الخميس، 15 مارس 2018

سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) - سلسلة تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة


بسم الله الرحمن الرحيم


الحلقة الأولى (المقدمة) (2018/3/15)



الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على توفيقه، الحمد لله على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، الحمد لله على كل عمل صالح نؤديه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
عندما أنتهي من سلسلة ما، فإن من أصعب الأمور التي تمرّ عليّ هي التفكير في موضوع السلسلة القادمة، وفي حقيقة الأمر، فقد فكّرت كثيرا في الموضوع الذي سأختاره لهذه السلسلة ومرّت على ذهني مواضيع كثيرة إلى أن وفّقني الله تعالى لاختيار الموضوع.
وجاء اختيار الموضوع بعد أن زرت المقبرة في يوم من الأيام وتذكّرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام ابن ماجه وحسّنه الإمام الألباني رحمهما الله تعالى عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلس على شفير القبر فبكى حتى بلّ الثرى ثم قال: "يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا". وقد اخترت المقطع الأخير من هذا الحديث عنوانا لهذه السلسلة (لمثل هذا فأعدوا). والهدف من هذه السلسلة هو التذكير أولا بموضوع القبر والموت بما أنه من الأمور التي ينبغي أن لا تغيب عن بالنا أبدا، ولكنّها للأسف تغيب عنّا كثيرا.
والأمر الثاني الذي أهدفه من هذه السلسلة هو الإجابة عن الأسئلة التالية: هل نحن مستعدون فعلا لدخول القبر؟ وما هي استعداداتنا لهذا الأمر؟ أعتقد أن الجميع يعلم علم التخطيط الاستراتيجي والتشغيلي، فهل طبّقنا ذلك على مسألة استعدادنا للقبر كما تفعل الدول المتقدمة والمؤسسات الكبيرة لأي أمر؟
التذكير بمسألة القبر لا ينبغي أن يؤدي إلى السلبية والخوف والقعود، وإنما الإيجابية والعمل والعطاء، فمن علم بأن نعيم القبر يأتي بالعمل والعطاء والإيجابية فسيكون إعداده لهذا اليوم جيدا.
أسأل الله تعالى أن يوفقني لطرح أمور مفيدة وأن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثانية (اليقين) (2018/3/24)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
سمعت عن أحد الصالحين قوله: (لم أر يقينا كشك الناس في موتهم) ويقصد بأن أكثر شيء يتقين الناس فيه أنهم لن يموتوا أبدا، وهذا بالطبع ليس عاما على كل الناس وإنما معظمهم.
ومع أن الناس يسمعون في كل يوم عن وفيات كثيرة من مختلف الأعمار ولأسباب مختلفة، بعضها طبيعية وبعضها بسبب حوادث، ومع حضور الناس كذلك لصلاة الجنازة ودفن الموتى بعد ذلك في المقابر، إلا أن كثيرا منهم يعود مرة أخرى إلى حياته الطبيعية وكأن شيئا لم يحدث أو يكون أثر الموت عليه مؤقتا إن كان الميّت من أقاربه أو من أصدقائه المقرّبين. مرة أخرى، لا أقصد التعميم ولكن هذا هو الغالب للأسف الشديد.
هناك أسباب كثيرة لهذه الغفلة لعل أهمها هو قلة اليقين. إن سألت أي شخص: هل ستموت أم لا؟ ستكون الإجابة بالطبع نعم، ولكني أعتقد أن هذه الإجابة هي على اللسان فقط ولكن القلب ينكر ذلك والدليل أعماله التي لا تثبت أبدا بأنه مستعد لهذا اليوم العظيم، فلو كان فعلا موقنا بأنه سيموت في أي لحظة لما فرّط في الأعمال الصالحة واقترف السيئة منها.
الذي يوقن بأنه سيموت في أي لحظة سيحرص أشد الحرص على كل ما يرضي الله تعالى لأنه يريد أن يموت على خير ولأنه سيعلم بأن المرء سيُبَعث على ما مات عليه، فهل يريد الشخص أن يُبعَث وهو يصلّي أو يذكر الله أو يقرأ القرآن أو  يصل رحمه أو كانت هذه آخر أعماله؟ أم يريد الشخص أن يُبعَث وهو يعمل أي نوع من المحرمات أو كانت هذه الأعمال هي آخر عهده.
المسألة هنا مسألة فكرية بالدرجة الأولى، فهل هناك يقين وقناعة بالموت وما بعده من حساب وجنة ونار أم أنها مسألة غير هامة ولا تستحق التفكير بها من الأساس.

حياتنا ستتغير بإذن الله تعالى إلى الأفضل إذا وضعنا مسألة استعدادنا للقبر من أولوياتنا. إلى مزيد من هذه المعاني في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثالثة (قيمة الحسنات) (2018/4/24)




الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
في هذه الحلقات أطرح بعض الأسباب التي تبيّن ضعف استعدادنا لدخول القبر، وقد ذكرت في الحلقة السابقة أن قلة اليقين بالموت واليوم الآخر هي إحدى الأسباب الرئيسة، وسبب آخر في وجهة نظري لضعف الاستعداد هو عدم معرفة قيمة الحسنات وخطورة السيئات.
المعلوم بأن يوم الحساب يوم القيامة لن يكون بحسب المنصب أو المال أو الجنسية وإنما بأمر واحد فقط، الحسنات والسيئات، والمعادلة في ذلك واضحة جدا: من غلبت حسناته سيئاته دخل الجنة ومن غلبت سيئاته حسناته دخل النار والعياذ بالله تعالى "وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ" (الأعراف 8-9). صحيح أن المسلم لا يخلّد في النار ولكن دخول النار ولو للحظة واحدة شيء فظيع جدا.
من حسن استعداد الشخص لدخول القبر واستقبال الموت والحساب أن تراه حريصا على الحسنات بشتّى أنواعها، ومن رحمة الله تعالى أن ضاعف الحسنات إلى أضعاف مضاعفة "مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا" (الأنعام 160) وفي الآية الأخرى: "مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا" (النمل 89)، ففضل الله تعالى كبير والعقلاء هم الذين يستثمرون هذه الحسنات ويضعونها في رصيدهم حتى يكونوا على أشد الاستعداد لاستقبال الموت والحساب.
من يعرف قيمة الحسنات سوف يحرص عليها أشد الحرص، لماذا؟ لأنه يعلم بأن هذه الحسنات هي التي ستدخله الجنة وتنجيه من النار بعد رحمة الله تعالى، ولا يدري الشخص، فقد تكون حسنة واحدة هي التي ستدخله الجنة فلا ينبغي للعاقل أن يفرّط في أي عمل صالح، فكما قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: (لا ينبغي للعاقل المؤمن أن يحتقر شيئا من أعمال البر، فربما غُفر له بأقلّه)، وأحسن منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئاً وَلَوْ أنْ تَلقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَليقٍ" (رواه مسلم).
الحرص على الحسنات أكبر دليل على استعداد الشخص وإعداده لليوم الحق، يوم يدخل قبره ويبدأ عالم آخر فلا ينجيه إلا أعماله الصالحة بإذن الله تعالى. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الرابعة (خطورة السيئات -1) (2018/5/9)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
ذكرت في الحلقة الماضية أن من أسباب ضعف استعداد الشخص للموت هو عدم معرفة قيمة الحسنات حيث أنه لو عرف قيمتها فلن يفرّط فيها أبدا وستتغيّر حياته إلى الأفضل بإذن الله تعالى.
من الأسباب الأخرى كذلك عدم معرفة خطورة السيئات مما يؤدي إلى تهاون الشخص بها وارتكابها بلا مبالاة وما يدري هذا المسكين بأن هذه السيئات قد تكون هي سبب في دخوله النار والعياذ بالله تعالى.
وتجد البعض للأسف الشديد يقلّل من شأن دخوله النار حيث يسمع أحاديث نبوية بأن المسلم لا يُخلّد في النار وأن رحمة الله تعالى واسعة وبالتالي تراه يقول بأن دخول النار لفترة قصيرة لا يضرّ وبالتالي يستمر في ارتكابه للسيئات والعياذ بالله تعالى.
وما يدري كذلك هذا المسكين بأن غمسة  - مجرد غمسة -  في النار تنسيه جميع ملذات ونعيم الدنيا كما جاء في الحديث الشريف: "يُؤْتَى بِأنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأيْتَ خَيْراً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ" (رواه مسلم) والمقصود بالصبغة أي : يغمس كما يغمس الثوب في الصبغ.
ولا يدري هذا المسكين كذلك بأن نار الآخرة أقوى من نار الدنيا بتسعة وستين مرة كما جاء في الحديث الشريف: "نارُكم هذِه، الَّتي يوقِدُ ابنُ آدمَ، جزءٌ من سبعينَ جزءًا مِن حرِّ جَهنَّم. قالوا : واللَّهِ إن كانت لَكافيةً ، يا رسولَ اللَّهِ قال: فإنَّها فُضِّلت عليها بتسعةٍ وستِّينَ جزءًا. كلُّها مثلُ حرِّها" (رواه مسلم) فهل يطيق الشخص نار الدنيا حتى يطيق نار الآخرة.
لو تخيّل الشخص جزاء ارتكابه للسيئات لما اقترب منها أبدا وسيكون استعداده للموت أفضل، ولكن إن حدث ووقع فيها – وحتما سيقع -  فليسارع إلى التوبة والاستغفار كما قال صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوّابون" (رواه ابن ماجه).

 أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الخامسة (خطورة السيئات -2) (2018/6/28)





الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
من وسائل حسن إعدادنا لليوم الآخر عدم الاستهانة بأية معصية مهما كانت صغيرة، فهذه الصغائر قد تكون سبب هلاك الشخص في الدنيا ويوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحقّرات الذنوب، فإنما مثل محقّرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى جملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه" (رواه أحمد).
ولا يعتقد الشخص بأنه لن يقع في المعاصي أبدا، فإن وقوعه فيها حتمي ولكن المهم هنا أمران، الأول هو الاستغفار والتوبة والحرص على اتّباع السيئة بالحسنة حتى يمحوها كما قال الله تعالى: "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ" (هود 114) وكما قال صلى الله عليه وسلم: "وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا" (رواه الترمذي). والأمر الثاني هو عدم الاستهانة بهذه المعصية، فالاستهانة بها خطير وقد صدق الرجل الصالح حين قال: (لا تنظر إلى صِغَر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت).
وهناك أمر خطير آخر كذلك وهو معصية الله تعالى في الخلوات حين لا يوجد أحد وقد حذّر من ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم: "لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هَبَاءً مَنْثُوراً، أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" (رواه ابن ماجه)، وهذا لا شك خسارة عظيمة للشخص حيث يخسر حسناته التي تعب فيها في الدنيا.
ولذلك يجب أن يحرص الشخص على مراقبة الله تعالى في كل حين ووقت كما قال صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ" (رواه الترمذي). وقد قال الله تعالى في شأن الذي يخافونه سبحانه وتعالى في الغيب "إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" (الملك 12).

المعاصي خطيرة ومهلكة للشخص ومن حسن إعدادنا لليوم الآخر الحذر منها والابتعاد عنها قدر الإمكان. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السادسة (الغفلة) (2018/7/15)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
الغفلة من أخطر الأمور والأمراض التي تؤدي إلى عدم استعداد الشخص للقاء الله تعالى. هذه الغفلة تؤدي إلى البعد عن طاعة الله تعالى والقرب من ارتكاب نواهيه، هذه الغفلة تؤدي إلى نقصان رصيد الحسنات لدى الشخص وازدياد سيئاته، هذه الغفلة تؤدي إلى قسوة القلب وهي سبيل كذلك إلى ازدياد فرصة سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى. ولذلك حذّر الله تعالى من مصاحبة الغافلين حين قال سبحانه: "وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا" (الكهف 28).
هذه الغفلة لها أسباب كثيرة منها تفريط الشخص في الصلاة، قلة ذكر الله تعالى وقراءة القرآن، عدم الحرص على السنن، الصحبة السيئة، الإفراط في المباحات وارتكاب المحرمات وغيرها من الأسباب. ولذلك وجب على الشخص الذي يريد الاستعداد السليم للقاء الله تعالى أن يقيّم نفسه من حيث الغفلة ويبحث في أسبابها ويسعى لحلّها.
وعلاج الغفلة يكمن في التغلب على أسبابها وكذلك يأتي دور العلماء والدعاة ووسائل الإعلام في تذكير الناس بضرورة اتباع أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه. ولكن الدور الأكبر يقع على الشخص نفسه في الحرص على مراقبة مستوى الإيمان لديه والحرص على ازديادها دائما وعدم تعرّضها للغفلة.

"لمثل هذا فأعدوا" يحتاج إلى شخص واع منتبه حريص على رضا الله تعالى في كل أموره مبتعد عن الغفلة التي تؤدي إلى عدم الإعداد السليم لهذا اليوم. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السابعة (معرفة الله تعالى -1) (2018/7/27)




الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.

هل نعرف الله تعالى حق المعرفة؟ قد يكون هذا السؤال مستغربا عند الكثيرين ولعل الجواب الطبيعي لهذا السؤال هو نعم. ولكن إذا تأملنا بعمق نجد بأن كثيرا من الناس ولأسف الشديد لا يعرف الله تعالى حق المعرفة وبالتالي نرى التقصير في عبادة الله تعالى.

هل من يعرف الله تعالى حق المعرفة سيتكاسل أو سيفرّط في صلاة الفجر أو باقي الصلوات؟ هل من يعرف الله تعالى حق المعرفة لن يقرأ القرآن أو يذكر الله تعالى إلا قليلا؟ هل من يعرف الله تعالى حق المعرفة سيكذب أو يغدر أو يبخل؟ سنلاحظ أن كثيرا من الناس يزعمون بأنهم يعرفون الله تعالى ولكن أفعالهم لا تصدّق هذا الأمر.

من عرف الله تعالى حق المعرفة سوف يحبّه حبا كبيرا أكثر من نفسه وأهله وولده، وبالتالي سوف يقدّم أوامر الله تعالى على كل شيء، فحين ينادي منادي الصلاة (حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح) يترك جميع أعماله ويقبل إلى صلاته في شوق ومحبّة. وقراءة القرآن الكريم وذكر الله تعالى برنامج أساسي في كل يوم لأن حب الله تعالى يقتضي تعظيم كلامه ودوام ذكره. ولأنه يعلم بأن الله تعالى عليم رقيب يحصي كل شيء، فسيحرص على الصدق والأمانة والكرم وجميع الأخلاق الكريمة.

نحتاج فعلا أن نراجع أنفسنا في معرفتنا لله تعالى، وأكثر ما يساعد على ذلك تلاوة القرآن الكريم، فالقرآن يعرّف بالله تعالى، وكذلك قراءة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهاذان الأمران هما الأساس في معرفة الله تعالى حق المعرفة، ومن ثمّ يأتي الكون بآياته الكثيرة ليدلّ كل عاقل على الله تعالى وأسمائه وصفاته الحسنى.

معرفة الله تعالى حق المعرفة سوف يقودنا إلى حسن استعدادنا للقائه تعالى. وسنقف بإذن الله تعالى مع معان أخرى حول هذا الموضوع في حلقة قادمة بإذن الله تعالى. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثامنة (معرفة الله تعالى -2) (2018/8/16)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.

يقول الله تعالى واصفا حال كثير من الناس: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ" (الزمر 67)، ومع أن هذه الآية تصف حال الكفار والمشركين ولكنّها - وللأسف الشديد - تنطبق على بعض المسلمين الذين لم يعرفوا الله تعالى حق المعرفة فلم يستعدوا للقائه ولم يعدّوا العدة الكافية والجيدة للرحيل عن هذه الدنيا والانتقال إلى دار الخلود.

معرفة أسماء الله تعالى تقود الشخص إلى الاستعداد الجيد للقائه سبحانه، وليست المعرفة المقصودة هنا الحفظ وإنما استشعار معاني أسماء الله تعالى وانعكاسها على حياة الشخص.

مثلا، اسم الله تعالى الرقيب يجعل الشخص يراقب جميع أفعاله وأقواله في أي مكان ووقت وخاصة في خلواته فهو بذلك يطبّق وصية النبي صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ" (رواه الترمذي) ويبتعد عن أولئك الناس الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم: "لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هَبَاءً مَنْثُوراً. أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" (رواه ابن ماجه)، فاسم الله تعالى الرقيب يجعل الشخص متّصفا بصفة التقوى ومبتعدا عن معصية الله تعالى فيكون دائما في استعداد للقاء الله تعالى.

واسم الله تعالى القريب يجعل الشخص قريبا من الله تعالى متوجّها إليه بالدعاء لأنه يعلم قرب الله تعالى منه "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (البقرة 186)، ويحرص كذلك على الصلاة لأنه يعلم أنها فيها موضعا يكون فيه الشخص قريبا من الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم: "أقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ" (رواه مسلم)، ويحرص كذلك على قيام الليل لأنه يعلم بأن الله تعالى يكون قريبا من عباده في الثلث الأخير من الليل كما قال صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر(متفق عليه).

المهم هنا هو كيفية تأثير اسم الله تعالى على الشخص، فإذا استشعر هذه الأسماء وطبّق معانيها في حياته، تغيّرت حياته بإذن الله تعالى إلى الأفضل وكان ممن يعدّ العدة الحسنة للقاء الله تعالى.

في أسماء الله تعالى وصفاته ثمرات عظيمة، كيف لا وهي أعظم الأسماء والصفات على الإطلاق وحريّ بالشخص أن يتدبّر في معانيها العظيمة كما جاءت في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة. "اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى" (طه 8).

أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة التاسعة (حب الدنيا) (2018/8/26)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.

يقول الله تعالى: "إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً" (الإنسان 27)، مع أن هذه الآيات تصف حال المشركين إلا إنها للأسف الشديد تصف حال كثير من المسلمين الذين آثروا الحياة الدنيا على الحياة الآخرة فلم يستعدوا لها ولم يعدّوا الإعداد المناسب لها.

حب الدنيا يعني أن يستحوذ الدنيا على قلب الشخص فيكون كل تفكيره وأولوياته في هذه الدنيا ومتاعها مثل المال والجاه والشهوات وغيرها، ولا يكون لله تعالى أو الدار الآخرة أي مكان في هذا القلب. وهو من أخطر العوائق التي تعيق الشخص عن الإعداد الجيّد للآخرة بل قل إنها من أخطر الأمور التي تبعد الشخص عن الجنّة وتقرّبه من النار والعياذ بالله تعالى ولذلك حذّر منه القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم في آيات ومناسبات معيّنة.

إذا تسرّب حب الدنيا إلى قلب الشخص تكاسل عن طاعة الله تعالى وربّما تركها بالكلية وأقبل على إرضاء شهواته ورغباته المحرّمة بكل وسيلة لأنه يكون قد أبعد الله تعالى عن حساباته وجعل شهواته هي الأساس والمتحكمة في حياته.

ولذلك جاء القرآن الكريم ليبيّن حقيقة الدنيا في آيات كثيرة ويؤكّد بأنها دار عبور إلى الآخرة وأن الإنسان مهما طال عمره فيها فإنه لابدّ إلى زوال وموت وبعد ذلك تبدأ الحياة الحقيقية. يقول الله تعالى: "أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ" (التوبة 38)، فالدنيا لا تقارن أبدا بالآخرة، وما يظنّه الإنسان نعيما ومتعة في الدنيا لا تعدل شيئا أمام نعيم ومتعة الآخرة، بالطبع نقصد الجنة.

وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حذرّ في مرات كثيرة من الدنيا ومتاعها وأن يقدّمها الشخص على نعيم الآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: "مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ في اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ!" (رواه مسلم).

الذي ينبغي للعاقل أن يعلمه بأن الدنيا مزرعة الآخرة بمعنى أنها وقت لجمع وزرع أكبر قدر من الحسنات والتي تكون نتيجتها بعد ذلك بإذن الله تعالى جنّات تجري من تحتها الأنهار. أما من قدّم الدنيا على الآخرة فإنه سيكون في ألم شديد وندم كبير يوم القيامة لأنه سيرى نتيجة أعماله التي لن تسرّه كثيرا.

هما طريقان لا ثالث لهما، فإما أن يكون الشخص في طريق "مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً" (الإسراء 18)، أو يكون في طريق "وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً" (الإسراء 19)، والعاقل هو يختار الطريق الثاني. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة العاشرة (الشيطان) (2018/9/16)

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
من حسن استعدادنا للآخرة معرفة أعدائنا الحقيقين في هذه الدنيا والذين يحولون بيننا وبين الإعداد الحقيقي لليوم الآخر، وأول وأهم هؤلاء الأعداء هو الشيطان الذي صرّح القرآن الكريم بأنه عدونا الحقيقي "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً" (فاطر 6)، وفي الآية الأخرى: "وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" (الزخرف 62).
يجب علينا أن نعلم أساليب الشيطان ومخططاته وأهدافه حتى نعرف كيف نواجهه ونتغلّب عليه، ومن فضل الله تعالى علينا أن بيّن لنا كثيرا من أهداف الشيطان في القرآن الكريم، فمن أهداف الشيطان إدخال بني آدم نار جهنم: "إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" (فاطر 6)، ومن أهدافه إيقاع بني آدم في الفحشاء والمنكرات: "إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" (البقرة 169)، ومن أهدافه إبعاد بني آدم عن شكر الله تعالى: "وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ" (الأعراف 17)، وغيرها من الأهداف التي تحول بين الشخص وبين الإعداد الجيد للآخرة بل وقد تدخله النار والعياذ بالله تعالى أو تنزل من درجاته في الجنة.
أما الحل فهو الاستعاذة بالله تعالى واللجوء إليه دائما والإكثار من عمل الصالحات وعدم الاستسلام للمعاصي أبدا مهما تكررت من الشخص، فالشيطان يفرح إذا يأس الشخص وترك التوبة، أما توبة الشخص واستغفاره وعمله للصالحات فهي مما تغضب الشيطان. جاء في الحديث القدسي: "أذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ الله تَبَاركَ وَتَعَالَى: أذنَبَ عبدي ذَنباً، فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأذْنَبَ، فَقَالَ: أيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أذنَبَ عبدِي ذَنباً فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
المعركة بين الإنسان والشيطان ليست سهلة لأنها مستمرة في كل لحظة حتى يغادر الشخص الحياة الدنيا، وبالتالي يحتاج الشخص إلى جهد ضخم للتغلب على الشيطان وهذا لن يتحقق إلا إذا اتبع الشخص أوامر الله تعالى واجتنب نواهيه وليتذكر الشخص دائما قوله تعالى: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً" (النساء 76)، فهو كما قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (وإن بلغ مَكْرُهُ مهما بلغ فإنه في غاية الضعف، الذي لا يقوم لأدنى شيء من الحق ولا لكيد الله لعباده المؤمنين).
أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الحادية عشرة (النفس الأمّارة بالسوء) (2018/9/25)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.

وصف الله تعالى النفس في إحداها صفاتها بأنها أمّارة بالسوء، وهذه النفس الأمّارة هي التي تقود الإنسان إلى الهاوية وتضعف من إعداده الجيد للآخرة ولقاء الله تعالى. فإذا استولت هذه النفس على الشخص أصبح تبعا لهواه بل أصبح كما قال الله تعالى عبدا لهواه: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" (الجاثية 23).

هذه النفس هي التي تدفع صاحبها إلى المعاصي وارتكاب المنكرات والتكاسل والتفريط في الطاعات فيكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه" (رواه مسلم). فتكون هوى الشخص قائدة له تقوده إلى الهاوية في الدنيا والآخرة والعياذ بالله تعالى "وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" (الكهف 28) (أي مصالح دينه ودنياه ضائعة معطلة(تفسير السعدي).

يحتاج الشخص الذي يريد الإعداد الجيّد للآخرة أن يراقب نفسه دائما ويجاهدها جهادا كبيرا ويسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق، قال تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" (العنكبوت 69) (أي لنبصّرنّهم سبلنا، أي : طرقنا في الدنيا والآخرة) (تفسير ابن كثير). فيكون الشخص على خير بإذن الله تعالى كما قال سبحانه: "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ" (النازعات 40-41).

المسألة ليست سهلة أبدا، فالشيطان والنفس الأمّارة يتربصان بالشخص دائما ويحاولان إيقاعه في المعاصي والمنكرات وإبعاده عن الطاعات ولذلك كان اللجوء إلى الله تعالى هو السبيل الأول للشخص الذي يريد الفوز والفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة فمن كان مع الله معه، كان الله تعالى معه. 

أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحلقة الثانية عشرة (الصحبة) (2018/10/13)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
دعونا نتأمل في الآية الكريمة: "الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" (الزخرف 67)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: (كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله ، عز وجل ، فإنه دائم بدوامهفالصحبة لها أثر هام في مسيرة الشخص نحو الجنة أو النار ولذلك وجب على الشخص أن يختار أصحابه بعناية ف "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَليَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ" (رواه أَبُو داود) كما قال صلى الله عليه وسلم مما يدل على الأثر العظيم للصحبة.
بل إن الله تعالى أمر نبيّه صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على الصحبة الصالحة والبعد عن السيئة منها حيث قال سبحانه: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" (الكهف 28). وهذا توجيه لنا كذلك بالسير على هذا المنهج لأن فيه نجاة لنا أيضا.
ينبغي لمن أراد الإعداد الجيد للآخرة أن ينتقي أصحابه الذين يدلّونه على الخير ويبعدونه عن الشر، فالصحبة الصالحة طريق إلى الجنة بإذن الله تعالى بعكس الصحبة السيئة التي لا تنفع صاحبها في الدنيا ولا في الآخرة.
كم سيكون الشخص مسرورا يوم القيامة حين يُساق وأصحابه الصالحين إلى الجنة كما قال سبحانه وتعالى حكاية عنهم: "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً" (الزمر 73)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفدا إلى الجنة "زمرا" أي : جماعة بعد جماعة : المقربون ، ثم الأبرار ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم : الأنبياء مع الأنبياء والصديقون مع أشكالهم ، والشهداء مع أضرابهم ، والعلماء مع أقرانهم ، وكل صنف مع صنف ، كل زمرة تناسب بعضها بعضا).

أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحلقة الثالث عشرة (الهدف الحقيقي) (2018/10/26)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
أتوقف دائما عند هذه الآية الكريمة: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" (المؤمنون 115)، وأتساءل، هل هناك من يعيش عبثا في هذه الحياة؟ الإجابة هي نعم وللأسف الشديد، فبعض الناس لا يعرف دوره الحقيقي في هذه الحياة ولا لماذا خلقه الله تعالى، أتحدّث هنا عن المسلمين بالطبع.
المتأمل في حياة الكثيرين يجد أنهم لم يضعوا الدار الآخرة في الحسبان أبدا، وظنّوا أنهم لن يموتوا أو سيموتوا وسيتحولوا إلى تراب في النهاية كما يشاهدون حال الأموات في الظاهر، وبناء على ذلك يتحول حياتهم إلى لهو ولعب وارتكاب للمعاصي والمنكرات. صحيح أنهم قد يصلّوا أحيانا ويصوموا رمضان ويقرؤوا شيئا من القرآن في أوقات متباعدة، ولكن هذه الأشياء ليست ضمن الأولويات وإنما في فضول الأوقات وأحيانا لأن الناس يفعلونه فعيب أن لا يفعله!!!
المشكلة أن هؤلاء بعيدون عن أهم كتاب يشرح حقيقة دور الإنسان في هذه الحياة الدنيا، القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات 56)، فالإنسان موجود في هذه الدنيا لعبادة الله تعالى وحده، والعبادة ليست مقتصرة على الشعائر التعبدية كالصلاة والقرآن والصوم وإنما يمكن أن يتحول كل حياة الإنسان إلى عبادة، فيكون عمله عبادة، ووجوده مع أهله وأصحابه عبادة، وحتى لعبه المباح عبادة، كل ذلك يكون بالنية الحسنة لهذه الأعمال.
وهذه العبادة أو هذا الهدف الرئيس من الحياة الدنيا هو في حقيقة الأمر إعداد للآخرة حيث الخلود النهائي في الجنة أو النار، فالحياة الدنيا مهما طالت للشخص قصيرة بل لا تساوي شيئا أمام الحياة الآخرة لأننا نتكلم عن خلود أبدي مقابل عيش سبعين أو ثمانين أو مائة سنة على أقصى تقدير.
يحتاج الشخص أن يفكّر بعمق ويتأمل كثيرا في هذه الحياة الدنيا، هل حقا هي للهو واللعب أم هناك هدف أسمى؟ ولماذا نسمع عن أشخاص في التاريخ الإسلامي يبذلون ويتعبون ويضحّون، هذا في الصلاة وهذا في العلم وهذا في الإنفاق وهذا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا في بر الوالدين وهذا في تطوير العمل. لماذا يفعل كل هؤلاء ذلك وهم عدد هائل جدا؟ هل هم فعلا على حق أم الذي يشغل وقته في اللهو واللعب على حق؟

لحظة تأمل وتفكير عميق قد يؤدي إلى تصحيح الأوضاع والانطلاق من جديد إلى الإعداد الجيد للآخرة. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحلقة الرابع عشرة (الكسل) (2018/11/14)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ كثيرا من الكسل بل كان يستعيذ منه في كل صباح ومساء كما جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك فعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمْسَى قَالَ: "أَمْسَيْنَا وأمْسَى المُلْكُ للهِ، والحَمْدُ للهِ، لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ. قَالَ الراوي : أَرَاهُ قَالَ فِيهِنَّ: لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدير، رَبِّ أسْألُكَ خَيْرَ مَا في هذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا في هذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ، وَسُوءِ الكِبَرِ، رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ في النَّارِ، وَعَذَابٍ في القَبْرِ". وَإذَا أصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أيضاً "أصْبَحْنَا وأصْبَحَ المُلْكُ للهِ". (رواه مسلم). مما يدلّ على خطورة الكسل وآثاره السيئة على الشخص.
الكسل من أكبر عوائق الإعداد الجيّد للآخرة لأنه يقعد الشخص عن كثير من الطاعات، فبسبب الكسل يضيّع الشخص الصلوات وقراءة القرآن والدعوة إلى الله تعالى ونشر الخير وغيرها فهي آفة خطيرة ينبغي لمن أصيب به التخلص منه فورا وذلك أولا بالاستعاذة منه كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم فعن أنس رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ...الحديث" (رواه مسلم) وثانيا بمجاهدة النفس والإقبال على الطاعة فمن حدّثته نفسه بالتكاسل عن الصلاة فليخالف نفسه وليقبل إلى الصلاة ومن حدّثته نفسه بالتكاسل عن الذكر وقراءة القرآن فليقبل عليهما مباشرة.
ومصاحبة أصحاب الهمم وقراءة سيرهم من الأمور التي تعين على مقاومة الكسل، فالمرء يتأثر بمن يصاحب ويقرأ عنهم، فأصحاب الهمم العالية لم يكن للكسل مكان في حياتهم وإنما العمل والبذل والعطاء والإنتاجية.
وليسأل الشخص نفسه، هل أُعدّت الجنة للكسالى؟ وهل سيبلغ الشخص الدرجات العلا من الجنة بالكسل؟ بالتأكيد لا، إذاً فليحرص على الهمة العالية والعمل الجاد وليقاوم الكسل ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ولا شك بأنه قد تمرّ على الشخص فترات يصاب بها بالكسل والفتور، فإن مرّ عليه  فليستعذ بالله تعالى كثيرا من الكسل وليسأله سبحانه التوفيق والإعانة ولا ينبغي له الاستسلام أبداً للكسل وإنما يجاهد نفسه حتى يعود إلى سابق عهده وأفضل بإذن الله تعالى.

أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحلقة الخامس عشرة (التسويف) (2018/11/25)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
صدق من قال بأن التسويف جندي من جنود إبليس فهو يعطّل كثيرا من الأعمال الصالحة ويعيق الاستعداد الجيّد للآخرة. وقد سمعنا كثيرا من قال بأنه سوف يبدأ بحفظ القرآن الكريم كاملا، ومن قال بأنه سوف يحافظ على صلاة الفجر ابتداء من يوم كذا، ومن قال بأنه سوف يبدأ مساعدة الناس بداية من الشهر القادم. وحتى في الأمور الدنيوية، فإن هناك كثيرا ممن يقولون بأنهم سوف يبدؤون المشروع الفلاني أو الخطة الفلانية أو التحدي الفلاني وللأسف تكون نصيب كثير من هذه الأمور التأجيل وعدم البدء بها إلا من رحم الله تعالى!!!
يحتاج الشخص أن يبدأ مباشرة بالعمل ولا يؤجل الموضوع إلى موعد معيّن كمن يقول أنه سيبدأ مع بداية السنة القادمة أو الشهر القادم وهو لازال في بداية الشهر الحالي وبالتالي يقلّ الحماس ويبدأ الشيطان بعمله بتثبيط الشخص حتى يبعده عن هذا العمل.
والتدريج كذلك هام في البدء، فإذا كان الهدف كبيرا فيمكن للشخص أن يقسّمه لأهداف صغيرة ويبدأ بالتدريج بتحقيق الهدف، فإذا قرّر الشخص أن يحفظ القرآن الكريم كاملا فليبدأ بصغار السور أولا. المهم هو البدء دائما والاستمرار.
الدعاء كذلك هام جدا في مقاومة التسويف لأن الشخص يحتاج إلى توفيق الله تعالى وتيسيره للقيام بالأعمال الصالحة والاستمرار عليها. استشعار الأجر كذلك يساهم كثيرا في مقاومة التسويف والتأجيل.
وليسأل الشخص نفسه دائما، ما الذي سيستفيده من تأجيل البدء القيام بالأعمال الصالحة؟ لا شيء بل ربما سيخسر كثيرا من الأجر والثواب وقد يصل به الأمر أن يبتعد عن العمل الذي قرر أن يعمله. هناك وسائل كثيرة للتغلب على التسويف ويمكن للشخص أن يتوسع في ذلك حتى يتغلب على هذا المرض الخطير.

التسويف عائق خطير جدا وسبب لخسارة الشخص لأمور نافعة كثيرة في الدنيا وأجور كثيرة في الآخرة. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحلقة السادس عشرة (العلاقة بالقرآن الكريم) (2018/12/9)




الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
من أهم الأمور التي تحدّد الاستعداد الجيّد للآخرة من عدمه علاقة الشخص بالقرآن الكريم، فإذا كانت العلاقة قويّة وفعّالة كان الاستعداد قويا، أما إذا كانت العلاقة ضعيفة وفاترة فإن الاستعداد يكون على قدر تلك العلاقة. لماذا؟
لأن القرآن الكريم يؤكد في آيات كثيرة مصير الشخص فهو يغرس فيه اليقين بوجود الآخرة من خلال عرض الآيات التي تؤكّد على الإيمان باليوم الآخر وعرض الأحداث الرئيسة التي تحدث في ذلك اليوم من حساب ودخول جنّة أو نار.
ويعرض القرآن كذلك شكل المصير من خلال بيان نعيم الجنة وعذاب النار، والأهم من ذلك يأتي في بيان الوسائل التي تؤدي إلى الفلاح في الآخرة، وهذه الوسائل تكمن في أوامر الله تعالى ونواهيه، وأداء هذه الأوامر واجتناب النواهي هو عين الاستعداد الجيّد للآخرة.
هذه الأمور يعرفها الشخص المرتبط بالقرآن الكريم، فهو يعيش هذه الآيات ويتدبرها ويسعى إلى تطبيقها بعكس الشخص البعيد عن كتاب الله تعالى، وهذا البعد قد يكون في قلة قراءته أو عدم قراءته بالكلية إلا في فترات متباعدة كمن يقرأ في رمضان فقط. وقد يكون الأثر ضعيفا أيضا عندما يقرأ الشخص دون تدبّر وفهم. نعم هو يحصل على أجر القراءة بإذن الله تعالى ولكن الأثر الحقيقي لا يتحقق.
ولذلك جاء في الحديث الشريف: "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي" (رواه الحاكم)، فالنجاة والاستعداد الجيّد للآخرة يكون من خلال التمسّك بكتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الحلقة السابع عشرة (التقوى) (2018/12/9)




الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
لا يمكن الحديث عن الاستعداد لليوم الآخر دون الحديث عن التقوى، فالتقوى من أهم الأمور التي ركّز عليها القرآن الكريم وهذا ملاحظ بشكل واضح من خلال الآيات الكثيرة التي تتحدث أو تأمر بالتقوى.
والآية التي أمرت المؤمنين بالاستعداد لليوم الآخر أمرت كذلك بالتقوى مرتين في نفس الآية مما يدلّ على الارتباط الكبير بينهما. قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (الحشر 18)، فمن حققّ التقوى في حياته كان ذلك دليلا على حسن استعداده لليوم الآخر.
وفي تعريف جميل للتقوى قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (هي الخوف من الجليل، والعمل بالتّنزيل، و الرّضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرّحيلونلاحظ هنا الربط بين التقوى والاستعداد لليوم الآخر مما يدلّ كذلك على معرفة السلف رحمهم الله تعالى بأهمية التقوى في رحلتهم إلى الدار الآخرة فالتقوى من أكبر أسباب دخول الجنة والنجاة من النار.
وفي إحدى تعريفات التقوى أن يضع الشخص بينه وبين المعصية حاجزا ووقاية، وهذا هو أساس الاستعداد الجيد لليوم الآخر ولذلك قال الله تعالى: "وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (البقرة 189)، فالفلاح في الدنيا والآخرة يكون في تقوى الله تعالى، هذا غير الثمرات الأخرى الكثيرة التي تتحقق كقوله تعالى: "وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" (البقرة 194) و قوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" (التوبة 7)، فماذا يريد الشخص أكثر من أن يحبّه ملك الملوك ومن بيده ملكوت كل شيء وأن يكون معه.

التقوى من أهم الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها الشخص في دنياه حتى يكون على طريق الاستعداد الجيد للآخرة. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثامن عشرة (التخطيط) (2018/12/29)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
ينتشر مصطلح التخطيط في عالم الأعمال والمؤسسات والتطوير الشخصي، فالتخطيط من أكبر عوامل النجاح ولذلك تهتم به المؤسسات بشكل كبير وتخصّص له وقتا كبيرا من حيث الإعداد والتنفيذ والتقييم والتطوير. وينطبق نفس الشيء على الأفراد الناجحين حيث يقومون بالتخطيط لتحقيق أهداف معيّنة.
الأوْلى من ذلك كلّه هو أن يخطّط الشخص لآخرته لأن ذلك سيحدد مصيره النهائي. التخطيط للآخرة يعني أن يضع الشخص أهدافا لنفسه في سبيل الحصول على أكبر قدر من الحسنات في الدنيا مثل الأهداف المتعلقة بالشعائر التعبدية كالصلاة والصدقة وقراءة القرآن والذكر.
وأهداف أخرى متعلقة بالناحية الاجتماعية كبر الوالدين وصلة الأرحام والتواصل مع الأصدقاء، وأهداف متعلقة بالدراسة أو العمل، وأهداف متعلقة بالتطوير الشخصي كتعلّم مهارات أو حضور دورات، وأهداف متعلقة بالجانب المعرفي كالقراءة.
كل هذه الأهداف سوف يساهم في الإعداد الجيد للآخرة حيث أن الشخص الذي لديه أهدافا واضحة سوف يركّز أكثر ويطوّر نفسه بشكل أكبر من الشخص الذي ليس لديه أهداف واضحة ومحددة. بالضبط كما هو حاصل في عالم الشركات والأعمال.
(الدنيا مزرعة الآخرة) وهذا يعني أن هذه المزرعة تحتاج إلى تخطيط مدروس وأهداف واضحة حتى تؤتي النتائج المرجوّة منها. النيّة أيضا هامة ولا ينبغي للشخص أن يغفل عنها حين يضع أي هدف حتى يحصل من خلالها على حسنات حتى لو كان هدفا دنيويا بحتا.

حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لمثل هذا فأعدوا) وجّهنا إلى التخطيط لأن الإعداد يتطلب تخطيطا حتى يكون جيّدا ومثمرا. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة التاسع عشرة (التوبة) (2019/1/15)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
من أهم المسائل التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم في حياته التوبة. والتوبة الدائمة والمستمرة من أهم الوسائل التي تدلّ على الاستعداد الجيد للآخرة، فالتوبة ابتداء أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين كما قال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ" (التحريم 8)، وفي الآية الأخرى: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (النور 31). والمُلاحَظ أن الآيتان الكريمتان خاطبتا المؤمنين وليس المقصّرين أو المذنبين أو العاصين مما يدل على أن التوبة ليست مقتصرة على هؤلاء رغم تقصيرهم وإنما لازمة للمؤمنين.
والتوبة كذلك فعل نبوي دائم كما جاء في الحديث الشريف: "والله إنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْه في اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً" (رواه البخاري)، وفي الحديث الآخر: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ ، فإنِّي أتُوبُ في اليَومِ مئةَ مَرَّةٍ" (رواه مسلم)، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوب بهذه الكثرة وقد غفر الله تعالى له ما تقدّم من ذنبه وما تأخره، فالمؤمنون أولى بالتوبة.
وقد جاء في الحديث الشريف: "كل بني آدم خطّاء وخيرُ الخطّائين التوّابون" (رواه ابن ماجه)، فدلّ هذا الحديث على ضرورة التوبة الدائمة من جهة وفضل التوبة من جهة أخرى، هذا غير الفضائل والثمرات الكثيرة التي يحصل عليها التائب مثل حبّ الله تعالى له والفلاح في الدنيا والآخرة ودخول الجنة بإذن الله تعالى.

الحرص على التوبة الدائمة من العلامات التي تثبت الاستعداد الجيد للآخرة ويكفي أن الله تعالى يفرح بالتائب كما جاء في الحديث الشريف: "للهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يتوبُ إِلَيْهِ" (رواه مسلم). أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة العشرون (المراقبة) (2019/1/25)





الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
من المفاهيم الهامة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في حياته مفهوم المراقبة أي أن يراقب الله تعالى في جميع أوقاته وأحواله. وهذه المراقبة تدفع الشخص إلى عمل الصالحات واجتناب المعاصي والمنكرات أي الاستعداد الجيد للآخرة.
من أسماء الله تعالى الرقيب أي المطلّع على خلقه الذي يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه ولا يخفى عليه شيء لا في الأرض ولا في السماءوالآيات الواردة في هذا المعنى كثيرة، المهم هنا أن يستشعر الشخص مراقبة الله تعالى له، وهذا الاستشعار ينبع في الأساس من معرفة الشخص لله تعالى حق المعرفة، فمن استشعر عظمة الله تعالى وقدرته وعلمه وجبروته، سوف يراقب الله تعالى دائما، أما إذا كانت هذه المعرفة ناقصة فإن هذه المراقبة سوف تكون ضعيفة ولن تؤتي ثمارها.
وقد قال سبحانه وتعالى في آية عظيمة تدلّ على رقابته المطلقة للعبد: "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ(غافر 19). وقال ابن عباس: خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ هو الرجل يكون جالساً مع القوم فتمر المرأة فيسارقها النظر إليها. وقال مجاهد : هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنها. فإذا استشعر الشخص مراقبة الله تعالى المطلقة فإنه سوف يبتعد عن المعاصي، وإن وقع فيها فإنه سيسارع إلى التوبة والاستغفار.
حينما تكون هناك (كاميرات) مراقبة في أي مكان، فإن الشخص سوف يراقب تصرفاته بشكل دقيق لأنه يعلم بأن هناك من يراقبه، هذا هو الحال مع البشر فكيف إذا علم الشخص أن رب البشر يراقبه في كل وقت وحين حتى حينما لا توجد أي (كاميرات) مراقبة بل وحين يوجد الشخص بمفرده فقط، ولذلك كانت الوصية العظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ" (رواه الترمذي) أي الزم التقوى في كل وقت وحين، وهذه التقوى هي أساس مراقبة الله تعالى.
والمراقبة تكون كذلك من ملائكة يسجّلون على الشخص كل ما يعمل ويقول: "مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (ق 18)، فإذا استشعر الشخص ذلك فربما يدفعه ذلك إلى الاستحياء من هؤلاء الملائكة بأن يسجّلوا عليه أية معصية، وربما حرص بعد ذلك على أن يسجّل هؤلاء الملائكة الحسنات والأعمال الصالحة.

يقول الله تعالى: "وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا" (الأحزاب 52)، ينبغي أن تدفع هذه الآية كل مسلم إلى مراقبة الله تعالى دائما حتى يكون دائما على استعداد جيد للآخرة. أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الحادية والعشرون (الإخلاص) (2019/2/15)





الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
من المفاهيم الأساسية التي ينبغي أن يلتزم بها كل مسلم حتى تُقبل أعماله عند الله تعالى (الإخلاص) ويكاد الإخلاص أن يكون أهم الصفات لأن قبول الأعمال من عدمه مرتبط به. قال الله تعالى: "قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ" (الزمر 11)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية (أي: إنما أمرت بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له).
ويقول سبحانه وتعالى في آية أخرى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَكما قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى. فالإخلاص واجب للشخص وعدم الاتصاف به يؤدي إلى هلاك الشخص في الآخرة.
وخطورة الإخلاص تأتي من كونه مرتبطا بجميع مراحل أي عمل، قبله وأثناءه وبعده، وبالتالي يحتاج الشخص أن يحرص عليه في جميع المراحل حتى يتقبل الله منه هذا العمل، والحرص على جميع المراحل ليس بالأمر اليسير لأن الشيطان يقف للشخص بالمرصاد ويسعى للتأثير في إخلاصه في مختلف المراحل، وقد صدق الرجل الصالح حين قال: (ما رأيت مثل نيّتي، من كثرة ما تتقلب عليّ).
ولذلك يُعتبر حديث "إنما الأعمال بالنيّات" من أهم الأحاديث النبوية وقد وضعها كثير من العلماء في مقدمة كتبهم تأكيدا على أهمية الإخلاص. والالتزام بالإخلاص من أهم الأمور التي تؤكد على الاستعداد الجيد للآخرة، فالمخلص في أعلى الدرجات عند الله تعالى وعلى العكس من ذلك يكون وضع المخلص أو المرائي كما يدلّ على ذلك حديث أول من تُسعّر بهم نار جهنم.
الشرك والرياء واللذان هما مضادان للإخلاص يحبطان الأعمال ويقودان الشخص إلى نار جهنم والعياذ بالله تعالى ولذلك وجب الحذر منهما والابتعاد عن كل ما يؤدي إليهما والاستعاذة الدائمة منهما. قال تعالى: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (الزمر 65)، وفي الحديث الشريف: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قال: قلنا بلى. فقال: الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي فيزيّن صلاته لما يرى من نظر رجل" (رواه ابن ماجه).

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في جميع الأقوال والأعمال وأن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثانية والعشرون (المسارعة إلى الخيرات) (2019/2/25)





الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
من المسائل الرئيسة التي يركّز عليها القرآن الكريم (المسارعة إلى فعل الخيرات)، وهذه المسارعة من علامات الاستعداد الجيّد للآخرة. يقول الله تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران 133)، وفي آية أخرى يقول سبحانه: "سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" (الحديد 21)، فالمسألة هنا ليست مقتصرة على فعل الطاعات وإنما المسارعة إليها وهي لا شك مرتبة أعلى.

ثم تأمل في قوله تعالى: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ" (الواقعة 10-12)، قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (أي السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات) فالسابقون إلى فعل الطاعات لهم المنزلة العالية عند الله تعالى بل هم القريبون منه سبحانه. قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (أولئك الذين هذا وصفهم، المقربون عند الله، في جنات النعيم، في أعلى عليين، في المنازل العاليات، التي لا منزلة فوقها).

والمسارعة كذلك من فعل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين هم قدواتنا، قال الله تعالى عن زكريا عليه السلام وأهله: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ" (الأنبياء 90). قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها).وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم كذلك على المسارعة والمبادرة حين قال: "بَادِرُوا بِالأعْمَال" (رواه مسلم).
أما الذين يسارعون إلى المعاصي والمنكرات فهم على خطر عظيم وينبغي لهم الحذر قبل أن يندموا في وقت لا ينفع فيه الندم "حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ" (المؤمنون 99-100).

أسأل الله تعالى أن نكون من المسارعين إلى الخيرات وأن يرزقنا الإخلاص في جميع الأقوال والأعمال وأن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثالثة والعشرون (إن لم يكن هو فكن أنت) (2019/3/17)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
مرّ الحسن البصري رحمه الله تعالى مع صاحب له على جنازة، فسأل الحسن صاحبه: ماذا كان سيفعل هذا الميّت لو عاد إلى الدنيا؟ فأجاب صاحبه: سيقبل على عبادة الله تعالى وعمل الطاعات. فقال الحسن رحمه الله تعالى: (فإن لم يكن هو فكن أنت). هذه العبارة الجميلة من الحسن البصري رحمه الله تعالى منهج عظيم لنا بأن نستثمر الأوقات في عبادة الله تعالى قبل أن يحين الأجل فلا ينفع معه العمل.
تأمل في قول الله تعالى في سورة الفجر: "يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي". هذا الكلام يقوله الشخص يوم القيامة بعد أن يشاهد عذاب جهنم ويتذكر شريط ذكرياته في الدنيا. لاحظ أن الله تعالى قال (لحياتي) ولم يقل (في حياتي) مما دلّ على أن الشخص ندم لأنه لم يعدّ جيدا للحياة الحقيقية في الدار الآخرة. قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (وفي الآية دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في أصلها وكمالها، وفي تتميم لذاتها، هي الحياة في دار القرار، فإنها دار الخلد والبقاء).
يجب أن نعلم يقينا بأن الحياة الحقيقية هي الدار الآخرة، ومهما كانت الحياة طويلة في الدنيا فهي لا شيء أمام الخلود في الجنة أو النار. قال صلى الله عليه وسلم: "مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ في اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ!" (رواه مسلم). وقال الله تعالى في الآية الكريمة: "وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت 64)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (أي: الحياة الدائمة الحق الذي لا زوال لها ولا انقضاء ، بل هي مستمرة أبد الآباد).
الميّت يتمنّى أن يرجع ولو للحظة إلى الدنيا لكي يكسب حسنة واحدة حتى يزداد رصيده فيرتفع في الجنة أو ينجو من النار، ونحن الأحياء يعطينا الله تعالى فرصا كثيرة في كل يوم حتى نزيد من رصيدنا الأخروي ولكنّ الكثير منّا يضيّع هذه الفرص للأسف الشديد. نحتاج إلى إعادة التفكير في هدف هذه الحياة وأنها مزرعة للآخرة وأننا خُلقنا في هذه الدنيا لعبادة الله تعالى كما قال سبحانه: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات 56).

أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحلقة الرابعة والعشرون (الشعائر التعبدية) (2019/3/25)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
الشعائر التعبدية من أهم الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم في هذه الحياة الدنيا وهي من أهم وسائل الإعداد الجيد للآخرة. أتحدث هنا عن الصلاة والصيام والصدقة والذكر وقراءة القرآن وغيرها. وينبغي التنبيه أن هذه الشعائر ليست هي العبادات كلها، فمفهوم العبادة أوسع من هذه الشعائر بكثير وهي كمّا عرّفها الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة).
وتأتي الشعائر التعبدية على رأس هذه العبادات، فالصلاة هي عمود الدين وهي أول ما يسأل عنها العبد يوم القيامة، والصيام من أفضل الأعمال كما جاء في الحديث الشريف: "عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ" (رواه أحمدوذكر الله تعالى كذلك من أفضل الأعمال عند الله تعالى كما جاء في الحديث الشريف: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ذكر الله" (رواه أبوداود).
ومثل ذلك قراءة القرآن والصدقة والعمرة والحج وغيرها. المهم هنا أن يحرص الشخص على الفرائض أولا ثم يزداد بعد ذلك من النوافل ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وثمرة هذه المحافظة عظيمة ويكفي في ذلك الحديث القدسي العظيم الذي جاء فيه: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ(رواه البخاري).

كم سيفرح الشخص حين يرى هذه الأعمال في ميزان حسناته يوم القيامة، فكل عمل من هذه الأعمال لها وزن ثقيل فكيف إذا أكثر الشخص منها. لا شك أن ميزان الحسنات سيكون ثقيلا بإذن الله تعالى.
الحرص على هذه الشعائر التعبدية ينبغي أن تكون أولوية لدى الشخص في الدنيا، ففيها الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وهي في نهاية الأمر طاعة لله تعالى ورسوله الكريم: "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (النساء 13).

أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحلقة الخامسة والعشرون (الفوز الحقيقي) (2019/4/15)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي تهدف إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لمسألة تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
تأمّل في الآيات التالية: قال الله تعالى: "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ" (آل عمران 185).
وقال تعالى: "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (النساء 13).
وقال تعالى: "وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة 72).
وقال سبحانه: "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ" (الجاثية 30).
ينبغي أن نسأل أنفسنا بعد أن نقرأ هذه الآيات، هل عرفنا فعلا ما هو الفوز الحقيقي؟ الفوز الحقيقي هو في دخول الجنة والنجاة من النار، الفوز الحقيقي هو في نيل رحمة الله تعالى ورضوانه، الفوز الحقيقي هو في طاعة الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، الفوز الحقيقي هو في البعد عن معصية الله تعالى.
عندما يعرف الشخص الفوز الحقيقي فإن سيعمل لتحقيقه وهذا بالضبط ما سيؤدي إلى الإعداد الجيّد للآخرة. ولا يُفهم أبدا بأن التميز والتفوق في أمور الدنيا ليس من الفوز فالإسلام دين شامل يحثّ أتباعه على التميّز في كل شيء ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سبيل نيل مرضاة الله تعالى، وإلا فلا فائدة منه في الآخرة.
في يوم القيامة، ستظهر النتائج وليس هناك مجال للعودة، فمن كان من أهل الجنة فقد فاز الفوز الحقيقي ومن كان من أهل النار فقد خسر خسرانا مبينا. قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره للآية "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ" (أي: حصل له الفوز العظيم من العذاب الأليم، والوصول إلى جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ومفهوم الآية، أن من لم يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فإنه لم يفز، بل قد شقي الشقاء الأبدي، وابتلي بالعذاب السرمدي).
نحتاج إلى مراجعة أنفسنا دائما حتى نكون على الطريق الذي يريده الله تعالى وحتى نفوز الفوز الحقيقي في الدنيا والآخرة، ولن يحصل ذلك إلا إذا حقّقنا ما أراده الله تعالى منّا "وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التغابن 9).

أسأل الله تعالى أن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الأخيرة (2019/4/24)





الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ها قد وصلنا إلى الحلقة الأخيرة من سلسلة (لمثل هذا فأعدوا) والتي سعيت من خلالها إلى بيان مدى استعدادنا لدخول القبر والانتقال إلى الدار الآخرة من خلال فتح الأذهان لمسائل تعيننا على الاستعداد لهذا اليوم العظيم بواسطة رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه المسألة.
يقول الله تعالى: "مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا" (الإسراء 18-19). هذا هو حال الناس في هذه الحياة الدنيا، منهم من يريد الدنيا وزينتها وشهواتها وملذّاتها فيصرف أوقاته وجهوده وأمواله في تحصيل هذه الأمور، وفي المقابل يكون مقصّرا أو مبتعدا عن طريق الله تعالى. هذا الصنف ينتظره مصير أليم يوم القيامة.
الصنف الثاني هو الذي يجب أن نسعى إليه. هؤلاء الذين يضعون الآخرة نصب أعينهم فيعدّون لها أحسن إعداد من خلال طاعة الله تعالى واتباع ما أمر به سبحانه واجتناب ما نهى عنه. فهؤلاء ينتظرهم الجزاء العظيم يوم القيامة بإذن الله تعالى.
سعيت من خلال هذه السلسلة إلى طرح مفاهيم مختلفة تساعدنا في الإعداد الجيد لدار الخلود حتى نحقّق ما أمرنا به رسول الله عليه وسلم حين قال: "لمثل هذا فأعدوا". وهذا الإعداد يحتاج إلى جهد ضخم وهو تحدّ كبير لأي شخص يريد سلوك هذا الطريق، وقد صدق رسول الله عليه وسلم حين قال: "وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ). نحتاج إلى أن نذكّر أنفسنا بهذه المفاهيم بين فترة وأخرى لأن زحمة الدنيا ومشاغلها قد تسنينا الكثير "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" (الذاريات 55).

أسأل الله تعالى أن أكون قد أضفت شيئا مفيدا للأمة الإسلامية ولكل مجتمع مسلم، وأن أكون ممن ساهموا في نهضة هذه المجتمعات وهذه الأمة، كما أسأله تعالى أن يؤجرني على هذه السلسلة وأن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. وسأسعد باستقبال أي ملاحظة أو تعليق يساهم في تطوير هذه السلسلة أو سلاسل قادمة بإذن الله تعالى.

هذا وما كان من صواب وتوفيق فمن الله تعالى وحده، وأسأل الله تعالى أن يغفر لنا خطأنا وجهلنا. والحمد لله رب العالمين. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هناك تعليق واحد: