الأحد، 30 يونيو 2024

مشاهدات (135) - الأمنيات الخمس!!!

بسم الله الرحمن الرحيم 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

لعل البعض سمع أو قرأ عن الممرضة الأسترالية بروني وير والتي كانت ترعى المرضى خلال الأسابيع الأخيرة من حياتهم وتسألهم عن أكثر الأمور التي ندموا عليها، ثمّ نشرت بعد ذلك مقالة وكتاب عن هذا الأمر بعنوان (أهم خمسة أشياء يندم عليها المرء عند الموت) حيث كانت خمسة أشياء:

·        أتمنى لو كان لدي الشجاعة لأعيش حياة صادقة مع نفسي، وليس الحياة التي يتوقعها الآخرون مني.

·        أتمنى لو أنني لم أعمل بجد.

·        أتمنى لو كان لدي الشجاعة للتعبير عن مشاعري.

·        أتمنى لو بقيت على اتصال مع أصدقائي.

·        أتمنى لو سمحت لنفسي أن أكون أكثر سعادة.

عندما تأمّلت في هذه الأمنيات، جال في خاطري أمور عجيبة خاصة أنّ هذه الأمنيات جاءت من أشخاص أتوقّع أنّهم ليسوا مسلمين مع أنّ المشهور عن معظمهم أنّهم يعملون بجدّ ويركضون وراء السعادة، فلماذا عندهم مثل هذه الأمنيات؟

الحقيقة أنّه ليس عندي إجابة الآن عن هذا التساؤل، ولكن إذا تأملنا في هذه الأمنيات الخمس، فهي واقعية ونحتاج أن نلقي لها بالا في حياتنا مع أنني شخصيا عندما تأملت في الأمنية الثانية (أتمنى لو أنني لم أعمل بجد)، استغربت قليلا لأنّ الأصل أن يعمل الشخص بجد في عمله وهو قبل كل شيء مطلب إسلامي كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ" (حسّنه الإمام الألباني في صحيح الجامع)، فأين المشكلة في ذلك؟

المشكلة هي عندما يطغى العمل على كل شيء بحيث يصبح حياة الشخص كلّه اهتمام بالعمل وبالتالي يضيع التوازن المطلوب فلا يبقى للشخص وقت للحياة الشخصية أو الاجتماعية أو الأمور الأخرى، وأعتقد أنّ المرضى كانوا يقصدون هذا الأمر. بل إنّ هذه المشكلة لها علاقة كذلك بالأمنيات الأخرى إذ أنّ الاهتمام الزائد بالعمل سوف يؤثّر ولا شكّ على الاتصال بالآخرين أو المعنى الحقيقي للسعادة.

السؤال الهام هنا أنّه لو طُرِحَ علينا السؤال نفسه، ماذا ستكون إجابتنا نحن؟ ما هي الأمنيات التي تمنّينا أن نحققها ولم نقدر على ذلك أو ما هي الأمور التي سنندم عليها؟ قبل أن نفكّر في الإجابة، دعوني أذكّر بموقف ذكرته في مقالة سابقة عن الإمام الجليل الحسن البصري رحمه الله تعالى وهو أنّه مرّ على جنازة وكان معه شخص، فسأل الحسن ذلك الشخص: (ماذا يتمنّى هذا الميّت إن رجع إلى الدنيا؟)، فقال الشخص: (يعمل الصالحات ويزداد من الحسنات)، فقال الحسن رحمه الله تعالى: (إن لم يكن هو فكن أنت).

وأيضا، نحتاج أن نقف على واحدة من الأمنيات الرئيسة للشخص يوم القيامة حين يقول: "يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي" (الفجر 24)، يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: (يقول تعالى ذكره مخبراً عن تلهُّف ابن آدم يوم القيامة، وتندّمه على تفريطه في الصَّالِحات من الأعمال في الدنيا التي تورثه بقاء الأبد، في نعيم لا انقطاع له: يا ليتني قدمت لحياتي في الدنيا من صالح الأعمال لحياتي هذه، التي لا موت بعدها، ما ينجيني من غضب الله، ويوجب لي رضوانه). والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (السكينة والطمأنينة)، يُرجى الضغط هنا.

الأربعاء، 19 يونيو 2024

مشاهدات (134) - السكينة والطمأنينة

بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

موضوع السعادة من المواضيع التي يختلف فيها الناس كثيرا، وهذا الاختلاف يرجع في وجهة نظري إلى الأسباب التي تؤدي إلى السعادة وقد كتبت في ذلك مقالا سابقا بعنوان (اصنع سعادتك) يمكن الرجوع إليها في هذا الموضوع.

الذي دفعني لكتابة هذه المقالة هو أمر تذكّرته من محاضرة حضرتها في العمل – لا أذكر بالضبط عنوان المحاضرة - ولكن أتذكّر كلمات المحاضر حيث ذكر بأنّ السعادة لا يمكن تحقيقها في الدنيا والدليل على ذلك بأنّ الله سبحانه ذكر السعادة مرة واحدة في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ" (هود 108)، فذكر سبحانه السعادة مرتبطة بالجنّة وليس بالدنيا مما يدلّ على أنّ السعادة الحقيقية والكاملة تكون في الجنة فقط.

سواء اتفقنا مع المحاضر أو اختلفنا معه، فالأمر فيه شيء من الصحّة، فالسعادة الكاملة لا يمكن أن تحصل في الدنيا مهما سعينا للحصول عليها، وبدلا من ذلك - كما ذكر المحاضر - يجب أن نسعى إلى السكينة والطمأنينة كما جاءت بذلك الآيات القرآنية حيث ذكر سبحانه بأنّه مَنَّ على المؤمنين بأن أنزل عليهم السكينة والطمأنينة.

السكينة تأتي بمعنى الرَّاحَةِ والطُّمَأْنِينَة والاسْتِقْرَار وهي معانٍ يسعى إليها البشر جميعا من خلال أساليب كثيرة وطرق متعددة. وقد قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ" (الفتح 4) (يخبر تعالى عن منته على المؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم، وهي السكون والطمأنينة، والثبات عند نزول المحن المقلقة، والأمور الصعبة، التي تشوش القلوب، وتزعج الألباب، وتضعف النفوس، فمن نعمة الله على عبده في هذه الحال أن يثبته ويربط على قلبه، وينزل عليه السكينة، ليتلقى هذه المشقات بقلب ثابت ونفس مطمئنة).

والملاحظ في الآية الكريمة أنّ السكينة تكون من الله تعالى وحده، فهي مِنّة وفضل منه سبحانه، ومهما حاولنا نحن الحصول على هذه السكينة، فلن نحصل عليها بغير توفيق الله تعالى. وكذلك الأمر بالنسبة للطمأنينة التي هي الراحة والسكون والثبات، فهي كذلك من الله تعالى وحده كما جاءت بذلك الآيات الكريمة.

الملاحظة الأخرى هي أنّ محل السكينة والطمأنينة هو القلب، فمهما تظاهر الإنسان بالسكينة والطمأنينة، فلن يكون كذلك بالحقيقة ما لم يكن قلبه مطمئناً وساكناً. نحتاج أن نطلب من الله تعالى دائما أن يمنحنا السكينة والطمأنينة مع بذل الأسباب المؤدية إلى ذلك، وقد كتبت سلسلة كاملة بعنوان (ليطمئن قلبي) في بيان معاني الطمأنينة وأهميتها وكيفية الحصول عليها.

لست ضدّ مفهوم السعادة في الحياة الدنيا بل إنّني مع الفريق الذي يقول بأنّ السعادة يمكن الحصول عليها في حياتنا بوسائل كثيرة، وإنّما أردت أن أذكّر كذلك بالمفاهيم القرآنية التي جاءت بمعنى السعادة. أسأل الله تعالى أن يمنحنا السكينة والطمأنينة في حياتنا والسعادة الكاملة والأبدية في الآخرة، والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (لماذا هذا الاهتمام الكبير؟)، يرجى الضغط هنا.