الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
تلاوة القرآن الكريم من أفضل الأعمال التي تقرّب إلى
الله تعالى، ولذلك حرص عليها الصالحون أشدّ الحرص لأنّ القرآن الكريم كلام الله
تعالى، والحرص على تلاوة كلام الله تعالى من تعظيم الله تعالى وحبّه سبحانه وهذا
مما يقرّب العبد من الله تعالى.
قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ
كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا
وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ" (فاطر 29)، ومعنى (تِجَارَةً
لَّن تَبُورَ) أي: لن تكسد وتفسد، بل تجارة هي أجلّ التجارات وأعلاها
وأفضلها، ألا وهي رضا ربهم، والفوز بجزيل ثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه
(تفسير السعدي)، فالحرص على تلاوة القرآن الكريم من أفضل الأعمال التي تجلب
الحسنات للشخص كما جاء في الحديث الشريف: "منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله
به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ
حرفٌ، وميمٌ حرفٌ" (رواه الترمذي).
وقد وصف الله تعالى القرآن الكريم بأوصاف متعددة في
القرآن الكريم مثل العظيم والنور والهدى والتبيان وهذا يدلّ على عظم هذا الكتاب بل
إنّه أعظم الكتب على الإطلاق ولذلك كان صاحبه ممن له الدرجات العلا من الجنة كما
جاء في الحديث الشريف: "يقالُ لصاحبِ القرآنِ: اقرأْ وارقَ ورتِّلْ كما كنتَ ترتلُ في الدنيا، فإنَّ
منزلتَك عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بها" (رواه الترمذي). فكلّما حرص الشخص
على تلاوة القرآن أكثر كلّما ارتقى في الجنّة أكثر.
وقد في الحديث الشريف: "إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا
الكِتَابِ أقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخرِينَ" (رواه مسلم)، فصاحب القرآن يحصل
على ثمرات في الدنيا قبل الآخرة كالسعادة والطمأنينة والبركة وغيرها، أمّا في
الآخرة فالأجر كبير وعظيم كما قال صلى الله عليه وسلم: "الَّذِي يَقْرَأُ
القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي
يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أجْرَانِ"
(متفقٌ عَلَيْهِ)، وهذا الحديث يدلّ على علوّ منزلة حامل القرآن وقربه من الله
تعالى.
تلاوة القرآن الكريم ينبغي أن يكون برنامجا يوميا للشخص
وأن يحرص عليها أشدّ الحرص كحرصه على أمور يومه الأخرى كالعمل والأكل والشرب. أسأل
الله تعالى أن يوفّقنا جميعا لطاعته وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون
أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة الخامس عشرة 17 يونيو 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
روى الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ
الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ليسَ شيءٌ أَكْرَمَ على اللَّهِ تعالى منَ
الدُّعاءِ". أي: لا يُوجَدُ شيءٌ في العباداتِ أفضلُ عِندَ اللهِ
سبحانه وتعالى مِن الدُّعاءِ، لأنَّ الدُّعاءَ فيه إظهارُ العَجْزِ والخُضوعِ
والفَقرِ إلى اللهِ، والاعترافُ بقوَّةِ اللهِ سبحانه (موقع الدرر السنية).
الدعاء من أفضل العبادات ومنزلته عظيمة عند الله تعالى
وهو من أحبّ الأعمال إليه سبحانه وبالتالي فالمحافظ عليه قريب من الله تعالى، وفي
نفس الوقت، فإن الله تعالى قريب من الذي يدعوه كما قال سبحانه: "وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ" (البقرة 186).
ومن عظم شأن الدعاء قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم
بأنّه هو العبادة (رواه الترمذي). أي: مِن أجلِه تَكونُ العبادةُ، لأنَّ العبدَ في
دُعائِه لربِّه يَكونُ مُعترِفًا بكَمالِ رُبوبيَّتِه وأُلوهيَّتِه، ويَكونُ
مُقبِلًا على اللهِ مُعرِضًا عن غيرِه (موقع الدرر السنيّة). فكلّ هذه
الأحاديث تدلّ على قرب الداعي من الله تعالى.
وكلما حرص الشخص على آداب الدعاء والأوقات الفاضلة التي
يُستجاب فيه، كلّما كان ذلك أفضل وقد يشعر الشخص بشكل أكبر بقربه من الله تعالى.
ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء في موضع يكون فيه العبد أقرب إلى
الله تعالى كما جاء في الحديث الصحيح: "أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن
رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ" (رواه مسلم).
وكذلك هو الحال في الثلث الآخر من الليل حين ينزل الله
تعالى إلى السماء الدنيا، فيكون الدعاء من الأمور الرئيسة التي يُنصح أن يقوم بها
العبد. جاء في الحديث الصحيح: "يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ
لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ:
مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني
فأغْفِرَ له؟" (رواه البخاري).
ومن يتأمل الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي وردت
في شأن الدعاء، يدرك عظم شأن هذه العبادة وقرب المحافظ عليه من الله تعالى. أسأل
الله تعالى أن يوفّقنا جميعا لطاعته وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون
أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة السادس عشرة 1 يوليو 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
اهتم الإسلام بعلاقة الشخص بالآخرين مثلما اهتم بعلاقته
بالله تعالى، ولذلك كان حسن الخلق من أهم الأعمال التي تقربّ إلى الله تعالى وكان
صاحبه ذو منزلة عالية عند الله تعالى. جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه
وسلم: "مَا مِنْ شَيْءٍ أثْقَلُ في مِيزَانِ العبدِ المُؤْمِنِ يَوْمَ
القِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ" (رواه الترمذي) أي: أعظمَ في الثَّوابِ
والأجْرِ يكونُ في صَحيفةِ العبْدِ، ويُثقِّلُ له مِيزانَه. (موقع الدرر
السنية).
والمراد بحسن الخلق هو الاتّصاف بالأخلاق الكريمة التي
حثّ عليها الإسلام مثل الصدق والأمانة والتعاون والإيثار والوفاء وغيرها.
والاتّصاف بهذه الأخلاق يرفع شأن صاحبه في الدنيا قبل الآخرة حيث يحبّ الناس أصحاب
الأخلاق الحسنة ويحترمونهم ويثقون فيهم.
وقد جاء في حديث آخر أنّ رسولُ الله r سُئِلَ عَنْ أكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فقَالَ: "تَقْوَى
اللهِ وَحُسنُ الخُلُقِ" (رواه الترمذي)، فهذا الحديث يدلّ على المنزلة
العالية لحسن الخلق وأنّه من أفضل الأعمال التي تقرّب الشخص إلى الله تعالى. ولذلك
اشتملت الوصية الجامعة التي أوصاها الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله
عنه على التحلّي بحسن الخلق لأهميّة هذا الأمر ولأنّ ذلك سبب في فلاح الشخص في
الدنيا والآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ
وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"
(رواه الترمذي).
ولكي ندرك أكثر المنزلة العالية لحسن الخلق، تأمّل في
هذا الحديث العظيم الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المُؤْمِنَ
لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ" (رواه أَبُو داود).
فالحرص على حسن الخلق يُعلي من شأن صاحبه عند الله تعالى ويرفع قدره ودرجاته في
الجنّة.
ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "واهدِني لِأحسَنِ الأخلاقِ لا يهدي لِأحسَنِها إلَّا أنتَ واصرِفْ عنِّي
سيِّئَها لا يصرِفُ عنِّي سيِّئَها إلَّا أنتَ" (رواه ابن حبّان). أسأل
الله تعالى أن يوفّقنا جميعا لطاعته وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون
أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة السابع عشرة 16 يوليو 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
من أهم الأعمال التي تقرّب إلى الله تعالى برّ الوالدين
ولذلك قرن الله تعالى في آيات متعددة بين عبادته تعالى وبين بر الوالدين كما قال
سبحانه: "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" (النساء 36)، وقوله تعالى: "وَقَضَى
رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" (الإسراء
23). قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى "وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً": (أي: أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي لأنهما
سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق
ووجوب البر).
وقد جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم:
"الوالدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ" (رواه ابن ماجه)، فدلّ
هذا الحديث أنّ بر الوالدين من الأسباب الموجبة لدخول الجنّة ولذلك حرص الصالحون
على هذا العمل العظيم لأنهم علموا أنّه من أكبر القربات إلى الله تعالى.
ومن عظيم هذا العمل أنّ البرّ يستمر ولو كان الوالدين
على الشرك، فرغم هذا الجرم العظيم إلا أنّه لعظم البّر فإنّ الله تعالى أمر به كما
قال سبحانه: "وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً" (لقمان 15).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (أي: إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما
على دينهما، فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا،
أي: محسنا إليهما).
ولأن برّ الوالدين عمل عظيم، فإنهما سبب رئيس في رضا
الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم: "رضا الربّ تبارك وتعالى في رضا
الوالدين، وسخط الربّ تبارك وتعالى في سخط الوالدين" (صحيح الترغيب). ولذلك
كان الوالدين هم أحقّ الناس بحسن الصحبة كما جاء في الحديث الشريف أنّه جَاءَ
رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. (رواه مسلم).
برّ الوالدين يرفع صاحبه في الجنّة ويقرّبه إلى الله
تعالى. أسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعا لطاعته وأن نكون من الذين يستمعون القول
فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب
العالمين.
**********************************
الحلقة الثامن عشرة 27 يوليو 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
الإنفاق في سبيل الله تعالى من أهمّ الأعمال التي تقرّب
إلى الله تعالى وذلك لفضله الكبير وأجره العظيم كما جاءت بذلك الآيات الكريمة
والأحاديث الشريفة. تأمل مثلا في قوله تعالى: "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي
كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 261). قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (هذا
مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة
تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف).
ويكفي في الإنفاق أنّه من العبادات التي يٌتاجر صاحبه مع
الله تعالى، وهذه التجارة ليست فيها خسارة أبدا كما قال تعالى: "إِنَّ
الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ
أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ" (فاطر
29-30).
ومجال الإنفاق في سبيل الله تعالى واسع جدا أوّلها
الزكاة التي هي من أركان الإسلام ولها أجر كبير عند الله تعالى ويكفي أنّها قُرنت
بالصلاة في آيات كثيرة. ثم تأتي الصدقة على الفقير والمسكين والضعفاء وهي من أحبّ
الأعمال إلى الله تعالى وصاحبها له منزلة كبيرة عند الله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: "وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ
الخَطِيئَةَ كَما يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ" (رواه الترمذي)، وفي الحديث
الآخر: "مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ
اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ
يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ" (رواه البخاري).
وهناك باب القرض الحسن والوقف
وغيرها من أبواب الإنفاق في سبيل وكل ذلك ممّا يرفع صاحبه في درجات الجنّة بإذن
الله تعالى. وخذ مثلا الوقف أو الصدقة الجارية لتعرف الأجر الكبير الذي يحصل عليه
صاحبه كما قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ
عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقةٍ جَاريَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ،
أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" (رواه مسلم)، فالصدقة الجارية من الأعمال
التي تبقى للشخص بعد موته وقد يستمر ذلك لسنوات عديدة وكفى بذلك من فضل.
فكل هذه الآيات والأحاديث تؤكّد
فضل الإنفاق في سبيل الله تعالى، وكلّما أكثر الشخص من أبواب الإنفاق كان ذلك أفضل
وقرّب صاحبه أكثر من الله تعالى. أسأل الله
تعالى أن يوفّقنا جميعا لطاعته وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه،
أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة التاسع عشرة 15 أغسطس 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
طلب العلم ونشره من أهم الأعمال التي تقرّب إلى الله
تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه
عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ" (رواه مسلم).
فطلب العلم ونشره له ثمرات كثيرة على الفرد وعلى الناس ولذلك كان له هذا الأجر
الكبير.
وقد مدح الله تعالى العلماء بأنهم أشدّ الناس خشية له
سبحانه كما قال تعالى: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء"
(فاطر 28)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (أي: إنّما يخشاه حق خشيته
العلماء العارفون به، لأنّه كلّما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف
بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل،
كانت الخشية له أعظم وأكثر). ومن كانت خشيته لله أكثر كان قربه لله تعالى
أكبر.
والله تعالى رفع قدر أهل العلم كما قال سبحانه: "يَرْفَعِ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"
(المجادلة 11)، ويكفي العالم فضلا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث
الشريف: "وإنّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ
القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ
الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُوَرِّثوا دينارًا
ولا درهمًا، إنما وَرّثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ" (رواه الترمذي).
وفي الحديث الآخر: "فَضلُ العالِمِ على العابدِ، كفَضلِي على أدنَاكُم. ثمَّ قالَ
رَسولُ اللهِ: إنَّ اللهَ وملائكتَه وأهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في
جُحرِها، وحتَّى الحوتَ، ليُصلُّونَ على مُعلِّمِي النَّاسِ الخيرَ" (رواه
الترمذي). فهذا الفضل الكبير والأجر العظيم للعالم يؤكّد قربه من الله تعالى
ومكانته العالية في الدنيا والآخرة.
وضابط العلم أن يكون مفيدا سواء كان علما دينيا أو
حياتيا، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سَلوا اللهَ عِلمًا نافعًا وتعَوَّذوا
باللهِ مِن علمٍ لا ينفعُ" (رواه ابن ماجه)، فطلب العلم النافع ونشره هو ما
يعطي الشخص الأجر العظيم ويقرّبه من الله تعالى. أسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعا
لطاعته وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله
وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة العشرون 25 أغسطس 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
الصوم من أهم الأعمال التي تقرّب العبد إلى الله تعالى
ويؤكّد ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال للصحابي الجليل أبو أمامة الباهلي
رضي الله عنه: "عليكَ بالصَّومِ فإنَّهُ لا عدلَ لَه" (رواه النسائي)، وفي رواية أخرى: "فإنَّهُ لا مِثْلَ لهُ" (صحيح الترغيب)، وهذا يؤكد القيمة العالية والمنزلة
الرفيعة للصوم.
ولذلك نجد بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصا على
الصوم في أيّام كثيرة كالاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وغيرها لأنّه كان
يعلم منزلة الصيام عند الله تعالى وأنّه من أفضل القربات والعبادات التي يحبّها
الله تعالى. هذا بالإضافة إلى الأجر العظيم الذي يتحقق للصائم كما جاء مثلا في
الحديث الشريف: "مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"
(رواه البخاري). وكذلك فإنّ إحدى أبواب الجنّة مخصّصة للصائمين وهو باب الريّان.
وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الصوم في أحاديث
متعددة بل وجاءت أجور منفصلة لصيام بعض الأيّام المخصوصة كصيام عرفة وعاشوراء
وستّة أيام من شوال وثلاثة أيام من كل شهر. كل ذلك يرفع من قدر الصوم ويجعله صاحبه
قريبا من الله تعالى.
ولا نريد أن ننسى كذلك بأن الصوم ورد كذلك في أركان
الإسلام وهو صوم شهر رمضان، والأجور الواردة في صيام شهر رمضان كثيرة ويكفي في ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم: "من صَامَ رَمَضَانَ إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ" (رواه البخاري) هذا غير أنّه من الفرائض وقد
ذكرنا في حلقة سابقة فضل عمل الفرائض.
من أراد القرب من الله تعالى فعليه بالصوم فإنّ له ثمرات
كثيرة ومنافع متعددة في الدنيا والآخرة. أسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعا لطاعته
وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك
هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة الحادية والعشرون 15 سبتمبر 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
الدلالة على الخير من أفضل الأعمال عند الله تعالى،
وكلمة الخير كما قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى هو اسم جامع لكل ما يقرّب إلى
الله ويبعد من سخطه، وبالتالي فمجال الخير واسع جدّا وهذا من فضل الله
تعالى ورحمته.
ويدخل في الدلالة على الخير الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وهو مما يحقّق الفلاح للشخص كما قال سبحانه: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (آل عمران 104)، وكذلك
وصف الله تعالى هذه الفئة بأنهم من الصالحين كما قال سبحانه: "يُؤْمِنُونَ
بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ"
(آل عمران 114)، قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (أي: الذين يدخلهم الله في
رحمته ويتغمّدهم بغفرانه وينيلهم من فضله وإحسانه). وهذه الصفات مما يقرّب
الشخص إلى الله تعالى.
جاء في الحديث الشريف: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ
فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ" (رواه مسلم)، وهذا لا شكّ فضل عظيم وباب كبير
لجلب الحسنات للشخص حتى بعد مماته. وفي الحديث الآخر: "مَنْ دَعَا إِلَى
هُدَىً، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَه، لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ
مِنْ أجُورِهمْ شَيئاً" (رواه مسلم)، فالأجر عظيم والفضل كبير وكل ذلك يقرّب
الشخص أكثر من الله تعالى.
ونشر العلم النافع كذلك من أبواب الدلالة على الخير،
وهذا الباب واسع لكل من له علم ولو كان بسيطا حيث قال صلى الله عليه وسلم: "بَلِّغُوا
عَنِّي وَلَوْ آيَةً" (رواه البخاري)، فيستطيع الشخص أن ينشر أي شيء نافع
فيحصل بذلك على الأجر من الله تعالى. وكلّما ازداد الشخص علما وقام بنشره كان ذلك
أفضل. جاء في الحديث الشريف: "إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ
السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ" (رواه
الترمذي).
باب الدلالة على الخير من الأبواب الواسعة جدا خاصة في
عصرنا الحالي مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية (الانترنت)،
فيستطيع الشخص أن ينشر الخير في أوسع نطاق فيكسب بذلك حسنات كثيرة ويزداد قربا من
الله تعالى.
أسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعا لطاعته وأن نكون من
الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو
الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة الثانية والعشرون 26 سبتمبر 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
أبدأ من هذه الحلقة بذكر بعض الوسائل التي تسبّب البعد
عن الله تعالى، وقبل ذكر بعض من هذه الوسائل، لابدّ من بيان خطورة البعد عن الله
تعالى حيث يُعتبر ذلك كارثة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، والكارثة الأكبر هي
عدم إدراك الشخص البعيد عن الله تعالى لخطورة ما هو فيه.
البعد عن الله تعالى يُفقد الشخص كثيرا من المعاني
والمشاعر الإيجابية التي قد يظنّ الشخص البعيد عن الله تعالى أنّه يحملها كمعاني
السعادة والرضا والطمأنينة والسكينة وغيرها والتي لا تتحقّق بشكل عميق إلا بالقرب
من الله تعالى. ومهما سعى البعيد عن الله تعالى لتحقيق هذه المعاني، فإنّه لا يحصل
عليها وإن حدث فسيكون مؤّقتا بل قد يعقب ذلك حسرات وويلات.
قال الله تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا" (طه 124)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله
تعالى: (أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيّق حرج لضلاله، وإن تنعّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء،
وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا
يزال في ريبة يتردد. فهذا من ضنك المعيشة).
والبعيد عن الله تعالى يكون في موقف صعب كذلك في قبره خلال
فترة البرزخ وهي الفترة التي يقضيها الشخص في قبره من وقت مماته إلى قيام الساعة. وأثناء
هذه الفترة، تكون الأعمال الصالحة هي أكثر ما تنفع الشخص. ففي الحديث الشريف
الطويل الذي يبيّن الفرق بين الذي يحصل للذين يعملون الصالحات والسيّئات في
قبورهم، يقول صلى الله عليه وسلم في شأن الرجل الصالح: "ثم يأتيه آتٍ حسنُ
الوجهِ طيبُ الريحِ حسنُ الثيابِ قال: فيقول له: يا هذا أبشِر برضوانِ اللهِ
وجناتٍ فيها نعيمٌ مقيمٌ. قال: فيقول: وأنت فبشَّرك اللهُ بخيرٍ فمن أنت لَوجهُك
الوجهُ يُبشِّر بالخيرِ؟ قال: يقول: أنا عملُك الصالح، فواللهِ ما علمتُ إن كنتَ
لسريعًا في طاعةِ اللهِ بطيئًا عن معصية اللهِ فجزاك اللهُ خيرًا".
أمّا في جانب الرجل السيئ، فيقول صلى الله عليه وسلم:
"ثم يأتيه آتٍ قبيحُ الوجهِ منتنُ الريحِ قبيحُ الثيابِ فيقول: يا هذا أبشِرْ
بسخطِ اللهِ وعذابٍ مقيمٍ قال: فيقول: وأنت بشَّرك اللهُ بالشرِّ فمن أنت؟ لَوجهُك
الوجهُ يبشِّر بالشرِّ. قال: يقول: أنا عملُك السيئُ والله ما علمتك إن كنت
لسريعًا في معصية اللهِ بطيئًا عن طاعة اللهِ فجزاك اللهُ شرًّا" (حديث
صحيح).
والأمر الأدهى من ذلك كلّه هو الخسارة الكبيرة يوم
القيامة حيث لا ينفع الندم، فالبعيد عن الله تعالى يبتعد عن الجنّة ويقترب من النيران
وهذا لا شكّ خزي وذلّ للشخص. جاء في الحديث الشريف: "يُؤْتَى بأَنْعَمِ أهْلِ
الدُّنْيا مِن أهْلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ، فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً،
ثُمَّ يُقالُ: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ" (رواه مسلم). فالسعادة
التي كان يظّن الشخص أنّه ينالها في الدنيا بالبعد عن الله تعالى سوف تزول بمجرّد
غمسة واحدة في النار. فهل يدرك الشخص ذلك.
البعد عن الله تعالى خطر كبير ويجب تداركه، والعلاج هو
العودة إلى الله تعالى في أي وقت ف "اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ،
وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا" (رواه مسلم). أسأل الله تعالى أن يوفّقنا
جميعا لطاعته وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم
الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة الثالثة والعشرون 17 أكتوبر 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
بعد أن ذكرت في الحلقة السابقة خطورة البعد عن الله
تعالى وأنّه لابدّ للشخص الذي يريد القرب من الله تعالى أن يبتعد عن الأمور التي
تسبّب البعد عنه سبحانه. وأبدأ من هذه الحلقة بذكر بعض الأمور التي تسبّب هذا
البعد، وأولى هذه الأمور وأخطرها على الإطلاق الشرك بالله تعالى.
الشرك بالله تعالى هو أن يُشرك الشخص مع الله تعالى إلها
آخر فيعبده أو يدعوه أو يعظّمه أو يستغيث به، وكل ذلك أمور منافية لتوحيد الله
تعالى والذي ينصّ على أنّه لا معبود بحقّ إلا الله تعالى كما هو معنى (لا إله إلا
الله).
وكما أنّ التوحيد هو أعلى الأمور التي تقرّب من الله
تعالى، كان الشرك به سبحانه من أعلى الأمور التي تبعد عنه سبحانه، فالأصل هو أن
يعبد الشخص من خلقه ورزقه وأحسن إليه، فإذا لم يفعل ذلك ولجأ إلى غيره، استحق أعظم
العقوبات.
ولكي نعلم خطورة الشرك، دعونا نتأمل في بعض الآيات
والأحاديث التي وردت في شأنه. تأمّل مثلا في قوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ
يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن
يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً" (النساء 48)، وفي الآية
الأخرى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً"
(النساء 116). ففي هاتين الآيتين، ذكر سبحانه ثلاث نتائج خطيرة للشرك وهي عدم مغفرة
الله تعالى للمشرك وأنّ الشرك إثم عظيم وأنّ المشرك قد ضلّ ضلالا بعيدا.
فأمر واحد من هذه الأمور تكفي لبيان خطورة الشرك والعقوبة
العظيمة للمشرك، فكيف إذا اجتمعت جميعها. بل وقد بيّن الله تعالى نتيجة أخرى أخطر
من هذه الأمور وهي قوله تعالى: "إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ" (المائدة
72). فالمشرك مصيره نار جهنّم خالدا فيها ولا شكّ بأنّ ذلك خسارة عظيمة.
والشرك بالله تعالى أكبر الكبائر على الإطلاق كما قال
صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ
باللَّهِ" (رواه البخاري)، وكذلك يأتي الشرك بالله تعالى على رأس
الموبقات أي المهلكات التي تُهلك صاحبها في الدنيا والآخرة كما قال صلى الله عليه
وسلم: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟
قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ" (رواه البخاري).
كل هذه النتائج والعقوبات للشرك تبيّن بكل وضوح خطورة
الشرك بالله تعالى والتي ينبغي للشخص أن يتجنّبها وذلك بتوحيد الله تعالى وعبادته
وحده كما أمر بذلك سبحانه: "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ
شَيْئاً" (النساء 36). أسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعا لطاعته وتوحيده وأن
نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم
أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة الرابعة والعشرون 27 أكتوبر 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة.
نذكر في هذه الحلقات الأمور التي تبعد عن الله تعالى حتى
نتجنّبها لأنّ في اجتناب هذه الأمور قرب من الله تعالى. ومن أخطر الأمور التي تبعد
عن الله تعالى الكبائر. قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري وغيرهم أن
الكبائر هي كل ذنب ختمه الله تعالى بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقد جاء
ذكر هذه الكبائر في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة مثل الشرك بالله تعالى
وترك الصلاة وعقوق الوالدين والزنا والربا وشرب الخمر والسرقة وغيرها.
وكلّ كبيرة من الكبائر لها إثم عظيم وعقوبة كبيرة بعضها
في الدنيا، ولكنّ المصيبة الكبرى هي في الآخرة حيث العذاب الأليم في نار جهنّم إن
لم يتب الشخص من هذه الكبائر. بل إنّ بعض الكبائر يعذّب صاحبها في القبر كما ورد
في شأن الزنا والربا وغيرها فيكون في عذاب إلى أن تقوم الساعة وهذا لا شكّ عقوبة
عظيمة وخزي كبير لصاحبه. وبعض الكبائر أشدّ جرما من الآخر كما ذكرنا في الحلقة
السابقة عن الشرك بالله تعالى والذي يُعدّ أكبر الكبائر.
ولذلك حذّر الإسلام من ارتكاب هذه الكبائر بل ومن
الاقتراب منها لما لها من آثار سيئة على الفرد في الدنيا والآخرة، وقد تتعدى هذه
الآثار إلى المجتمع فيكثر الفساد والكراهية وغيرها من الأخلاق السيئة، ولهذا كانت
عقوبة الكبائر أكبر من غيرها من الذنوب بل إنّ الله تعالى وضع لبعض هذه الكبائر
عقوبة في الدنيا يُطلق عليها الحدّ كشرب الخمر والزنا والسرقة وغيرها مما جاءت به
الآيات الكريمة أو السنة النبوية.
فالواجب على كل من يريد القرب من الله تعالى اجتناب
الكبائر كما قال سبحانه: "إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ
نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً" (النساء
31). قال الإمام السعدي
رحمه الله تعالى: (وهذا من فضل الله وإحسانه على عباده
المؤمنين وعدهم أنهم إذا اجتنبوا كبائر المنهيات غفر لهم جميع الذنوب والسيئات
وأدخلهم مدخلا كريما كثير الخير وهو الجنة المشتملة على ما لا عين رأت، ولا أذن
سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
أسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعا لطاعته وتوحيده وأن
نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم
أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة الخامسة والعشرون 15 نوفمبر 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة. ونذكر في هذه
الحلقات الأمور التي تبعد عن الله تعالى حتى نتجنّبها لأنّ في اجتناب هذه الأمور
قرب من الله تعالى.
الرياء من أخطر الأمور التي حذّر الله تعالى ورسوله صلى
الله عليه وسلم منه. جاء في الحديث الشريف: "إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ: الرياءُ. يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ إذا جزى
الناسُ بأعمالِهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون
عندَهم جزاءً" (صحيح الجامع). والرياء هو فعل العمل ابتغاء وجه الناس
وهو عكس الإخلاص وبالتالي فإن صاحبه يستحق العقاب الأليم من الله تعالى.
وفي الحديث الشريف الذي ذكر فيه الرسول صلى الله عليه
وسلم عن أوَّلُ خلقِ اللهِ الذين تُسعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامةِ،
فذكر صلى الله عليه وسلم الرجل الذي جمعَ القرآنَ والرجلٌ المجاهد والرجلٌ كثيرُ
المالِ، فاستحق الثلاثة دخول النار بسبب ريائهم في أعمالهم رغم فضل هذه
الأعمال ولذلك قال الله تعالى لكل واحد منهم كما جاء في الحديث الشريف: "بل
أردتَ أن يقالَ فلانٌ قارئٌ فقد قيلَ ذلكَ" وكذلك الأمر بالنسبة
للمجاهد والمنفق، فمن خطورة الرياء أنّ أصحابه من أوائل من يدخلون النار والعياذ
بالله تعالى.
وخطورة الرياء كذلك تأتي من كون الشخص يجحد فضل الله
تعالى عليه وأنّه سبحانه هو الرازق والمعطي، فيجحد كلّ ذلك ويبتغي ثناء الناس من
أجل مصالح دنيوية فيكون ذلك سبباً لهلاكه في الآخرة. جاء في الحديث القدسي: "قالَ
اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا
أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ" (رواه مسلم)، وكم يكون حسرة الشخص حين يتخلى
الله تعالى عنه في وقت يحتاج فيه الشخص إلى رحمة الله تعالى لكي ينجو.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ومن راءى رَاءى الله
به"(متفقٌ عليه). قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (يعني من عمل
عملا ليراه الناس ويمدحوه عليه فإن الله تعالى يرائي به ويبيّن عيبه للناس ويفضحه
والعياذ بالله حتى يتبين أنه مرائي، وفي هذا الحديث التحذير العظيم من
الرياء وأن المرائي مهما كان مهما اختفى لا بد أن يتبين والعياذ بالله).
فعاقبة الرياء لا تقتصر على الآخرة وإنّما في الدنيا كذلك، فالناس تبتعد بشكل عام
عن المرائي.
ودفع الرياء يحتاج إلى مجاهدة كبيرة للنفس وينبغي للشخص
أن يكثر من اللجوء إلى الله تعالى بأن يجنّبه الرياء، بالإضافة إلى تذكّر عاقبة
الرياء في الدنيا والآخرة. وقد جاء في الحديث الذي صحّحه بعض أهل العلم قوله صلى
الله عليه وسلم: "الشركُ فيكم أخفى من دبيبِ النملِ، وسأدلُك على شيءٍ إذا
فعلتَه أذْهَبَ عنك صَغارُ الشركِ وكبارُه، تقولُ: اللهمَّ إني أعوذُ بك أنْ
أُشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفرُك لما لا أعلمُ" (صحيح الجامع). والله الموفق
إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة السادسة والعشرون 26 نوفمبر 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة. ونذكر في هذه
الحلقات الأمور التي تبعد عن الله تعالى حتى نتجنّبها لأنّ في اجتناب هذه الأمور
قرب من الله تعالى.
آفات اللسان من أكثر الأمور التي تبعد عن الله تعالى،
وقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الآفات حين قال في الحديث الشريف:
"إذا أصبحَ ابنُ آدمَ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ اللِّسانَ، فتقولُ
اتَّقِ اللَّهَ فينا فإنَّما نحنُ بِك فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججتَ اعوججنا"
(رواه الترمذي). فاللسان سبب لنجاة الشخص أو هلاكه في الدنيا والآخرة.
وتأمل في الحديث الشريف الذي أجاب فيه الرسول صلى الله
عليه وسلم عن تساؤل الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه: (يا نبيَّ
اللَّهِ وإنَّا لَمؤاخذونَ بما نتَكَلَّمُ بِهِ؟)، فقال صلى الله عليه وسلم:
"ثَكِلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهَل
يُكِبُّ النَّاسَ على وجوهِهِم في النَّارِ، إلَّا حصائدُ ألسنتِهِم" (رواه
ابن ماجه)، فآفات اللسان سبب رئيس لدخول النار والعياذ بالله تعالى.
وآفات اللسان كثيرة كالكذب والغيبة والنميمة والسخرية وقول الزور والفحش
في القول، وكل آفة من هذه الآفات مهلكة للشخص، ففي شأن الكذب يقول صلى الله عليه
وسلم: "وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النار" (رواه
البخاري)، وفي شأن النميمة يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنّة
نمّام" (رواه مسلم). وفي شأن قول الزور يقول صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ
بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ،
وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ فَما زالَ يقولُها، حتَّى قُلتُ: لا
يَسْكُتُ" (رواه البخاري).
وكلّما زاد الشخص من آفات اللسان كان ذلك أدعى لابتعاده عن الله تعالى أكثر
وازدياد عذابه يوم القيامة. قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرَّجلَ
ليتَكَلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللَّهِ لا يرى بِها بأسًا فيَهْوي بِها في نارِ
جَهَنَّمَ سبعينَ خريفًا" (رواه ابن ماجه). فهذه أثر كلمة واحدة فكيف بمن
أطلق لسانه فيما لا يرضي الله تعالى. لا شكّ أنّ في ذلك خسارة أليمة في الدنيا
والآخرة.
أسأل الله تعالى أن يحفظ لساننا من كل آفة وأن نكون من
الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو
الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة السابعة والعشرون 15 ديسمبر 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة. ونذكر في هذه
الحلقات الأمور التي تبعد عن الله تعالى حتى نتجنّبها لأنّ في اجتناب هذه الأمور
قرب من الله تعالى.
من أخطر الأمور التي تبعد عن الله تعالى أمراض القلوب
وهي أخطر من أمراض الجوارح بل هي أساسها وسببها الرئيس. وهذا مصداق حديث النبي صلى
الله عليه وسلم: "ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ
الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ"
(رواه البخاري)، وأكّد على ذلك الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه حين قال: (القلب
ملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث القلب خبثت جنوده)، فتواجد
أمراض القلوب يفسد الجسد كلّه ويجعله مليئا بالأمراض الخطيرة التي تبعد الشخص أكثر
وأكثر عن الله تعالى.
وأمراض القلوب كثيرة وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم
والسنة النبوية ومن أمثلتها الرياء والحقد والحسد وسوء الظنّ والنفاق واتباع الهوى
وغيرها. وكل مرض من الأمراض له عواقب وخيمة ونتائج كارثية على الشخص في الدنيا
والآخرة. وتزداد الخطورة بازدياد هذه الأمراض لدى الشخص فيزداد بعدا عن الله تعالى
والعياذ بالله تعالى.
ونتيجة لهذه الأمراض، تتشكّل قلوب كثيرة أخبر عنها الله
تعالى في كتابه الكريم مثل القلوب القاسية والميّتة والمقفلة والمريضة والغليظة
وغير ذلك. وكل قلب من هذه القلوب تبعد عن الله تعالى. تأمّل مثلا في قوله تعالى:
"كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ،
كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"
(المطففين 14-15). قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (فإنه محجوب عن الحق، ولهذا
جوزي على ذلك، بأن حجب عن الله، كما حجب قلبه في الدنيا عن آيات الله).
وفي آية أخرى يقول تعالى: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا
لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ
بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ
بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ
الْغَافِلُونَ" (الأعراف 179)، فأصحاب هذه القلوب من أهل جهنّم والعياذ بالله
تعالى وبالإضافة إلى ذلك وصفهم الله تعالى بأنهم أضلّ من الأنعام وهذا لا شك صفة
سيئة لهم، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (أي: هؤلاء الذين لا يسمعون الحق
ولا يعونه ولا يبصرون الهدى، كالأنعام السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها إلا
في الذي يعيشها من ظاهر الحياة الدنيا) ووصفهم الله تعالى كذلك بالغفلة.
أمراض القلوب خطيرة وإذا لم يتدارك الشخص نفسه ويعالج
أمراض قلبه، فستكون عواقبه وخيمة في الدنيا قبل الآخرة حيث سيفقد السعادة
والطمأنينة والسكينة والهدوء والحياة الطيبة وهذا من الخسران المبين. أسأل الله
تعالى أن يرزقنا قلبا سليما وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه،
أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
**********************************
الحلقة الثامنة والعشرون 26 ديسمبر 2022
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة. ونذكر في هذه
الحلقات الأمور التي تبعد عن الله تعالى حتى نتجنّبها لأنّ في اجتناب هذه الأمور
قرب من الله تعالى.
النفاق من أخطر الأمور التي تبعد عن الله تعالى، وقد ذكر
الله تعالى في كتابه الكريم هذا البعد الذي يسببه النفاق حيث قال سبحانه: "إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ
نَصِيراً" (النساء 145)، فكان وجودهم في الدركات السفلى من النار دليلا على
شدة بعدهم من الله تعالى.
والنفاق هو إظهار أمر خلاف ما يبطن الشخص، وفي الاصطلاح
هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر وهو نوعان، نفاق أكبر أو اعتقادي وهو التعريف
السابق وصاحبه هو المراد بالآية السابقة بأنّه في الدرك الأسفل من النار. وهناك
نفاق أصغر أو عملي وهو الذي يأتي ببعض صفات المنافقين ولكنّه لا يبطن الكفر، وهذا
النوع يُعتبر من العاصين الذين يستحقون العقوبة من الله تعالى إن لم يتوبوا،
وكلّما أتوْا بصفات أكثر، ازدادوا بعدا من الله تعالى.
وقد أورد الله تعالى في كتابه الكريم صفاتا كثيرة
للمنافقين وكذلك وردت صفات أخرى في السنة المطهّرة. كلّ ذلك لكي يكون الشخص على
بيّنة من أنْ يقع في هذه الصفات فيبتعد عن الله تعالى. تأمّل مثلا في قوله تعالى:
"إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا
قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا
يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا" (النساء 142)، فقد ذكر الله تعالى بعض
صفات المنافقين في هذه الآية التي ينبغي الحذر منها كخداعهم لله تعالى (بما أظهروه
من الإيمان وأبطنوه من الكفران) (تفسير السعدي) وكسلهم وتثاقلهم عن الصلاة
والرياء في الأعمال وعدم ذكر الله تعالى إلا قليلا.
فكل من رأى في نفسه هذه الصفات أو بعضها، فليحذر من ذلك
لأنّ ذلك من علامات النفاق والتي تبعد عن الله تعالى. وقد جاء كذلك في الحديث
الشريف: "أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه
خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا
اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ
فَجَرَ" (رواه البخاري)، فالصفات هنا واضحة وكلّ منها تبعد عن الله تعالى
فإذا اجتمعت أو زادت عند الشخص كان على خطر كبير.
ينبغي للشخص أن يعرض نفسه على الآيات الكريمة والأحاديث
النبوية التي وردت في شأن المنافقين حتى يبتعد عنهم فيجنّب نفسه خطر البعد عن الله
تعالى. أسأل الله تعالى أن يجنّبنا النفاق وأن نكون من الذين يستمعون القول
فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب
العالمين.
**********************************
الحلقة التاسعة والعشرون 15 يناير 2023
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا
مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
والتي تهدف إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك. فالقرب
من الله تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا
حتى نحصل على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة. ونذكر في هذه
الحلقات الأمور التي تبعد عن الله تعالى حتى نتجنّبها لأنّ في اجتناب هذه الأمور
قرب من الله تعالى.
جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ
ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ" (رواه الترمذي)، وفي
الحديث الآخر: "لَوْلَا أنَّكُمْ تُذْنِبُونَ، لَخَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ
يَغْفِرُ لهمْ" (رواه مسلم)، فالأصل أن يذنب الشخص ويخطئ، وليس هناك
شخص معصوم من الخطأ في هذه الدنيا إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ولكنّ المصيبة هي الإصرار على الذنب والجهر به، فالأصل
حين يقع الشخص في أي ذنب أن يبادر إلى التوبة والاستغفار ولو تكرّر منه الذنب ولكنْ
أنْ يصرّ الشخص على المعصية من دون توبة وأن يجهر بها فهذا من الأمور التي تبعد عن
الله تعالى ويُخشى على هذا الشخص من سوء الخاتمة في الدنيا ومن العذاب في الآخرة
والعياذ بالله تعالى.
جاء في الحديث الشريف: "كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ
يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ
عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ
يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه" (رواه
البخاري)، فالمجاهرة بالمعصية أمر خطير لها آثار وخيمة، ليس فقط على الشخص وإنما
على الآخرين حيث أنها باب لنشر المعاصي في المجتمع ولذلك فإن عقوبة المجاهر تزيد
ويزداد بذلك بعدا عن الله تعالى.
والمتأمل في القرآن الكريم يجد العواقب المختلفة التي حدثت
لأقوام الأنبياء كعاد وثمود وقوم لوط ومدين وغيرهم حيث أصرّ هؤلاء على معاصيهم
وجهروا بها فاستحقوا العذاب الأليم من الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة. فالإصرار
على المعصية ولو كانت صغيرة خطر كبير فكيف إذا كانت كبيرة من الكبائر. وفي الحديث
الشريف: "لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ؛ حتى يُعْلِنُوا بها؛ إلا فَشَا
فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا"
(رواه ابن ماجه).
قال الإمام ابن بطّال رحمه الله تعالى: (في الجهر
بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله، وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم)،
فالشخص المصرّ على المعصية والمجاهر بها يُبعِد الله تعالى وعذابه عن حساباته
فتكون النتيجة أن يبعده الله تعالى كذلك عنه فيخسر بذلك خسرانا كبيرا.
فينبغي على كل من وقع في معصية أن يسارع إلى التوبة
والاستغفار حتى يتوب الله تعالى عليه وينجو في الدنيا والآخرة. جاء في الحديث
القدسي: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي،
فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا
يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ، فَقالَ: أَيْ
رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ،
وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي
ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا
يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ
لَكَ، قالَ عبدُ الأعْلَى: لا أَدْرِي أَقالَ في الثَّالِثَةِ أَوِ
الرَّابِعَةِ: اعْمَلْ ما شِئْتَ" (رواه مسلم).
أسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول
فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب
العالمين.
**********************************
الحلقة الأخيرة 26 يناير 2023
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده سبحانه على
جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، وأحمده سبحانه على أن وفّقني لكتابة هذه السلسلة،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ها قد وصلنا إلى نهاية هذه السلسلة (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) والتي سعيت من خلالها إلى بيان أهمية القرب من الله تعالى والوسائل المؤدّية إلى ذلك، ولا شكّ بأن هناك وسائل كثيرة غير التي ذكرتها في هذه السلسلة ولكن في الجملة فقد ذكرت أهم ما مرّ ببالي وما سمعته وقرأته هنا وهناك.
وكما كنت أذكر في مقدمة كل حلقة بأنّ القرب من الله
تعالى من أهمّ الأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى من أجلها في حياتنا الدنيا حتى نحصل
على ثمرات ذلك في الدنيا أولا ثمّ بعد ذلك في الآخرة. وقد كان هذا الأمر دأب
الأنبياء والصالحين في القديم والحديث حيث كانوا يسعون إلى القرب من الله تعالى
بشتّى الوسائل التي شرعها الله تعالى لهم وتنافسوا على ذلك كما قال تعالى: "وَفِي
ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" (المطففين 26).
الوسائل التي تساهم في القرب إلى الله تعالى كثيرة وقد
ذكرنا بعضا منها في هذه السلسلة. وبشكل عام، فإن اتّباع أيّ من أوامر الله تعالى
أو اجتناب أيّ من نواهيه سواء جاءت في القرآن الكريم أو على لسان نبيّه محمد صلى
الله عليه وسلم يُعتبر قرباً من الله تعالى بشرط أن يأتي الشخص بالفرائض أولا ثم
ما استطاع من النوافل.
وتذكّر الجنّة ودرجاتها والنار ودركاتها من الأمور
الرئيسة التي تساهم في إقبال الشخص على القرب من الله تعالى، فكلما زاد الشخص من
الطاعات زاد قربا من الله تعالى وبالتالي ارتفعت درجاته في الجنّة وابتعد عن
النّار بإذن الله تعالى.
ثم يأتي الدعاء كأمر رئيس آخر ينبغي أن يحرص عليه الشخص
لكي يوفّقه الله تعالى للطاعات، فجانب كونه وسيلة للقرب من الله تعالى، فالدعاء من
الأمور التي تجعل الشخص يكمل في طريق القرب من الله تعالى ولذلك أمر الله تعالى به
في مواضع متعددة في كتابه الكريم.
ولنتذكر دائما أنّ دخول الجنّة يكون برحمة الله تعالى
كما جاء في الحديث الشريف: "ليسَ أحَدٌ مِنكُم يُنْجِيهِ عَمَلُهُ قالوا: ولا
أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه بمَغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ" (رواه
مسلم). ولكنّنا نحتاج إلى العمل لكي نحصل على هذه الرحمة. فالعمل أمر ربّاني كما
قال سبحانه: "وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ" (التوبة 105).
أسأل الله تعالى أن أكون قد أضفت شيئا مفيدا للأمة
الإسلامية ولكل مجتمع مسلم، وأن أكون ممن ساهموا في نهضة هذه المجتمعات وهذه
الأمة، كما أسأله تعالى أن يؤجرني على هذه السلسلة وأن نكون جميعا من الذين
يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
وسأسعد باستقبال أي ملاحظة أو تعليق يساهم في تطوير هذه السلسلة أو سلاسل قادمة
بإذن الله تعالى.
هذا وما كان من صواب وتوفيق فمن الله تعالى وحده، وأسأل الله تعالى أن يغفر لنا خطأنا وجهلنا. والحمد لله رب العالمين.