهم، فما أمرنا الله تعالى ورسولنا الكريم هو ما نتبعه، والله تعالى ورسوله الكريم أمرانا بالدعاء في جميع أمورنا. ثم إننا نبتغي الأجر والثواب في جميع أمورنا وهدفنا هو الآخرة أولا ثم تحقيق التميز في الدنيا، وبالتالي فلجوؤنا إلى الله تعالى يحقق لنا هذا الهدف، أما إذا نسينا الله تعالى، فيمكن أن نحقق التميز في الدنيا ولكن المصير في الآخرة قد يكون أليما وهذا ما لا يتمناه أي شخص.
الدعاء من أهم الأمور المعينة على التوازن في الحياة وهو من الأهمية بمكان أن يحرص عليه أي شخص يريد تحقيق التوازن في حياته.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الرابع عشرة (أمور تعين على التوازن - التقليل من الملهيات) (2015/4/18)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
بدأنا في الحلقات الماضية في الحديث عن بعض الأمور التي تعين على التوازن في الحياة، وذكرنا أمرين منها هي البيئة المتوازنة والدعاء، وفي هذه الحلقة نذكر أمرا ثالثا وهو التقليل عن الملهيات.
قد يكون هذا الأمر بسيطا بالنسبة للبعض ولكنه للأسف الشديد عامل مهم جدا للإعانة على التوازن خاصة وأن الإكثار من الملهيات يضيّع كثيرا من أوقات الشخص مما يبعده تلقائيا عن التوازن في الحياة.
نحن لا ندعو أبدا للابتعاد عن اللهو المباح ولكن الإكثار منها يضيّع على الشخص أمورا كثيرة. هذا بالنسبة للهو المباح فما بالنا باللهو الحرام والذي ينبغي الابتعاد منه بالكلية لأنه يقود الشخص إلى الهلاك والعياذ بالله تعالى إذا لم يتدارك الشخص نفسه.
الشخص الذي لديه أهدافا واضحة في الحياة سوف يقلل تلقائيا من الملهيات لأنه يعلم بأن وقته أثمن من الضياع في هذه الملهيات. والمتأمل في هذه الملهيات يجد بأنها تأخذ من الشخص الوقت الكثير، وهنا نتحدث مثلا عن مشاهدة البرامج التي ليس لها فائدة كثيرة مثل الرسوم المتحركة أو البرامج الرياضية وغيرها، والجلوس على الانترنت في غير فائدة وقضاء الأوقات الطويلة مع الأصحاب في المطاعم أو الحدائق وغيرها، ولا زلنا نؤكد بأننا نتحدث عن اللهو الحلال وليس الحرام.
يحتاج الشخص بين حين وآخر إلى راحة وتجديد، وهذه الملهيات المباحة وسيلة جميلة لتحقيق هذا التجديد، ولكنها يجب أن تكون مضبوطة بحيث لا تصبح هي الأساس ويتحول حياة الشخص إلى لهو ولعب.
التقليل من المباحات وسيلة هامة جدا للإعانة على التوازن في الحياة، ومن يتأمل حياة العظماء يجد هذا الأمر واضحا حيث الاهتمام دائما بالعلم والعطاء والإنتاجية ولذلك أصبحوا عظماء ومؤثرين في هذه الحياة.
الدنيا قصيرة ومحدودة والأوقات فيها أثمن من تضيع في هذه الملهيات الكثيرة، ولذلك وجب استثمار الأوقات فيما يعود على الشخص بالمنفعة في الدنيا والآخرة.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الخامس عشرة (عوائق التوازن) (2015/4/30)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
في هذه الحلقة، نتحدث عن بعض عوائق التوازن في الحياة، وهي في حقيقة الأمر تأكيد لما تم ذكره من الوسائل العملية التي تساهم في كيفية التوازن لأن العوائق هي عكس هذه الأمور.
أولى العوائق هي عدم وجود خطة وأهداف للشخص يسير عليها في حياته، فالخطة والأهداف الصحيحة وسيلة هامة جدا للتوازن في الحياة حيث تحديد المجالات الرئيسة في الحياة ومن ثم وضع أهداف لكل هذه المجالات. ومن لا يخطط سوف يجد صعوبة كبيرة في التوازن لأن بعض الأمور ستغيب عنه حتما، ومن لم يستهدف أمرا من الأمور الهامة في الحياة، لم يعتبر متوازنا حقا.
وقد توجد خطة وأهداف لدى الشخص، ولكن بسبب عدم معرفة الشخص لكيفية تنفيذ هذه الخطة بالصورة الصحيحة، فإنه قد يفقد التوازن كذلك. فالإدارة الفعالة للذات من أهم الأمور التي تساعد على تنفيذ الخطط وتحقيق الأهداف حيث تشمل إدارة الذات على إدارة الوقت وترتيب الأولويات والتقييم والمتابعة.
ولا شك بأن الجهل من أكبر عوائق التوازن، لأن الجاهل لا يعرف من الأساس أهمية التوازن في الحياة ولا كيفية تطبيقه، وبالتالي لا نتوقع منه تحقيق أي أمر في هذه المسألة.
وقد يأتي بعض الأشخاص ويقولون بأن هناك أشخاصا بلا خطط وأهداف ولكنهم متوازنون في الحياة، ويأتي آخرون ويقولون بأن أجدادنا والذين كان البعض منهم أميا حققوا التوازن في حياتهم رغم جهلهم وعدم معرفتهم لعلم التخطيط أو إدارة الذات.
نقول لهؤلاء، لماذا البحث دائما عن الاستثناءات وليس الأصل؟ الأمور التي نذكرها أساسية في تحقيق التوازن خاصة في عصرنا الحديث والذي لا يستطيع أحد أن ينكر زيادة المسؤوليات فيه مقارنة بالفترة السابقة. وأيضا فإن تطبيق هذه الأمور سوف يساعد الشخص على تحقيق أمور إيجابية أخرى بجانب التوازن كتحقيق الإنجازات.
وأيضا نقول لهؤلاء، إذا كنّا نبحث عن التميز والتفوق، فإن عصر التلقائية قد انتهى، فالذي لا يخطط وينجز سوف يظل متأخرا مهما أوتي من إمكانات ومهارات، والذي لا يحرص على التعلم المستمر سوف يتأخر لأن كمية العلم تزداد يوما بعد يوم. وبالتالي، فالذي يريد أن يحقق التوازن في حياته من دون أن يبذل أي جهد فقد يعيش في عالم الأوهام والأحلام.
إنني على قناعة بأن معظم من يطرح مثل هذه الأطروحات يريد الحصول على النجاح والتميز في الحياة على طبق من ذهب ومن دون أن يبذل أو يتعب، وهيهات أن يحصل على ذلك.
عوائق التوازن في الحياة كثيرة، والمتميزون فقط هم من يسعون ويبذلون لتخطي هذه العوائق.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السادس عشرة (التفريط) (2015/5/16)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
كما نعرف بأن التوازن عبارة عن فضيلة بين رذيلتين، التفريط والإفراط. وكم جرّت هاتين الرذيلتين على الناس والمجتمعات من ويلات ومصائب.
التفريط في الشيء يعني تركه أو عدم القيام به بشكل كامل، وهو أمر خطير له آثار سيئة كثيرة، فالتفريط في العبادات من الأمور الخطيرة التي قد تؤدي إلى غضب الله تعالى على الشخص وقد تؤدي كذلك إلى آثار اجتماعية خطيرة، فمثلا فإن التفريط في أداء فريضة الزكاة أو الصدقة يؤدي إلى زيادة نسبة الفقر وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الجرائم وانعدام الأمن وزيادة البطالة، وكل أثر من هذه الآثار تشكل كارثة على المجتمع فكيف إذا اجتمعت جميعها.
والتفريط في العلم كذلك من الأمور الخطيرة، فكم أدى الجهل إلى آثار خطيرة في مختلف النواحي؟ وما التخلف الذي نشهده في بقاع كثيرة من العالم الإسلامي إلا بسبب التفريط في العلم، وما الصورة السيئة التي يقدمها بعض المسلمين وخاصة في بلاد الغرب إلا بسبب التفريط في العلم، فالتفريط في العلم آفة عظيمة ينبغي التنبّه لها والعمل على علاجها.
والتفريط في العمل له آثار سيئة كذلك على الشخص وعلى الأمة، وهذا التفريط أدى إلى أن تكون إنتاجية بعض المسلمين قليلة جدا مقارنة إلى النسب العالمية، هذا رغم أن الإسلام دين العمل والبذل، إلا أن التفريط في العمل أدى إلى هذه النسبة المتدنية. هذا غير تأثّر الاقتصاد والثقافة بهذا التفريط.
التفريط له صور شتى، وما ذكرناه لم تكن إلا أمثلة على هذا التفريط، ولعلنا ندرك قيمة التوازن بشكل أكبر بعد أن عرفنا خطورة التفريط وآثاره السلبية، فإن البياض يكون أكثر بياضا عندما يوضع بجانب السواد.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى التوازن في حياتنا وأن يبعد عنّا التفريط في أمورنا كلها، ونسأله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السابع عشرة (الإفراط) (2015/5/30)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
ذكرنا في الحلقة الماضية أن التوازن عبارة عن فضيلة بين رذيلتين، الإفراط والتفريط، وذكرنا بعض الآثار السيئة للتفريط، وفي هذه الحلقة نتحدث عن المصيبة الثانية وهي الإفراط.
إذا كان التفريط هو ترك الشيء أو عدم القيام به بشكل كامل، فإن الإفراط هو تجاوز الحدود المعقولة للشيء بحيث يؤثر على الأمور الأخرى.
والإفراط بلا شك أمر سيئ ولو كان في أمر يحبّه الله تعالى، ولعل حديث الثلاثة الذين جاؤوا يسألون عن عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم يبيّن ذلك بوضوح حيث ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث بأن الإفراط في العبادة ليس من السنة (فمن رغب عن سنتي فليس مني).
الإفراط يؤدي إلى ضياع أمور كثيرة، فمن أفرط في العبادة ضيّع كثيرا من النواحي الأخرى من الناحية الاجتماعية والثقافية والتربوية وغيرها، ومن قال بأن النواحي الأخرى غير هامة، فنقول له: ولماذا أمر بها الإسلام إن لم تكن هامة؟ فأين حقوق الزوجة والأولاد؟ وأين صلة الرحم؟ وأين تنمية الذات؟
وهناك من الناس من يفرّط في العمل، فيرجع إلى منزله في ساعات متأخرة يوميا، فيضيّع كذلك حقوق أهله ونفسه وقد يصل به الأمر إلى أن يضيّع حقوق ربه. وهناك من يفرّط في الجانب الاجتماعي فيكون دائما مع أهله وأولاده وأصدقائه وينسى تنمية الجانب الذاتي لديه وهكذا.
الأصل في المسألة هو التوازن دائما كما ذكرنا في الحلقات السابقة، فمهما كان الجانب هاما، فإن الإفراط فيه يؤدي إلى ضياع جوانب أخرى هامة كذلك. فالشخص مطلوب منه أن يؤدي في جوانب كثيرة لأن الحياة تتطلب ذلك، ولا يخلو شخص أن يتمثّل في حياته بعدة أدوار، فهو  - أو هي - قد يكون ابنا وأبا وزوجا وموظفا ومديرا و صديقا وداعية ولاعبا وكاتبا وغير ذلك، فكل هذه الأمور (المباحة) لها حقوق يجب للشخص أن يؤديها، وبالتالي فإن الإفراط في أمر ما يؤدي إلى ضياع الأمور الأخرى حتما.
ليس التوازن أمرا سهلا وإنما يشكل تحديا يحتاج إلى جهد وعمل وتخطيط، ولذلك نجد أن المتميزين في الحياة هم من يحققون التوازن في حياتهم.
التوازن منهج نبوي عظيم، وهو يحتاج إلى عون وتوفيق من الله تعالى ثم بذل الأسباب المؤدية إلى هذا التوازن، أما من سار في طريق الإفراط أو التفريط فإنه قد يضرّ من حيث يريد النفع وقد يجّر على نفسه ومجتمعه مصائب وويلات كثيرة، والتاريخ القديم والحديث شاهد على ذلك.    
نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى التوازن في حياتنا وأن يبعد عنّا التفريط والإفراط في أمورنا كلها، ونسأله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثامن عشرة (ثمرات التوازن - تحقيق طاعة الله تعالى ورسوله الكريم) (2015/7/29)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
لا شك بأن لتطبيق التوازن في حياة الشخص ثمرات كثيرة، وتأتي على رأس هذه الثمرات تحقيق طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الأمر واضح من خلال الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحث على التوازن في الحياة والتي ذكرنا بعضا منها في الحلقات السابقة، وبالتالي فإن من يطبّق هذه الآيات الكريمة والتوجيهات النبوية يحقق طاعة الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا لا شك ثمرة عظيمة جدا، لماذا؟
لأن في طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ثمرات رائعة لعل أهمها أنها سبيل لدخول الجنة كما قال الله تعالى: "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (النساء 13)، وكذلك فإن طاعة الله ورسوله سبب لمرافقة العظماء في الجنة كما قال الله تعالى: "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً" (النساء 69)، فالفوز كل الفوز هو في طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي قصة الثلاثة الذين جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليسألوا عن عبادته، ختم صلى الله عليه وسلم الحديث بقوله: "فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) مما يدل على أن التوازن من السنة النبوية وصاحبه مأجور بتطبيقه بإذن الله تعالى.
إذا، الحرص على تحقيق التوازن في الحياة ليس أمر ا هامشيا وإنما طاعة لله تعالى ورسوله الكريم يحصل بها الشخص على ثمرات كثيرة وأجور عظيمة، ولذلك وجب الحرص عليه كل الحرص.

مع ثمرات أخرى في حلقات قادمة بإذن الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة التاسع عشرة (ثمرات التوازن - تحقيق السعادة والرضا الداخلي) (2015/8/21)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
بدأنا في الحلقة الماضية في الحديث عن ثمرات التوازن في الحياة، وذكرنا أن أولى الثمرات هي تحقيق طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفي هذه الحلقة نذكر ثمرة أخرى هي تحقيق السعادة والرضا الداخلي.
عندما نتأمل في تعريف التوازن الذي وضّحه الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه ووافقه النبي صلى الله عليه وسلم (إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقّاً، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) نجد أنه يغطّي الأمور الرئيسة في الحياة وهي الواجب اتجاه الله تعالى واتجاه النفس واتجاه الآخرين، وبالتالي فإن المتوازن في حياته يحقق هذه الواجبات الثلاث مما يضمن له تحقيق السعادة والرضا الداخلي.
هذا بعكس الشخص الذي يركّز على جانب واحد ويهمل الجوانب الأخرى، فإنه لا يصل إلى المعنى الحقيقي للسعادة والرضا، لأنه سيشعر بأنه مقصّر في الجوانب الأخرى وقد يحصل على عواقب وخيمة نتيجة إهماله في هذه الجوانب كمشاكل في الصحة أو نقص في الثقافة إن أهمل واجبه اتجاه نفسه أو لوم من أهله وأصدقائه إن أهمل واجبه اتجاه الآخرين، أو تقصير في جنب الله تعالى قد يصل إلى العقوبات في الدنيا والآخرة إن أهمل واجبه اتجاه الله تعالى، فكيف تتحقق السعادة والرضا بهذه النتائج السلبية؟
الشخص المتوازن في حياته يسعى لتحقيق واجباته اتجاه ربه ونفسه والآخرين وبالتالي يرى بنفسه ثمرات هذه الواجبات، فيشعر بحلاوة الطاعة "الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد 28)، ويرعى نفسه ويطوّرها دائما ويصل رحمه ويسأل عن أصدقائه ويجد لذة العطاء حينما يساعد الآخرين "مَنْ كَانَ في حَاجَة أخيه، كَانَ اللهُ في حَاجَته" (متفق عليه). كل ذلك يعين الشخص بأن يشعر بالسعادة والرضا.
وكما ذكرنا في حلقات سابقة، يحتاج الشخص حتى يتوازن في حياته ويحقق هذه الواجبات أن يتّبع وسائل معينة كالتخطيط وإدارة الذات والعلم بالإضافة إلى طلب التوفيق من الله تعالى، وإلا كان التوازن صعبا.
ولذلك كانت من الأدعية القرآنية الجميلة "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (البقرة 201) لأن الله تعالى يريدنا أن نسعد في الدنيا والآخرة، وإحدى طرق هذه السعادة التوازن بين أمور الدنيا والآخرة وليس التركيز على جانب واحد وإهمال الآخر.
مع ثمرات أخرى في حلقات قادمة بإذن الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة العشرون (ثمرات التوازن - تحقيق الإنجازات) (2015/8/31)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
بدأنا في الحلقات الماضية في الحديث عن ثمرات التوازن في الحياة، وذكرنا ثمرتين هما تحقيق طاعة الله تعالى وتحقيق السعادة والرضا الداخلي، وفي هذه الحلقة نذكر ثمرة ثالثة وهي تحقيق الإنجازات.
ذكرنا من قبل أن هناك ثلاث مجالات رئيسة في الحياة وهي الواجب اتجاه الله تعالى والواجب اتجاه الآخرين والواجب اتجاه النفس، والمتوازن بطبيعة الحال يعمل في هذه المجالات الثلاث وبالتالي يحقق إنجازات في كل هذه المجالات.
ولا يقتصر إنجاز المتوازن على شيء واحد وإنما يحقق إنجازات كثيرة متتالية، فالمتوازن في يومه يصلي الصلوات الخمس والنوافل ويذكر الله تعالى ويقرأ القرآن وهذا هو الواجب اتجاه الله تعالى، ثم هو يبرّ والديه ويؤدي حقوق أهله وقد يصل رحمه ويتواصل مع أصدقائه وينشر الخير في المجتمع وهذا هو الواجب اتجاه الآخرين، وأخيرا فهو يقرأ ويحرص على الرياضة وهذا هو الواجب اتجاه الذات. وبالطبع هذه بعض الأمثلة على يوم المتوازن وإلا فالإنجازات التي يمكن أن يحققها المتوازن أكثر من هذا بكثير.
والإنجاز نقصد به في نهاية الأمر تحقيق شيء مفيد، يفيد النفس أو يفيد المجتمع، وبالنسبة لنا كمسلمين فهو أي أمر نحصل فيه على الأجر من الله تعالى، وهذه الأعمال التي يقوم بها المتوازن يحصل فيها على الأجر من الله تعالى.
ويمتاز المتوازن عن غيره بأنه يحقق إنجازات كثيرة ومتتالية ومستمرة بعكس غير المتوازن الذي قد يحقق إنجازا بسيطا ولفترة مؤقتة فقط. الإنجاز المستمر هو ما نطمح إليه دائما لأنه هو الذي سيطوّر الفرد والمجتمع في النهاية.

مع ثمرات أخرى في حلقات قادمة بإذن الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الحادية والعشرون (ثمرات التوازن - ثمرات متعلقة بالمجتمع) (2015/9/19)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
بدأنا في الحلقات الماضية في الحديث عن ثمرات التوازن في الحياة، وذكرنا ثلاث ثمرات هي تحقيق طاعة الله تعالى وتحقيق السعادة والرضا الداخلي، وتحقيق الإنجازات، وفي هذه الحلقة نتحدث عن ثمرة رابعة وهي الثمرات المتعلقة بالمجتمع.
حينما يحقق الأفراد التوازن في الحياة، فإن هذا سينعكس بلا شك على المجتمع الذي يعيشون فيه، فالمجتمع سيكون مليئا بالإنجازات حينما يكون هناك أفراد منجزون، وسيكون المجتمع مستقرا حينما يكون أفراده مستقرين وهكذا.
ونحن هنا نتكلم عن الحالة العامة للمجتمع عندما يحقق معظم الأفراد التوازن في حياتهم، فالمجتمع في النهاية عبارة عن أفراد، فلا يمكن أن يكون الأفراد في واد ويكون المجتمع في واد آخر وإنما حالة المجتمع هو نتيجة طبيعية لحال الأفراد. وهكذا كان مجتمع المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان المجتمع منجزا يشعر أفراده بالسعادة والرضا الداخلي، وبالطبع كان مجتمعا طائعا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وحصلت المجتمعات المسلمة التي طبّقت التوازن على نفس هذه الثمرات والأمثلة على ذلك كثيرة من التاريخ الإسلامي ابتداء من زمن الخلفاء الراشدين مرورا بالدولة الأموية والعباسية والعثمانية والزنكية والمماليك والمرابطين والموحدين ودولة المسلمين في الأندلس. ولا نقصد بالطبع طوال فترة هذه الدول وإنما في زمن قوتها وعزتها.
إن أهم ثمرات أن يكون المجتمع متوازنا هو التقدم والرقي في معظم المجالات وهي ما حققته هذه الدول الإسلامية السالفة الذكر، وهي ما حققته كذلك معظم الدول المتقدمة في هذا العصر، فهذه الدول اهتمت بالتقدم في مجالات كثيرة وبالتالي تطلّب منها التوازن حتى تستطيع تحقيق هذا التقدم.
وعند التأمل في المعايير العالمية المنتشرة في الوقت الحالي والتي تتحدث عن التقدم والرقي، نجد أنها تركز على مجالات متعددة كالتعليم والاقتصاد والثقافة والأمن والبنية التحتية وغيرها، والدول المتقدمة أو التي تريد التقدم في سلم الترتيب العالمي لا بد لها من التوازن في الاهتمام بهذه المعايير حتى يمكنها التقدم في سلّم الترتيب العالمي.
الاهتمام بالتوازن ليس أمرا هامشيا وإنما جزء أصيل من الدين الإسلامي في المقام الأول ثم عنصر هام من العناصر اللازمة للتقدم والنهضة في جميع المجالات.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثانية والعشرون (العلاقة بين التوازن والتخصص) (2015/10/22)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
من الأمور التي تخطر على البال عند الحديث عن التوازن العلاقة بين التوازن والتركيز أو التخصص حيث يظن البعض بأن هناك تعارض بين التوازن والتخصص حيث أننا ذكرنا بأن الشخص المتوازن يجب عليه أن يسعى في جميع المجالات الهامة ابتداء من ربه ثم نفسه ثم الآخرين مما يعطي انطباعا بأن الشخص لا يمكنه أن يركّز أو يتخصص في مجال معين خاصة أننا نعلم بأن التركيز أو التخصص أمر هام لكل من يسعى إلى النجاح والتميز في الحياة. (اقرأ سلسلة (صناعة التركيز) من هنا).
في حقيقة الأمر، ليس هناك تعارض أبدا بين التوازن والتركيز ولكن هذا الأمر يعتمد على الإدارة الفعالة للذات والوقت. فلا يُعقل أن يكون الشخص الذي يركّز على أمر ما أن يلغي جميع الأمور الأخرى في حياته من واجباته اتجاه ربه ونفسه والآخرين، وإنما بسبب إدارته الفعّالة لذاته ووقته فإنه يعطي لكل شيء وزنه المعقول، وبالتالي فإن الشيء الذي سيركّز عليه أو سيتخصص فيه سيعطيه الوقت الأكبر من حياته مع عدم التأثير على الجوانب الأخرى الهامة وهذا هو عين الإدارة الفعّالة للذات.
ولنأخذ مثالا على هذا الأمر، ولنقل بأن شخصا ما يركّز على دراسة التاريخ واستخراج الدروس والفوائد منه ونشرها للآخرين بوسائل مختلفة ومتنوعة. هذا الأمر هو الأمر الرئيس في حياة هذا الشخص، ولكن بجانب هذا الأمر فإن هذا الشخص محافظ على الفرائض والنوافل المختلفة (الواجبات اتجاه ربه) وحريص على صحته وثقافته (الواجبات اتجاه نفسه) وحريص على بر والديه وصلة أرحامه والتواصل مع أصدقائه (الواجبات اتجاه الآخرين).
قد يظن البعض بأن هذه مثالية أو ضرب من الخيال ولكننا نقول بأن التميز ليس بالأمر السهل وإنما جهد وبذل وعمل، فمن أراد التميز والنجاح فعليه أن يدير ذاته ووقته بفعالية حتى يتمكن من تحقيق الإنجازات في مجال تخصصه وأن يكون كذلك متوازنا في حياته.
إذا لا تعارض بين التوازن والتخصص، بل إن العظماء في التاريخ الحديث والقديم وخاصة المسلمون منهم جمعوا بين هذين الأمرين والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثالثة والعشرون (أمثلة من مجالات التوازن في الحياة) (2015/11/14)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعة التوازن) والتي تهدف إلى بيان أهمية التوازن في حياة الشخص.
في هذه الحلقة سنذكر بعض من مجالات التوازن في الحياة أو السؤال الهام، ما الذي يحتاج إليه الشخص أن يتوازن في حياته؟ وقد ذكرنا بعضا من هذه المجالات في الحلقات السابقة، وبالتالي سنعيد بعضها ونذكر كذلك مجالات هامة أخرى.
-       التوازن بين الآخرة والدنيا: وهي هامة جدا لكل مؤمن حتى ينال النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة بإذن الله تعالى، وهذا التوازن هو مصداق قول الله تعالى: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" (القصص 77).
-       التوازن بين العلم والعمل: فمن الناس من يركّز على العلم وينسى أن يطبّق هذا العلم ومن الناس من يركّز على العمل وينسى أن يبني هذا العمل على علم، وكلاهما لم يختر الطريق الصحيح الذي هو التركيز على العلم والعمل معا، قال الله تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ" (محمد 19)، فأمر الله تعالى نبيّه بالعلم (فاعلم) ثم العمل (واستغفر) فالأمران هامان ولا بد من التوازن بينهما.
-       التوازن بين العقل والروح والجسد والعاطفة: حياة الشخص قائمة على هذه الأربع، ومن استطاع التوازن بينهم فقد نجح وأفلح، أما من ركّز على جانب أو جانبين وأهمل الباقي فقد فاته خير كثير وقد يتخلف عن ركب المتميزين بسبب عد التوازن بين هذه الأربع.
-       التوازن بين العزلة والاختلاط: الحياة الاجتماعية ضرورة للشخص ولكن يحتاج مع ذلك إلى لحظات خلوة يكون فيها مع نفسه، فلا يكون حياة الشخص دائما مع الناس ولا يكون حياته معزولا كذلك وإنما متوازنا بينهما.
-   التوازن بين الأسرة والعمل: وهي من الأمور الرئيسة التي تساهم في استقرار حياة الشخص، فمن الناس من يمكث في عمله لساعات طوال وينسى أسرته، ومنهم من يهمل العمل لصالح أسرته، والصحيح إعطاء كل أمر حقه.
هذه أمثلة لبعض مجالات التوازن في الحياة، ويجب أن يسعى الشخص للتوازن فيها قدر الإمكان حتى يكون على طريق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الأخيرة (2015/11/29)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأكرم الخلق أجمعين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
بحمد الله تعالى وتوفيقه، وصلنا إلى الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة (صناعة التوازن) والتي سعينا من خلالها إلى بيان أهمية التوازن في الحياة، هذه القيمة الهامة لكل من أراد التميز والنجاح في الدنيا والآخرة.
ودعونا في هذه الحلقة نلخّص ما ذكرناه في الحلقات الماضية:
·   أخذنا تعريف التوازن من الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه حين قال: (إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيكَ حَقّاً، وَلأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقّاً)، ومن هذا التعريف نستطيع القول بأن مجالات التوازن هي اتجاه الله تعالى واتجاه النفس واتجاه الآخرين.
·      حث الإسلام على التوازن كقيمة هامة في حياة كل مسلم، بل هو دين التوازن، ويظهر ذلك من خلال الآيات الكثيرة والأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن التوازن في المجالات المختلفة كما في قول الله تعالى: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" (القصص 77).
·      نستطيع تحقيق التوازن في حياتنا عن طريق التخطيط وإدارة الذات والعلم، بالإضافة إلى أنه هناك أمورا تعين على التوازن مثل البيئة المتوازنة والدعاء والتقليل من الملهيات.
·       ولا شك بأن هناك عوائقا للتوازن مثل عدم وجود خطة والجهل بأهمية التوازن، ويجب أن نعلم بأن التوازن فضيلة بين رذيلتين وهي الإفراط والتفريط.
·     للتوازن ثمرات كثيرة منها تحقيق طاعة الله تعالى وتحقيق السعادة والرضا الداخلي، وتحقيق الإنجازات وهناك ثمرات متعلقة بالمجتمع مثل التقدم والرقي في معظم المجالات.
·   ويجب التأكيد في النهاية أنه ليس هناك تعارض أبدا بين التوازن والتركيز ولكن هذا الأمر يعتمد على الإدارة الفعالة للذات والوقت.
لا شك بأننا لم نستطع تغطية هذا الموضوع من جميع جوانبه ولكننا سعينا بأن نرسل رسائل سريعة لكي نبيّن أهمية هذا الموضوع ونطرح أمورا عملية قدر الإمكان.
أسأل الله تعالى أن أكون قد أضفت شيئا مفيدا للأمة الإسلامية ولكل مجتمع مسلم، وأن أكون ممن ساهموا في نهضة هذه المجتمعات وهذه الأمة، كما أسأله تعالى أن يؤجرني على هذه السلسلة وأن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.

هذا وما كان من صواب وتوفيق فمن الله تعالى وحده، ومن كان من خطأ فمني والشيطان، وأسأل الله تعالى أن يغفر لنا خطأنا وجهلنا. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ