الثلاثاء، 18 سبتمبر 2018

مشاهدات (14) - تعلّم من أدبه




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:
كنت أقرأ قبل فترة بعض المواقف من حياة الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى مؤسس المذهب المالكي، ومن تلك المواقف أن أمّه بعثته في صغره ليتعلّم من عالم معيّن فأوصته بوصية تُكتب بماء الذهب حين قالت له: (اذهب فتعلّم من أدبه قبل أن تتعلّم من علمه).
في بيئة العمل، هناك قادة ومدراء وموظفون تَسْعدُ بالجلوس معهم والحديث إليهم ولا تريد للوقت أن ينتهي، واحدة من الأسباب هي الأدب الكبير الذي يتحلّى به هؤلاء حيث أن أدبهم يأسر القلوب والعقول.
ولا أريد أبدا أن أقللّ من شأن الناحية العلمية، فهي هامة جدا ولكنّي رأيت بأن الناس يميلون ويرتاحون أكثر لأصحاب الأدب الرفيع، فإذا اجتمع الأدب الرفيع مع العلم الغزير في أي مجال كان ذلك أفضل وأفضل.
موقف آخر جذبني في حياة الإمام مالك رحمه الله تعالى وهو قوله (لا أدري) إن كان لا يعرف الفتوى لدرجة أن رجلا جاء إليه من مكان بعيد يسأله عن فتوى فردّ عليه الإمام مالك: (لا أدري) فقال الرجل: فماذا أقول لأهل البلد، فقال الإمام مالك: قل لهم بأن الإمام مالك لا يدري.
منهج (لا أدري) ضروري كذلك في بيئة العمل بدل من الخوض وإدلاء المعلومات في كل صغيرة وكبيرة، فمع اتساع العلم في عصرنا الحالي، لا أعتقد بأن أحدا يعلم كل شيء حتى في مجال تخصصه وبالتالي لا حرج أن يقول الشخص حتى إن كان قائدا أو مختصا (لا أدري) إن كان فعلا لا يدري. ولن ينقص ذلك من قدره أبدا. وفي نفس الوقت ينبغي له البحث والسؤال حتى تتحقق له الفائدة.
أيضا، فلا نتوقع من القائد أو المختص أن يجيب على كل شيء ب(لا أدري) وإلا سيفقد قيمته، فالعلم والمعرفة رحلة لا تنتهي وصدق الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى حين سئل: إلى متى ستطلب العلم؟ فقال: من المحبرة إلى المقبرة.  والحمد لله رب العالمين.

لقراءة مقالة (تحدي عظيم وكبير)، يرجى الضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق