الأحد، 15 يناير 2017

سلسلة (ليطمئن قلبي) - سلسلة تسعى إلى بيان الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب

بسم الله الرحمن الرحيم


الحلقة الأولى (المقدمة) (2017/1/15)



الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:
فلا أخفيكم أنني فكّرت كثيرا في السلسلة الجديدة التي سأكتبها بعد انتهائي من السلسلة السابقة (نقرأ لنرتقي)، ومرّت عليّ مواضيع كثيرة وترددت كثيرا في اختيار إحداها. أسعى دائما لأن أكتب في شيء يفيد الناس والمجتمع، في موضوع مطروح على الساحة أو في ناحية أحسّ أنه يجب التذكير به. وأتساءل دائما في نفسي، ما هو الشيء الجديد الذي سأقدّمه للناس؟ هذه الأمور والأسئلة تجعلني أفكّر كثيرا قبل أن أكتب أي سلسلة جديدة.
كتبت فيما سبق في مواضيع كثيرة ومتعددة، عن أهمية القراءة، عن بعض التحديات التي يواجهها الشخص في حياته، عن أهمية الجدية في الحياة، عن التركيز، عن كيفية ترك بصمة خير في الحياة وغيرها. هدفي في كل سلسلة أكتبها أن أفتح الأذهان لمعان معينة ومواضيع محددة فعندي قناعة بأنه يستحيل تغطية جميع المتعلقة بموضوع واحد في حلقات محددة مهما كثرت هذه الحلقات، ولذلك أسعى أن أشير إلى المعنى وأوجّه تفكير الشخص إليه.
وإن كتبت في موضوع مكرّر، فشعاري هو "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" (الذاريات 55)، فالتذكير مطلوب وبوسائل متعددة، ودائما أقول في نفسي: لعلّ الحلقة أو السلسلة التي أكتبها تغيّر شخصا واحدا وهذا والله لهو الفوز العظيم "فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ" (متفق عليه).
والعنوان الذي اخترته لهذه السلسلة هو (ليطمئنّ قلبي) حيث ستتحدث عن الأمور التي تعين على اطمئنان القلب، ولماذا هذا الموضوع؟ لأنني رأيت بأن كثيرا من الناس يعيشون في قلق وخوف وهمّ وغمّ بسبب أمور كثيرة فرأيت أن التذكير باطمئنان القلب مفيد ولعلّه يؤدي إلى نتائج إيجابية بإذن الله تعالى من عودة الراحة والسعادة إلى الناس بإذن الله تعالى.
سأسعى بإذن الله تعالى وتوفيقه إلى طرح مواضيع متعددة في هذه السلسلة تركّز على اطمئنان القلب مع ذكر مواضيع أخرى متعلقة مثل عوائق اطمئنان القلب.
أسأل الله تعالى أن يوفقني لطرح هذه السلسلة وأن يرزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الحلقة الثانية (أهمية الاطمئنان - 1) (2017/1/30)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
من المهم قبل التحدث عن أي أمر بناء القناعة بأهمية هذا الأمر وإلا لن يلتفت الشخص إلى الوسائل. عند الحديث عن الصلاة، يجب الابتداء بالحديث عن أهمية الصلاة وثمراتها قبل الحديث عن الكيفية التي تُؤدى بها الصلاة مع عدم التقليل أبدا من شأن الكيفية فهي هامة كذلك ولكنها تأتي بعد أن تتكون القناعة بأهمية الصلاة إذ ما هي الفائدة من أن يعرف الشخص كيفية الصلاة ولكنه لا يصلي!!! نفس الأمر بالنسبة إلى الاطمئنان، فالأصل أن نعرف أهميته ثم نتعرف على الوسائل بعد ذلك.
الاطمئنان لغة تأتي من كلمة (اطمئن) وهي بمعنى سكن واستقر وثبت، واطمأنّ القلب بمعنى سَكن بعد انزعاج ولم يقلق. فمعاني الاطمئنان تدور حول الاستقرار والسكون والهدوء وهي غالبا ترتبط بالقلب كما جاءت في الآية الكريمة "وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" (البقرة 260)، فمحل الاطمئنان الحقيقي هو القلب، فإذا اطمأن القلب اطمأنت بقية أعضاء الإنسان وهذا شيء مجرّب وحقيقي.
وإذا أردنا أن نعرف أهمية الاطمئنان، فلننظر إلى ضده فكما قيل (بضدها تتميز الأشياء). هناك كلمات كثيرة تأتي ضدّ الاطمئنان منها الاضْطِراب، الخَوْف، الخِشْيَة، الذُّعْر، الفَزَع، الرُّعْب، القَلَق، الخَطَر، شِدَّةٌ، ضِيقٌ، كربٌ. وكل كلمة من هذه الكلمات تكفي لتبيّن مدى السلبية التي يشعر بها الإنسان حين يصاب بأي منها، وفي نفس الوقت نستطيع أن نعرف مدى أهمية الاطمئنان عندما تزول هذه الكلمات من قاموس الشخص ومن قلبه.
عندما يطمئن الشخص فإن الدنيا تصبح جميلة في عينيه ويستطيع أن يستمتع بها – بالطبع فيما أحلّه الله تعالى – . أما غير المطمئن فإن الدنيا تصبح سوداء في عينيه وتكون كل لحظة منها عبارة عن ساعة أو يوم من شدة الضيق والنكد الذي يكون عليه.
وأستطيع القول بأن الاطمئنان هو مطلب كل إنسان في هذه الحياة سواء كان مؤمنا أو كافرا، غنيا أو فقيرا، ذكرا أو أنثى، فهي من الأهمية بمكان أن يتكلم عنها الشخص ويذكّر بها وبأهميتها وبالوسائل التي تؤدي إليها.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحلقة الثالثة (أهمية الاطمئنان - 2) (2017/2/16)




الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:


مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
من المهم أن نتحدث عن أهمية الاطمئنان قبل البدء بذكر الوسائل التي تؤدي إليه، فالقناعة بأهمية الاطمئنان تجعل الإتيان بالوسائل المؤدية إليه أكثر سهولة. وإنني على يقين بأن كل شخص في هذا العالم يريد الحصول على الاطمئنان لأن ذلك يعني الحصول على نتائج عظيمة جدا، وجزء من بناء القناعة بأي أمر هو بيان ثمرات ونتائج تطبيق ذلك الأمر.
الاطمئنان طريق إلى السعادة الحقيقية، لأن الاطمئنان يأتي من القلب ومحل السعادة الحقيقي هو القلب وبالتالي تتفق السعادة مع الاطمئنان، وهذا أمر ملاحظ مثلا مع الحريصين على طاعة الله تعالى فتجدهم سعداء بغض النظر عن حالتهم الاجتماعية أو المادية وذلك لأن قلوبهم مطمئنة.
والاطمئنان كذلك يؤدي إلى الإنتاجية في كل المجالات، فالطالب غير المطمئن لا ينتج، والموظف غير المطمئن لا ينتج، والمربّي غير المطمئن لا ينتج، والرياضي غير المطمئن لا ينتج، فأكبر وسائل الإنتاجية هو الاطمئنان في الدور الذي يؤديه الشخص.
والاطمئنان كذلك سبيل إلى التميز والتفوق، فمن المستحيل أن تجد شخصا قلقا أو خائفا أو مهموما  على تميّز دائم، وإن حصل ذلك فسيكون لمدة محدودة، فالقلب والبال مشغولان بأمور كثيرة لا يستطيع معها الشخص التفكير بأمور التميز والتفوق، أما المطمئن فيستطيع التفكير بأمور كثيرة تجعله متميزا ومتفوقا.
وهذا يقودنا إلى ثمرة أخرى للاطمئنان وهي القدرة على التفكير الإيجابي والمبتكر، فلكي يفكّر الشخص تفكيرا إيجابيا ومبتكرا لابدّ أن يكون مطمئنا غير مشغول البال وإلا لن يستطيع التفكير بأمور جديدة تساهم في التطور.
قد يأتي شخص ويقول بأن هناك أشخاصا سعداء أو منتجين أو مبتكرين رغم أنهم خائفون وقلقون ومهمومون. أقول: لا أريد أن أتحدث عن استثناءات، ولا أريد أن أركّز على مثال واحد خرج عن القاعدة العامة مقابل الكثير من الأمثلة الأخرى التي تؤكد بأن الاطمئنان سبب لتحقيق السعادة والنجاح في الحياة.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الرابعة (محل الاطمئنان القلب) (2017/2/26)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
أين يكون الاطمئنان؟ سؤال هام ينبغي أن نجيب عليه قبل أن نذكر الوسائل التي تؤدي إليه. يجب أن نعلم بأن الاطمئنان مسألة قلبية أي أن مكان الاطمئنان الحقيقي هو القلب، ولذلك جاءت الآية الكريمة على لسان إبراهيم عليه السلام: "وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" (البقرة 260)، فالاطمئنان شعور قلبي داخلي يظهر آثاره على الشخص.
لن يستطيع أي شخص أن يجبر أحدا على الاطمئنان لأن الاطمئنان كغيره من المسائل القلبية ينبع من داخل الشخص نفسه، فهو كالخشوع في الصلاة مسألة قلبية لا يعلم بها إلا الله تعالى ثم الشخص نفسه، فمهما كان الشخص في الظاهر ساكنا متأثرا، لن نستطيع أن نجزم بأنه خاشع أو مطمئن لأنه أمر قلبي.
وكذلك الأمر بالنسبة للخوف والمحبة والخشية وغيرها، فجميعها تحدث في القلب والشخص نفسه يعرف متى تحقق فيه هذه الأمور. لماذا نذكر ذلك؟ لأننا يجب علينا الاهتمام بقلوبنا حتى يتحقق لنا الاطمئنان الذي نسعى إليه.
جاء في الحديث الشريف: "ألاَ وَإنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، ألاَ وَهِيَ القَلْبُ" (متفقٌ عَلَيْهِ)، وفي الحديث الآخر: "إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ ولا إِلى صُوَرِكمْ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ وأعمالكم" (رواه مسلم)، فالقلب في الإسلام ذو منزلة عالية جدا وعلى الشخص الذي يريد الفلاح في الدنيا والآخرة الاهتمام بقلبه أولا حتى قبل جسده. أما عن كيفية الاهتمام بالقلب فيكون بتطبيق القاعدة التالية (التخلية قبل التحلية) أي بتنقيته (التخلية) من الأمور السيئة مثل الحقد والحسد والكبر والكذب ثم تزويده (التحلية) بالأمور الحسنة كالصدق والتواضع والمحبة والخشية.
من الأمور الأخرى كذلك الحرص على الدعاء بأن يرزقنا الله تعالى قلبا سليما، ومن الجميل الحرص على الأدعية النبوية مثل ما جاء عن شَكَلِ بن حُمَيدٍ رضي الله عنه قَالَ : قلتُ: يَا رسولَ الله، علِّمْنِي دعاءً، قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي". (رواه أَبُو داود). والمسألة تحتاج إلى مجاهدة نفس وتدريب دائم لأن القلب يتقلب دائما فإن أهمله الشخص ولو لفترة بسيطة فإنه قد يُملئ بأمور غير حسنة.
الاهتمام بالقلب ينبغي أن يكون على رأس الأولويات بالنسبة للشخص الذي يريد الاطمئنان في حياته فمتى ما كان القلب مطمئنا انعكس ذلك على الجوارح، فالقلب هو الملك والجوارح تبع له.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
الحلقة الخامسة (الإيمان بالله تعالى -1) (2017/3/17)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
ابتداء من هذه الحلقة، سوف أذكر بعض الوسائل التي تؤدي بإذن الله تعالى إلى اطمئنان القلب، ولن أستطيع بطبيعة الحال ذكر كل ما يتعلق بالوسيلة التي سأذكرها في كل حلقة ولكني كعادتي أسعى لطرح مفاتيح وأمورا لفتح الأذهان وأدع الباقي للقارئ لكي يقرأ أكثر في الكتب والمقالات المتعلقة بنفس الموضوع.
والوسائل التي سأذكرها ليست مرتّبة في الأهمية وإنما مكمّلة لبعضها البعض، والوسيلة التي سأبدأ بها هي (الإيمان بالله تعالى).
الإيمان بالله تعالى يعني الإقرار بوحدانيّته سبحانه وأنه لا إله إلا هو وكذلك الإيمان بأسمائه وصفاته ويدخل في الإيمان بالله تعالى معاني المحبة والرجاء والخشية والتوكل والاستعانة وغير ذلك من الأمور القلبية. والسؤال الهام هنا، لماذا الإيمان بالله تعالى يؤدي إلى الاطمئنان؟
الذي يؤمن بالله تعالى لن يتعلق قلبه إلا به سبحانه بعكس الذي يتعلق قلبه بشخص أو مال أو منصب فهو يعيش في قلق وخوف، فربما يزول هذا الشيء في أي لحظة وقد يخسر بذلك كل شيء أو كثيرا من أشيائه بينما المؤمن بالله تعالى يعلم بأن الله تعالى حي لا يموت بل لا تأخذه سبحانه سِنة ولا نوم وهو سبحانه موجود في جميع الأوقات والأماكن فكيف لا يطمئن.
المؤمن بالله تعالى يعلم بأن كل ما في هذا الكون مُلك لله تعالى وأنه سبحانه بيده كل شيء وأنه يقول للشيء كن فيكون وهذا بعكس المتعلق قلبه بشخص أو منصب ما، ملكه محدود ومؤقت ولا يستطيع بحال من الأحوال أن يجعل القلب مطمئنا دائما.
المؤمن بالله تعالى يعلم بأن الله تعالى يستطيع أن ينقذه من أي مصيبة ويفرّج عنه أي كرب وإن لم يحصل ذلك في الدنيا، فالأجر في الآخرة كبير وعظيم وهذا بحد ذاته كاف بأن يجعل الشخص مطمئنا بعكس الشخص غير المؤمن أو المتعلق قلبه بالدنيا وما فيها، فإنه قد يطرق أبوابا كثيرة لحل مشاكله ومصائبه وقد يمرض ويقلق بسبب هذه المشاكل والمصائب، وفي النهاية قد تُحلّ مشاكله أو لا تُحلّ، وبالطبع ليس للآخرة نصيب في تفكير هذا الشخص وبالتالي فإن نسبة الاطمئنان تقل إلى حد كبير.
الإيمان بالله تعالى من أعظم الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب وراحة الإنسان وصدق الله العظيم حين قال: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ" (الأنعام 82).

مع ثمرات أخرى عن الإيمان بالله تعالى وكيفية مساهمته في اطمئنان الشخص في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، إلى ذلك الحين نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
الحلقة السادسة (الإيمان بالله تعالى -2) (2017/3/27)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
بدأنا في الحلقة الماضية بالحديث عن الوسائل التي تؤدي إلى اطمئنان القلب وذكرنا بأن الإيمان بالله تعالى هي أهم الوسائل لتحقيق هذا الاطمئنان. ونكمل في هذه الحلقة بعض الأمور المتعلقة بكيفية مساهمة الإيمان بالله تعالى باطمئنان القلب.
يقول الله تعالى: "وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ" (التغابن 11)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (أي: ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدىً في قلبه، ويقينا صادقا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرا منه). فالآية الكريمة تؤكّد بأن الإيمان بالله تعالى له قدرة عجيبة في اطمئنان القلب، ولعل في السيرة النبوية مواقف كثيرة تؤكد هذا المعنى نذكر منها موقفا واحدا فقط وهو موقف النبي صلى الله عليه وسلم وأبوبكر الصديق في غار ثور قبل الهجرة إلى المدينة المنوّرة.
روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال‏:‏ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت‏:‏ يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا‏.‏ قال‏:‏ ‏"اسكت يا أبا بكر، اثنان، الله ثالثهما‏‏"، وفي لفظ‏:‏ "‏ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما"، وأكّد الله تعالى ذلك بقوله سبحانه: "إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ" (التوبة 40). فالإيمان بالله تعالى هو الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يطمئّن في هذا الموقف العصيب.
وكذلك حدث مع موسى عليه السلام حين طارده فرعون وجنده، فقال قوم موسى حين رؤوا البحر من أمامهم والجنود من خلفهم "إِنَّا لَمُدْرَكُونَ" (الشعراء 61) أي سنهلك لا محالة، فقال نبي الله تعالى موسى عليه السلام المؤمن بربّه المطمئن قلبه "كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" (الشعراء 62)، فمن يستطيع أن يقول هذا الكلام في هذا الموقف العصيب إلا من اطمأن قلبه بأن الله تعالى معه، وهذا لا يتحقق إلا بالإيمان بالله تعالى.
وأختم بما حدث مع أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام حين ألقاه قومه في النار، فعن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: (كَانَ آخر قَول إبْرَاهِيمَ عليه السلام حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ: حَسْبِي الله ونِعْمَ الوَكِيلُ) (رواه البخاري)، فإيمانه بالله تعالى جعله يطمئن ويلجأ إلى الله تعالى فكانت النتيجة: "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ" (الأنبياء 69).
هؤلاء هم قدواتنا حيث إن إيمانهم بالله تعالى جعلهم مطمئنين، ولا شك بأن هذا الاطمئنان سيتحقق لنا كذلك إن نحن حقّقنا الإيمان بالله تعالى.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
الحلقة السابعة (الدعاء) (2017/4/18)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
مع وسيلة جديدة من الوسائل التي تؤدي إلى اطمئنان القلب، ونقف في هذه المرة مع أمر عظيم جدا ألا وهو الدعاء.
الدعاء من أقوى الوسائل التي تؤدي إلى اطمئنان القلب ولكن هذا الاطمئنان يتحقق فقط للذي يستشعر معنى وأهمية الدعاء لأن هناك بعضا من الناس يدعو ولكن لا يشعر بالاطمئنان، فكيف يكون الدعاء سببا للاطمئنان؟
يطمئن الشخص حين يعلم بأنه يفعل أمرا عظيما جدا أمر به الله تعالى بل ويغضب سبحانه إن لم يدعه العبد، فالدعاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم هو العبادة (رواه أبو داود).
يطمئن الشخص حين يعلم بأن الله تعالى قد وعد بإجابة دعائه كما قال سبحانه: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر 60)، وحتى لو لم يعطه الله تعالى ما يطلب فإن عدم إجابة دعائه إجابة لأن الله تعالى هو الأعلم بما يصلح للعبد وبما يفسده، فالمطلوب من الشخص الدعاء ولكنه يفوّض أمره لله تعالى.
يطمئن الشخص حين يعلم بأنه لا خسارة أبدا مع الدعاء حتى لو لم يُستجب له، ففي الحديث الشريف: "مَا عَلَى الأرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو الله تَعَالَى بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللهُ إيَّاها، أَوْ صَرفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: إِذاً نُكْثِرُ قَالَ: "اللهُ أكْثَرُ" (رواه الترمذي)، وفي رواية أخرى وزاد فِيهِ: "أَوْ يَدّخِرَ لَهُ مِن الأَجْرِ مثْلَها". فنتيجة الدعاء مضمونة.
يطمئن الشخص حين يعلم بأن الله تعالى بعظمته وجلاله قريب منه وقت دعائه "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (البقرة 186).
ولكن هذا الاطمئنان لا يتحقق إلا إذا كان الدعاء خالصا خاشعا مع استشعار عظمة الله تعالى، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" (رواه الترمذي)، فالقلب ينبغي أن يكون حاضرا وينبغي للشخص أن يكون كامل التركيز وقت الدعاء، فإذا فعل الشخص ذلك استشعر لذة الدعاء وتحققت له الاطمئنان بإذن الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
الحلقة الثامنة (الصلاة -1) (2017/4/28)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
الصلاة من أعظم الوسائل التي تؤدي إلى اطمئنان القلب ولذلك وجب التوقف عندها لبيان كيفية تحقيق هذا الاطمئنان.
كثيرون هم الذين يؤدّون الصلاة في كل يوم، ولكنني على يقين بأن القليل من هؤلاء يتحقق لهم الاطمئنان نتيجة هذه الصلاة، لماذا؟ لأنهم لم يعرفوا كيف يمكن أن تؤدي هذه الصلاة إلى اطمئنان القلب.
يطمئن الشخص حين يعلم بأن يؤدي أعظم عبادة على الإطلاق، عمود الدين وأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة. فعندما يعلم الشخص بأنه يفعل شيئا عظيما جدا فإنه سيرتاح ويطمئن بلا شك بعكس من يشعر بأنه يفعل أمرا عاديا متكررا.
يطمئن الشخص حين يستشعر فضائل الصلاة وما ورد فيها من أجور كثيرة وعظيمة وأنها أهم وسيلة وطريق لدخول الجنة والنجاة من النار. وبالطبع يحتاج الشخص قبل ذلك أن يعرف نعيم الجنة وقيمة الحسنات وعذاب النار وخطورة السيئات حتى يستشعر قدر الصلاة وما فيها من حسنات وسيئات.
يطمئن الشخص حين يعلم بأنه في أقرب المواضع إلى الله تعالى، في موضع السجود "أقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ" (رواه مسلم). فالشخص حين يعلم أنه قريب من مسؤول أو ملك في الدنيا فإنه سيطمئن فكيف إذا كان قريبا من ملك الملوك وبدون أي واسطة ولمرات متعددة في اليوم؟ ألا يدعو ذلك إلى الاطمئنان؟
يطمئن الشخص حين يجعل الله تعالى في صلاته أكبر من كل شيء، فهو حين يردد (الله أكبر) لعدة مرات في صلاته فإنه يجب أن يحقق بأن الله تعالى أكبر من الدنيا وما فيها من هموم ومتاع ومال وثروات ومباريات وفنون وبرامج. فإذا استشعر ذلك فإن صلاته ستجعله يطمئن.
يطمئن الشخص حين لا يجعل صلاته حملا ثقيلا ينبغي التخلص منه وإنما متعة ولذة واطمئنانا وشوقا، ولذلك نستطيع أن نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة: "أرحنا بها" (رواه أبوداود)  وقوله صلى الله عليه وسلم: "وجُعِلَت قرة عيني في الصلاة" (رواه النسائي). كان النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده الصالحين يعلمون قدر الصلاة وثمراتها وأنها تؤدي إلى الاطمئنان فأقبلوا عليها إقبالا شديدا عكس من يشعر بأنها حمل ثقيل حركات ينبغي أن يؤديها في وقت معين.
هذه بعض الأمور التي لو فعلها الشخص تحقق له الاطمئنان في صلاته وما بعدها، وسنقف في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى على بعض الأمور الأخرى التي تساهم في تحقيق الاطمئنان من الصلاة.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة التاسعة (الصلاة -2) (2017/5/15)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
الصلاة من أعظم الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان الشخص، ولكن ليس كل صلاة تؤدي إلى هذا الاطمئنان. وقد ذكرنا في الحلقة الماضية بعض الأمور التي تجعل الصلاة مصدر اطمئنان للشخص، وفي الحلقة سأذكر أمورا أخرى.
يطمئن الشخص حين يستشعر أهمية وفضل مقدمات الصلاة كالوضوء والأذان، فالوضوء له لذة عجيبة لمن استشعر فضله، ويكفي في فضله أنه ينظّف الشخص من الذنوب كما قال صلى الله عليه وسلم: "من تَوَضَّأ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُج مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ" (رواه مسلم)، فمن استشعر ذلك فإنه يفرح ويستمتع بوضوئه بعكس من يفرغ الماء على أعضائه فقط.
واستشعار الأذان يبعث في القلب طمأنينة وراحة حيث التكبير والتوحيد والشهادتين واستجابة نداء الله تعالى حيث يدعو سبحانه إلى الفلاح، فإذا استجاب الشخص لذلك فقد فاز بخيري الدنيا والآخرة.
والتبكير إلى الصلاة والحرص على تكبيرة الإحرام والصف الأول من الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان الشخص، قارن ذلك بشخص يحاول أن يلحق بالجماعة في الركعة الأخيرة، لا شك أنه لن يحصل على نفس شعور من جاء مبكّرا وكبّر تكبيرة الإحرام مع الإمام.
أدعية الاستفتاح تبعث في الشخص الاطمئنان أيضا، فيكفي أن الشخص يردد أحب الكلام إلى الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن أحب الكلامِ إلى اللَّهِ أن يقولَ العبدُ: سبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ وتبارَك اسمُكَ وتعالى جدُّكَ ولا إلَه غيرُكَ" (رواه أبوداود)، مع العلم بأن هناك صيغ متعدة لدعاء الاستفتاح وكلها تحتوي على معان عظيمة.
يطمئن الشخص حينما يستشعر سورة الفاتحة التي يقرأها في كل ركعة، فهي أعظم سورة في القرآن الكريم وتحتوي على معان عظيمة جدا. وهنالك الركوع والرفع منه والتشهد والتحيات والسلام وغير ذلك من أمور الصلاة. كل أمر من هذه الأمور لها لذة عجيبة إن استشعرها الشخص.
الخلاصة في موضوع الصلاة أن الشخص الذي يريد أن تكون صلاته سببا في اطمئنان قلبه عليه أن يستشعر كل ما في الصلاة وما قبلها وما بعدها، والاستشعار يعني التركيز والخشوع والاستمتاع والراحة وقت الصلاة والأهم من ذلك أن يعرف أنه يقف أمام ملك الملوك سبحانه وتعالى. بذلك تتحقق الطمأنينة، أما إذا أراد الشخص أن ينتهي بسرعة ولا يدري ماذا يقرأ أو يسمع من الإمام ويركع ويسجد كأنه آلة، فإن الطمأنينة لن تتحقق له أبدا.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة العاشرة (ذكر الله تعالى) (2017/5/26)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
من أهم الوسائل التي تساهم في اطمئنان القلب ذكر الله تعالى وهذا مصداق قول الله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد 28)، ولكننا نسأل كما سألنا من قبل، هل كل ذكر لله تعالى يتحقق به اطمئنان القلب؟
الذكر شأنه عظيم جدا ولذلك قال عنه صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم. قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله" (رواه ابن ماجه)، فاستشعار هذه المنزلة العالية للذكر يساهم في اطمئنان القلب.
حين يستشعر الذاكر لله تعالى ثمرات ذكره فإن ذلك يساهم في اطمئنان قلبه، فما هو أفضل من أن يذكر الله تعالى من يذكره كما قال سبحانه: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" (البقرة 152)، وكما جاء في الحديث القدسي: "يقول الله تَعَالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرنِي في ملأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ" (متفق عَلَيْهِ). عندما يعلم الشخص بأن مسؤولا كبيرا يذكره فإنه يفرح ويطمئن فكيف إذا كان الذي يذكره ملك الملوك، وليس لمرة واحدة وإنما بصورة مستمرة بحسب مرات الذكر. ألا يؤدي ذلك إلى اطمئنان القلب؟
حين يستشعر الذاكر لله تعالى أن ذكره يزيد من حسناته وبالتالي يرتفع مكانته في الجنة وكذلك من أكبر الوسائل لمغفرة الذنوب والسيئات وبالتالي الابتعاد عن النار فإن ذلك يساهم في اطمئنان قلبه. قال الله تعالى: "وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" (الأحزاب 35).
حين يستشعر الذاكر لله تعالى أن ذكره ينجي من الشدائد والكربات كما جاء في الحديث الشريف: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له" (رواه الترمذي)، وفي الحديث الآخر (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث") (رواه الترمذي). ألا يؤدي ذلك إلى اطمئنان القلب.
ويكفي في ذكر الله تعالى أنه طريق إلى الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة "وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ" (الأنفال 45). ولكن ينبغي التأكيد إلى أن هذا الاطمئنان لن يتحقق إلا إذا كان الشخص على يقين بما قاله الله تعالى وبما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك إذا تفكّر الشخص فيما يقوله من أذكار وليس فقط الترديد دون فهم أو تدبّر.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
كتاب (واذكر ربك كثيرا) على هذا الرابط: اضغط هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الحادية عشرة (القرآن الكريم) (2017/6/30)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
من الوسائل العظيمة التي تؤدي إلى اطمئنان القلب تلاوة القرآن الكريم، هذا الكتاب العظيم الذي يحتوي كلام رب العالمين وهو البلسم الشافي على قلب كل مؤمن.
لعل أكبر ما يؤدي إلى اطمئنان القلب هو تدبّر القرآن الكريم بمعنى فهم معانيه ومقاصده وليس مجرد القراءة العابرة السريعة كما يفعل كثير من الناس، فالتدبّر يجعل كلام الله تعالى وكأنه موجّه إلى الشخص نفسه، فحين يقرأ أي نداء في القرآن يبدأ "يأيها الذين آمنوا" يعلم أنه هو المخاطب، وحين يأتي أي أمر أو نهي يعلم بأنه هو المخاطب وهكذا.
والقرآن الكريم مليء بالموضوعات المتنوعة التي تساهم في اطمئنان القلب مثل التعريف بالله تعالى وأسمائه وصفاته، فحين يقرأ المؤمن قوله تعالى: "قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ" (آل عمران 154) يطمئن بأن كل ما يجري في هذا الكون يسير بإرادة الله تعالى، وحين يقرأ قوله تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" (البقرة 186) يطمئن بأن الله تعالى أقرب من كل قريب وهو وحده سبحانه القادر على إجابة الدعاء وهكذا.
والقرآن الكريم مليء بالقصص وليس الغرض هو سرد هذه القصص فقط وإنما العبر والفوائد والسنن، ومعرفة هذه العبر والسنن من الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب مثل معرفة عاقبة المؤمنين والظالمين والمتكبرين والصابرين.
وكذلك مواضيع اليوم الآخر من أحوال يوم القيامة ونعيم الجنة وعذاب النار من الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب. ولكن كل هذه الأمور تحتاج إلى تدبّر وفهم كما ذكرنا ذلك من قبل.
ولا شك بأن ترتيل القرآن الكريم وتحسين الصوت به من الأمور التي تؤثر كذلك على الشخص وهذا امتثال لقول الله تعالى: "وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً" (المزمل 4)، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم أبو موسى الأشعري رضي الله عنه لأنه كان حسن الصوت. والناس بشكل عام يقبلون على أصحاب الأصوات الجميلة ويتأثرون بما يقرؤونه من كلام الله تعالى.
القرآن الكريم من أقوى الوسائل التي تؤدي إلى اطمئنان القلب ولذلك وجب المحافظة على تلاوته وسماعه دائما.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثانية عشرة (العمل الصالح) (2017/7/16)




الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
يقول الله تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" (النحل 97)، نستفيد من هذه الآية بأن العمل الصالح من الوسائل المؤدية إلى اطمئنان القلب. قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: ("فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً"  وذلك بطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه، ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا من حيث لا يحتسب)
والعمل الصالح يشمل فعل أو قول كل ما يرضي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والنتيجة الطبيعية لهذا الأمر هو اطمئنان القلب لأن الذي يعمل الصالحات يعلم بأن أعماله الصالحة تقربّه من مولاه وترفع درجته في الجنة وتبعده عن النار وتحقق له البركة والسعادة في الحياة الدنيا فماذا يريد الشخص أكثر من ذلك؟
واختلف المفسرون رحمهم الله تعالى في تفسير الحياة الطيبة فمنهم من قال أنها الرزق الحلال الطيب ومنهم من قال أنها الحياة السعيدة ومنهم من قال أنها القناعة. المهم بأن كل ذلك طريق إلى اطمئنان القلب. والجميل في الآية بأن الله تعالى قد وعد الحياة الطيبة لكل من يعمل الصالحات وهذا لا شك يؤدي إلى اطمئنان القلب كذلك.
وأود الإشارة كذلك إلى مسألة هامة وهي الإخلاص في العمل الصالح ونستفيده من قول الله تعالى (وهو مؤمن) فالمخلص فقط هو من يشعر بالطمأنينة، أما من يعمل الصالحات لأجل فلان أو لمصلحة ما فإنه لن يشعر باطمئنان القلب أبدا لأن عمله مرتبط بغرض معين، فمتى ما كان هذا الغرض موجودا عمل الشخص ومتى ما زال فلا عمل للصالحات. أما المخلص فهو يعمل الصالحات في جميع الأوقات والأحوال لأن هدفه هو مرضاة الله تعالى وحده ولا شيء سواه.
العمل الصالح وسيلة عظيمة من وسائل اطمئنان القلب وهو فضل كبير من الله تعالى حيث فتح هذا الباب الواسع لكي يتقرب إليه المؤمنون وتطمئن قلوبهم نتيجة لذلك.
نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثالث عشرة (العطاء) (2017/7/27)




الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
من الأمور الرائعة التي تؤدي إلى اطمئنان القلب وهو يكاد يكون مشتركا بين بني البشر جميعهم، العطاء.
العطاء يعني أن يعطي الشخص شيئا بدون مقابل، وهذا الشيء قد يكون مالا أو علما أو خدمة أو نصيحة أو مساعدة أو ابتسامة وغير ذلك من الأمور. ولعل هذا الأمر واضح عند المتطوعين في أي مجال حيث تشعر أنهم فرحون رغم أنهم قد يعملوا لساعات وأيام طوال وبدون أي مقابل، ولكن لذة العطاء ورؤية الطرف الآخر سعيدا ينسي هذا التعب كله.
الإسلام يحث على العطاء بشكل مباشر سواء من خلال آيات القرآن الكريم أو السنة المطهرة وكذلك كان حياة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والصالحين من بعده نموذجا لكثرة طرق العطاء، ويكفي قول الله تعالى: "وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الحج 77) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئاً وَلَوْ أنْ تَلقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَليقٍ" (رواه مسلم) فمجال الخير والمعروف واسع جدا.
وكما ذكرنا بأن العطاء أمر إنساني مشترك، فالمتأمل في المجتمعات غير المسلمة يرى أمر العطاء سببا في السعادة والراحة والاطمئنان النفسي ويُلاحَظ ذلك بشكل واضح في المحاضرات والندوات التي ينظمها أصحاب المشاريع الخيرية والتطوعية.
ولا نريد أن نغفل أمر النية مع كل عمل نعمله حتى يُكتب هذا العطاء حسنات وإلا كان هباء منثورا إن لم ينو به صاحبه شيئا أو كان رياء وسمعة.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الرابع عشرة (الصدق) (2017/8/15)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام الترمذي عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، قَالَ: حَفظْتُ مِنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ"، وهذا يقودنا إلى وسيلة جديدة من وسائل اطمئنان القلب ألا وهو الصدق.
الصدق هو قول الحقيقة تحت أي ظرف كان، وفضائل الصدق وثمراته أكثر من أن تحصى ويكفي أنه طريق مباشر إلى الجنة كما جاء في الحديث الشريف: "إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ ، وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً" (متفق عليه). ولكن ما يهمّنا هو بيان كيفية مساهمة الصدق في اطمئنان القلب.
الصدق يؤدي إلى الرضا الداخلي لأن الشخص يقول أو ينقل ما وقع حقّا وليس كمن يختلق الأكاذيب عن حادثة معينة لكي ينجو أو يحصل على مصلحة معينة، فهذا يعيش في قلق دائم لأنه يدرك أنه إذا ما تم اكتشاف كذبه فإنه سيقع في مشاكل كثيرة بعكس الصادق الذي لا يخاف من شيء لأنه قال الحقيقة.
الصادق مطمئن القلب كذلك لأن الآخرين يثقون به ويحترمونه حتى إن اختلفوا معه، وهذا ما كان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة حيث كان يُعرف بالصادق الأمين رغم محاربة المشركين له، بل كانوا يضعون أماناتهم عنده ثقة به وبصدقه عليه الصلاة والسلام.
الصادق مطمئن لأنه يعلم عاقبة صدقه، ففي الدنيا المحبة والثقة والاحترام، وإن حصلت له مشاكل بسبب صدقه فالعاقبة له في النهاية وإن طال الزمن. أما في الآخرة، فدخول الجنّات والنجاة من النيران.
الصادق مطمئن لأنه بصدقه ابتعد عن صفة من صفات المنافقين كما جاء في الحديث الشريف: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ - وذكر منها - إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ" (متفقٌ عَلَيْهِ)، فالنفاق من أبشع الأمور، وصاحبه منبوذ في الدنيا والآخرة.
الصدق من الأخلاق الكريمة التي تتفق فيها البشرية جمعاء، فالجميع يحبّون الصدق ويكرهون الكذب، ولذلك رفع الإسلام من شأن هذا الخلق وجعل صاحبه في مقام عال عند الله تعالى بعكس الكذب الذي يودي بصاحبه إلى النار فضلا عن القلق الدائم لصاحبه وكراهية الناس له.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الخامس عشرة (الابتسامة) (2017/8/25)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
الابتسامة من الوسائل الجميلة التي تؤدي إلى اطمئنان القلب، واقصد هنا الابتسامة الحقيقية النابعة من القلب لأن هذه الابتسامة هي التي تعكس ما في القلب من طمأنينة ورضا وسكينة حتى في حالات الشدة والمصائب.
الابتسامة وسيلة رائعة إلى كسب أجر الصدقة كما قال صلى الله عليه وسلم: "تَبَسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ لكَ صدقة" (رواه الترمذي)، وهذا الأجر يكسب الشخص طمأنينة لأنه يعلم أن هذا العمل البسيط الذي لا يكلّفه شيئا لن يضيع عند الله تعالى، وهذا يدل على عظمة الإسلام إذ أنه يجزي على أي عمل إيجابي ولو كان بسيطا.
المبتسم يطمئن كذلك لأنه بابتسامته يسير على خطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه الصحابي الجليل عبد الله بن جرير البجلي رضي الله عنه: "ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي" (رواه البخاري) وقال عنه الصحابي الجليل عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه: "ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلى الله عليه وسلم" (رواه الترمذي)، فالابتسامة خلق نبوي رفيع وهي كذلك من أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قال سبحانه عن سليمان عليه السلام حين سمع قول النملة: "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا" (النمل 19).
الابتسامة الدائمة دليل كذلك على الإيجابية والتفاؤل وهذا مما يبعث في الشخص الطمأنينة لأن الإيجابية تؤدي إلى العمل والإنتاج والبذل والعطاء بعكس السلبية التي تؤدي إلى الشكوى والتذمر وعدم العمل.
ونستطيع أن نعلم قيمة الابتسامة حينما نشاهد أشخاصا غير مبتسمين بشكل دائم، فهؤلاء يبعثون رسائل سلبية من أول نظرة ولقاء معهم، ولذلك نرى اهتمام المؤسسات الراقية بالابتسامة من خلال توجيه موظفي خدمة العملاء بالابتسامة الدائمة حرصا على رضا وسعادة العملاء.
الابتسامة لها ثمرات كثيرة رغم أنها يسيرة من أهمها حرص صاحبه على إسعاد الآخرين فالابتسامة لها مفعول سحري على الطرف الآخر، ومن ثمراتها كذلك الاحترام وحسن المعاملة للآخرين، هذا غير تحقيق الطمأنينة والرضا الداخلي "وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس" (رواه ابن ماجه). وقد صدق أحد الدعاة الأفاضل حفظهم الله تعالى حين قال: (الابتسامة لا تكلّفني شيئا ولكنها تصنع الكثير).

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحلقة السادس عشرة (تحقيق الأهداف الإيجابية) (2017/9/16)




الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
في هذه الحلقة أقف مع وسيلة هامة من وسائل الاطمئنان التي لا يعرفها إلا من جرّبها وهي تحقيق الأهداف الإيجابية. ولماذا أقول من جرّبها؟ لأن كثيرا من الناس يعيشون في هذه الحياة بلا أهداف مخططة، فالمعظم يسير مع التيار العام للمجتمع والبعض يضع أهدافا بسيطة وقد يحقق أو لا يحقق والبعض يضع أهدافا سلبية للأسف الشديد يضر بها نفسه ومجتمعه من حيث لا يشعر، وبالتالي لا يعرف هؤلاء حلاوة وضع الأهداف وتحقيقها.
وضع الأهداف الإيجابية والحرص على تحقيقها سمة من سمات المتميزين والعظماء، وتحرص المؤسسات المتميزة كذلك على وضع الأهداف الإيجابية وتنتقل هذه الأهداف إلى الأفراد العاملين لأن هذه الأهداف لن تتحقق إلا من خلال الأفراد، وبالتالي تجد في المؤسسات المتميزة بأن جميع أفرادها يحملون أهدافا إيجابية يسعون لتحقيقها.
على المستوى الشخصي، إذا أراد الشخص التميز في الحياة فعليه أن يضع أهدافا إيجابية لنفسه يسعى لتحقيقها سواء على المدى الطويل أو القصير، وينبغي أن يعرف بأن هذه الأهداف ما هي وسيلة لتحقيق الغاية العظمى وهي رضا الله تعالى ونيل رحمته وجنته، وبالتالي عليه أن يتذكر دائما بأن أي هدف يضعه ولو كان في مجال عمله أو أسرته أو حتى تنمية مهاراته ما هي إلا وسيلة لتحقيق الغاية الكبرى، فالنية مطلوبة دائما وإلا ستكون هذه الأهداف هباء منثورا يوم القيامة.
وعندما يحقق الشخص أهدافه فإن ذلك سيؤدي إلى شعوره بالطمأنينة والسعادة لأنه رأى نتيجة تعبه وجهده، وحتى إن لم تحقق بعض الأهداف – وهذا شيء طبيعي – فإن الشخص سيشعر بطمأنينة كذلك لأنه بذل جهده وسعى في تحقيق هدفه.
إذا ليس المهم هو وجود الهدف بحد ذاته، وإنما مقدار الجهد والوقت والتعب الذي يبذله الشخص، فهذا الذي يؤدي إلى الطمأنينة، أما وجود أهداف من دون بذل أي جهد فهذا مضيعة للوقت.
الأمر الثاني الذي يؤدي إلى الطمأنينة هو أن يكون الهدف إيجابيا بمعنى أن يكون له مردود إيجابي على الشخص أو أهله أو مجتمعه أو حتى أمته، مما يعني أن تكون أهدافه جالبة للحسنات بإذن الله تعالى، وعندئذ ستحقق الفائدة للشخص في الدنيا والآخرة "قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" (يونس 58).
لست من دعاة تعقيد الأمور في وضع الأهداف كما يفعل البعض للأسف الشديد، وإنما أدعو إلى البداية البسيطة من خلال وضع أهداف إيجابية طموحة يسعى لتحقيقها الشخص، ولتكن البداية بشكل يومي وبأهداف بسيطة مثل المحافظة على الصلوات في أوقاتها وقراءة صفحة من كتاب والجلوس مع الأهل لمدة ساعة والاتصال بأحد الأصحاب وهكذا، وسيجد طمأنينة جميلة بعد انتهاء يومه. ثم بعد ذلك فليكتب الشخص أهدافا على مدى الأسبوع والشهر والسنة والسنوات. كل ذلك سيأتي بعد توفيق الله تعالى وإرادة الشخص واستمراره. والخلاصة أنه من أراد السير في طريق النجاح والتميز والعظمة فيجب أن تكون له خطة طموحة إيجابية.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السابع عشرة (الأسرة الصالحة) (2017/9/25)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
واحدة من أهم الوسائل التي تؤدي إلى اطمئنان القلب وجود الأسرة الصالحة، فالأسرة هي المكان الذي ينبغي أن يطمئن فيه الشخص وإلا كانت وبالا عليه وتحولت حياته إلى جحيم.
يقول الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم 21) فالآية الكريمة جعلت الأسرة مكان السكن والمودة وهذا يتحقق إن كان الزوجين صالحين سائرين على كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولذلك حث الإسلام على اختيار الزوجة الصالحة وقبول الزوج الصالح حتى تتحقق بعد ذلك المودة والرحمة والاطمئنان في هذه الأسرة.
وجاء في الحديث الشريف: "أربع من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء، و أربع من الشقاء: المرأة السوء والجار السوء والمركب السوء والمسكن الضيق" (رواه الحاكم)، فهذا الحديث يدل على أن الأسرة الصالحة هي مكان الاطمئنان والسعادة بينما العكس تكون في الأسرة غير الصالحة. وينبغي التنبيه إلى أن الصلاح في الأسرة لا يكفي لوحده وإنما يكون التفاهم والمسؤولية والثقة المشتركة بين الزوجين، فهذه الأمور تؤدي إلى الاطمئنان والسعادة بحيث يشتاق الزوج والزوجة والأبناء لهذا البيت السعيد والمطمئن.
البيت المطمئن لا يعني خلوّه من المشاكل ولكن الأسرة تسارع إلى حل هذه المشاكل بطرق سليمة ولا تسمح بتفاقم هذه المشاكل حتى تصل إلى ما لا يُحمد عقباه، ثم ترجع بعد هذه المشاكل أقوى وأفضل.
ولا بد من الإشارة كذلك إلى أننا يجب أن نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وبين أزواجه، فهو القدوة الأولى في البيت المطمئن.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثامن عشرة (الصحبة الإيجابية) (2017/10/15)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
الصحبة الإيجابية من أكبر أسباب الاطمئنان ولذلك أكّد عليها الإسلام وحثّ على اختيار صحبة إيجابية صالحة حتى تكون عونا للشخص وسببا لاطمئنانه.
وقد أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالتزام الصحبة الصالحة وتجّنب السيئة منها "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" (الكهف 28)، فالرسول صلى الله عليه وسلم مع مكانته العظيمة يحتاج إلى صحبة فكيف بنا نحن؟ الصحبة الإيجابية من أكبر الأسباب الجالبة للطمأنينة ولذلك فالحرص عليها واجب.
والجميل في هذه الصحبة أن العلاقة تمتد إلى يوم القيامة "الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" (الزخرف 67)، وبفضل الله تعالى فإنهم يدخلون الجنة مع بعضهم أيضا "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ" (الزمر 73). كل هذه الأمور تبعث في الشخص طمأنينة حين يكون مع هذه الصحبة الإيجابية.
وشيء آخر رائع يبعث في الشخص طمأنينة نتيجة وجوده مع هذه الصحبة الإيجابية وهو تحقق محبة الله تعالى لهذه الصحبة كما جاء في الحديث القدسي: "قَالَ الله تَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَحابين فيَّ" (رواه مالك في الموطأ). وثمرات الصحبة أكثر من أن تُحصى ويكفي أنها سبب لتعلّم الفوائد والمهارات المفيدة وحل المشاكل والمواساة في حالات الحزن والمشاركة في حالات الفرح، كل ذلك يبعث الطمأنينة في نفس الشخص.
أما الصحبة السلبية فلها عواقب كثيرة وقد تجر الشخص إلى المشاكل والمصائب مما يجلب الهمّ والحزن والقلق ولذلك حذّر منها الإسلام وشدّد على معايير اختيار الصحبة ف "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَليَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ" (رواه أَبُو داود).

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة التاسع عشرة (القائد الإيجابي) (2017/10/29)




الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
اقتضت سنة الحياة وجود قائد على رأس كل عمل، فالدولة والوزارات والمؤسسات واللجان المختلفة لها قائد، ومن أكبر أسباب نجاح أي مؤسسة وجود قائد إيجابي على رأسها، وهذا القائد الإيجابي أحد أسباب تحقق اطمئنان القلب.
القائد الإيجابي يبعث جو الإيجابية في محيط العمل بين الموظفين، فهو يكون معهم ولا يستعلي عليهم، ويسعى دائما لحل مشاكلهم ويدفعهم إلى التميز والتفوق، ويذكّرهم بأهداف ورؤية المؤسسة، ويحفّز ويقدّر أصحاب الإنجازات. كل ذلك يبعث في نفس الموظفين السعادة والطمأنينة ويجعلهم متحمّسين وقت ذهابهم إلى العمل.
أما من يعلم بأن هناك قائدا سلبيا في انتظاره، فهو يتمنى أن يمر وقت العمل كالبرق ولا يحتكّ بهذا القائد أبدا، فهذا القائد السلبي دائم النقد والشكوى ويلقى باللوم دائما على الموظفين ولا يتحمّل أي خطأ ولا توجد كلمة (شكرا) في قاموسه، هذا غير بعض الأخلاق السيئة التي قد يحملها. كل ذلك يجعل الموظفين يعيشون في قلق ورعب وخوف من بداية وقت العمل إلى نهايته.
والتاريخ القديم والحديث يثبت أن القائد الإيجابي يبعث في نفوس أصحابه الطمأنينة ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في ذلك، فقد تحققت فيه جميع صفات القائد الإيجابي ولذلك فقد أحبّه الصحابة حبّا كبيرا وفرض احترامه على الجميع. وكذلك كان حال القادة الإيجابيين من المسلمين وغير المسلمين عبر التاريخ والأمثلة أكثر من أن تُحصى.
ينبغي لأي قائد أن يسأل نفسه إن كان إيجابيا أو سلبيا، ويستطيع أن يعرف ذلك بوسائل كثيرة مثل الاستبيانات واللقاءات المباشرة وحضور الندوات والدورات التدريبية المختلفة. سعادة الموظفين ورضاهم من أهم الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها أي قائد وهي تمثّل إحدى علامات النجاح الرئيسة له. وقد سمعت في إحدى الدورات التدريبية التي حضرتها بأن السبب الأول لمغادرة الموظفين لأعمالهم هو القائد السلبي وهو أمر صحيح إلى حد كبير.
يحتاج القائد إلى أن يطوّر نفسه دائما ويحتاج الموظفون إلى دعم هذا القائد حتى يعيش الجميع في اطمئنان وسعادة ويكون جو العمل ممتعا ومنتجا.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة العشرون (المجتمع الآمن) (2017/11/16)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب.
المجتمع الآمن من أهم العوامل التي تؤدي إلى اطمئنان القلب، ولذلك كان من أوائل أدعية إبراهيم عليه السلام: "رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً" (إبراهيم 35)، وقد منّ الله تعالى على قريش بالأمن حين قال: "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" (قريش 4)، فأمن المجتمع سبب أساسي للتطور والإنتاجية بعكس المجتمع غير الآمن الذي يهرب منه الناس وتقل إنتاجيته.
من أكبر أسباب تحقق الأمن اتباع أوامر الله تعالى واجتناب معصيته وكذلك قوة التلاحم بين القيادة والناس وتعايش الناس مع بعضهم البعض في حب ووئام. كل ذلك سيؤدي إلى استقرار المجتمع واطمئنان أفراده مع ضرورة الحرص على حمد الله تعالى وشكره دائما على هذه النعمة العظيمة "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ" (إبراهيم 7).
وقد جاء في الحديث الشريف: "مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سربِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ  يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا" (رواه الترمذي)، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بنعمة الأمن مما يدل على أهميتهما وقيمتها العالية وثمراتها العديدة، فبغير الأمن سيسود القلق والخوف والحزن مما ستؤدي إلى نتائج سلبية على الفرد والمجتمع.
والتاريخ القديم والحديث يثبت بأن المجتمعات الآمنة هي المجتمعات المتقدمة وهي التي تخدم البشرية جمعاء بإنتاجها وأفكارها، ومن تأمل السيرة النبوية وعصر الخلفاء الراشدين يجد هذا الأمر واضحا إذ ساعد أمن المجتمع على تقدم الدولة الإسلامية بصورة واضحة وبسرعة عجيبة.
ولا يعني أبدا وجود الأمن عدم وجود تحدّيات أو مشاكل، فهذه الأمور جزء  من الحياة ولكن الأمن يكون هو السائد بشكل عام ويشعر الناس بذلك في حياتهم على الرغم من وجود هذه التحديات والمشاكل.
الفرد هو جزء من مجتمعه ولا يمكن أن يطمئن قلبه إذا كان مجتمعه غير آمن، ولذلك وجب على كل فرد أن يسعى للحفاظ على هذا الأمن وفق ما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الحادية والعشرون (الإيمان بالقضاء والقدر) (2017/11/29)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لوسيلة جديدة تؤدي إلى اطمئنان القلب من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه الوسيلة.
جاء في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه" (رواه أحمد). هذا الحديث يبيّن وسيلة هامة من وسائل اطمئنان القلب ألا وهو الإيمان والرضا بالقضاء والقدر.
الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان وهو يعني بأن يؤمن الشخص بأن كل شيء حصل أو يحصل له مكتوب عند الله تعالى، وهذا الإيمان والرضا يجعل الشخص في طمأنينة دائمة لأنه يعلم أن كل شيء يحدث وفق إرادة الله تعالى وأن كل ما كتبه الله تعالى للعبد فيه خيرا له وإن كان في ظاهره غير ذلك.
حينما وقعت مصيبة غزوة أحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لم يعترض المؤمنون على قضاء الله تعالى ولم يقولوا بأننا الوحيدون الذين نعبد الله تعالى وننصر دينه، ولكنهم حمدوا الله تعالى واستفادوا من هذه المصيبة بأنهم علموا عاقبة مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتيجة عدم الصبر، فعادوا بعد ذلك أقوى مما كانوا.
كيف يؤدي الإيمان والرضا بالقضاء والقدر إلى اطمئنان القلب؟ يجب أن ندرك أولا بأن هذه المسألة مسألة قلبية بالدرجة الأولى ثم ينعكس بعد ذلك على جوارح الشخص. فإن أصاب الشخص خيرا حمد الله تعالى وشكره ولم ينظر إلى الآخرين فربما حصلوا على أمور أكثر ولكن ربّما يكون ذلك من باب الاختبار أو لحكمة يريدها الله تعالى، وليتذكر الشخص دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" (رواه الترمذي).
أما إذا أصاب الشخص ضرّ، فليحمد الله تعالى أولا ولا يتسخّط ولا يشتكي ولا يقلق لأنه يجب أن يوقن بأن الله تعالى يختار للعبد ما فيه صلاحه وإن كان يراه العبد ضرّا، فالمسألة مختلفة عند الله تعالى فقد يكون ابتلاء وقد يكون تكفيرا للخطايا وقد تكون مقدمة لخير وفير يحصل عليه العبد إن صبر فلماذا السخط والشكوى والقلق؟
إذا استقرت هذه المعاني في قلب الشخص فإن قلبه سيطمئّن لا محاله، ولا يعني الإيمان بالقضاء والقدر السكون وعدم العمل بحجّة أن كل شيء مكتوب عند الله تعالى وإنما كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، فقالوا: يَا رسولَ الله، أفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابنَا؟ فَقَالَ: اعْمَلُوا؛ فكلٌّ مُيَسرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" (متفق عليه) فالمسلم عليه الدعاء وبذل الأسباب والعمل والتوكل على الله تعالى ثم يرضى بما كتبه الله تعالى له بعد ذلك.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحلقة الثانية والعشرون (التقدير) (2017/12/14)


الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لوسيلة جديدة تؤدي إلى اطمئنان القلب من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه الوسيلة.
أقف في هذه الحلقة مع وسيلة أخرى تؤدي إلى اطمئنان القلب، وهذه الوسيلة هامة في المنزل وبيئات العمل. هذه الوسيلة هي التقدير والذي يعني شكر الشخص الآخر على جهد بذله أو إنجاز حققه وقد يكون ماديا كهدية أو مبلغ مالي وقد يكون معنويا كعبارات الشكر وشهادات التقدير وهناك أنواع كثيرة من التقدير المادي والمعنوي والمجال كبير للابتكار.
والسؤال هنا، لماذا التقدير يؤدي إلى اطمئنان القلب؟ التقدير من القيادة في أي مكان يرسل رسالة بأن كل جهد يُبذل أو هدف يُحقّق هو موضع اهتمام وهذا بلا شك يسعد كل من هم في هذا المكان ويدفعهم لمزيد من البذل والعطاء. والتقدير كذلك يعطي للناس قيمة وأنهم موضع احترام وهذا يدفع كذلك إلى اطمئنان وراحة القلب بعكس من يبذل الجهود ويحقق الأهداف ولا يُقال له حتى كلمة (شكرا) فهذا لا يكون مطمئنا ولا مرتاحا أبدا.
والتقدير كذلك يقوّي جسور التواصل بين القيادة والعاملين وهذا لا شك يدفع إلى الاطمئنان حيث أن رؤية القيادة والحديث معهم وسماع الثناء منهم أمر إيجابي ورائع.
ومن يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد بأنه كان يقدّر الناس كثيرا ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ لِفاعِلهِ: جَزَاكَ اللهُ خَيراً، فَقَدْ أبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ" (رواه الترمذي)، وكان صلى الله عليه وسلم يطلق على أصحابه ألقابا إيجابية وهذا نوع من التقدير العالي لهم كما جاء في الحديث الشريف: "أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي: أبوبكرٍ، وأَشَدُّهُمْ في أَمْرِ اللهِ: عمرُ، وأَصْدَقُهُمْ حَياءً: عثمانُ، وأَقْرَؤُهُمْ لِكتابِ اللهِ: أُبَيُّ بْنُ كعبٍ، وأَفْرَضُهُمْ : زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وأعلمُهُمْ بِالحَلالِ والحَرَامِ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، ألا وإِنَّ لِكلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وإِنَّ أَمِينَ هذه الأُمَّةِ: أبو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ" (رواه الترمذي). هذا غير المهام التي كان يكلّف بها وهذا من وسائل التقدير كذلك.
أصبح التقدير جزءا من ثقافة الأسر والمؤسسات الناجحة إيمانا منها بأنه من أهم أسباب سعادة واطمئنان وزيادة إنتاجية الناس.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحلقة الثالثة والعشرون (الالتزام بالمواعيد) (2017/12/26)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لوسيلة جديدة تؤدي إلى اطمئنان القلب من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه الوسيلة.
هناك بعض الأمور التي يعتبرها البعض بسيطة ولا تؤثر على اطمئنانه ولكننا إذا دققنا فيها نجد بأنها قد تؤثر ولو بشكل بسيط وأحيانا قد تتحول إلى أمر عظيم، ومن هذه الأمور الالتزام بالمواعيد.
أصبح الالتزام بالمواعيد عملة نادرة في عالمنا العربي للأسف الشديد، حيث أصبح الملتزمون بالوقت قلة بين كثيرين لا يلتزمون بالوقت فضلا عن آخرين لا يهتمون بالأساس بمسألة الوقت. لن يشعر باطمئنان القلب إلا من يلتزم بالمواعيد سواء في بيئة العمل أو المنزل أو الأصدقاء أو حتى في الشعائر التعبدية كالصلاة.
من يلتزم بمواعيده يبعد نفسه عن الإحراج أو القلق أو النقد وكل ذلك يؤدي إلى عدم اطمئنان القلب، وقبل كل ذلك فإن الملتزم بمواعيده يحترم وقت الآخرين خاصة إن كانوا ينتظرونه لأمر هام. ونحن هنا لا نتحدث عن أمور طارئة تحدث للشخص قد تأخرّه عن موعد ما، ولكن الغالب على الشخص من حيث التزامه أو عدم التزامه.
قد يعتذر المتأخر بأعذار كثيرة عن سبب تأخره ولكنه في النهاية لا يكون في موقف مطمئن كمن يلتزم بمواعيده، فهؤلاء الملتزمون يكونون في وضع أفضل وأكثر راحة وهذا مما يؤدي إلى اطمئنان القلب.
ولم يأت اهتمام القرآن الكريم والسنة النبوية بالوقت من فراغ لأن الوقت هو حياة الشخص وكل لحظة منه هامة جدا وبالتالي وجب على الشخص الاهتمام به، ومن تجربة شخصية وجدت أن الاهتمام بالمحافظة على التبكير إلى الصلوات من أكبر الأمور التي تساهم في التزام المواعيد بالإضافة إلى الشعور بأهمية وقت الشخص ووقت الآخرين.

كم سيكون المجتمع جميلا وكم ستكون الإنتاجية أفضل حين يلتزم الناس بالوقت لأن أوقات الجميع ستكون مثمرة ومحترمة. نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الرابعة والعشرون (التمكين والتفويض) (2018/1/13)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لوسيلة جديدة تؤدي إلى اطمئنان القلب من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه الوسيلة.
التمكين والتفويض من المصطلحات الإدارية الشائعة في عالم الشركات وهي تعني إعطاء الصلاحيات بدرجات مختلفة سواء بشكل كلي أو جزئي، وفي الحقيقة، فإن هذين المفهومين لا يقتصر تطبيقهما على المؤسسات وإنما تمتد في أغلب مناحي الحياة ابتداء من المنزل ومرورا بالمدرسة وانتهاء بالحكومة، فالوالدان في المنزل على سبيل المثال يعطيان الصلاحية للأبناء بشراء بعض الحاجيات أو القيام برعاية أشقائهم في وقت غيابهما وهكذا.
التنفيذ الصحيح لمفهوم التمكين والتفويض من الأمور التي تؤدي إلى الاطمئنان، لماذا؟ لأن فيها علامة ثقة من الطرف الآخر وهذا يؤدي إلى سعادة الشخص واطمئنانه. وهذا المفهوم طبّقه الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته حيث كان يرسل الرسل والدعاة لتعليم الناس الإسلام أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يعطي هذا الشخص صلاحية لتعليم الآخرين أو أداء مهمّة ما ولذلك كان الصحابة فخورين وسعداء حين يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم علموا ثقة النبي فيهم، وما أجمل ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عن علي أبي طالب رضي الله عنه "رجل يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله" أو عن أبي عبيدة الجرّاح رضي الله عنه "لأبعثنَّ معكم رجلًا أمينًا حقَّ أمينٍ" مما يدلّ على ثقته فيهم.
وتحرص المؤسسات الناجحة على تطبيق مفهوم التمكين والتفويض لأنهم يعلمون أن ذلك يؤدي إلى زيادة سعادة موظّفيها، والأمر المهم هنا هو التطبيق الصحيح للتمكين والتفويض بحيث يُعطى للشخص الصحيح أو ممن يتم تدريبه أو تجهيزه. وأيضا ينبغي للشخص المُمكّن أو المُفوّض أن يستشعر المسؤولية التي عليه ويتصرف تصرفات صحيحة.
التمكين والتفويض لهما فوائد عديدة كذلك فهي تساهم في حفظ أوقات القادة مما يساعدهم على إنجاز مهمّات أخرى، هذا غير تأهيل قيادات جديدة ونشر المعرفة الموجودة. وهذا الأمر ينطبق على البيوت والمدارس والمؤسسات والحكومات وغيرها.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الخامسة والعشرون (المواساة) (2018/1/24)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لوسيلة جديدة تؤدي إلى اطمئنان القلب من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه الوسيلة.
الحياة عبارة عن أفراح وأتراح، وحدوث المصائب والمشاكل لأي شخص جزء من هذه الحياة، وهنا تأتي الوسيلة التي سنذكرها في هذه الحلقة والتي تؤدي إلى اطمئنان الشخص، هذه الوسيلة هي المواساة.
المواساة تكون في حالة المصائب والمشاكل وهي تعني تخفيف آلام الشخص المصاب والوقوف بجانبه ومساعدته، وهذه المواساة تبعث الطمأنينة في نفس الشخص المصاب، إذ يمكن بدونها أن يكون لوحده في مواجهة المصيبة أو المشكلة. صحيح أن الصبر والرضا مطلوبان ولكن وجود المواساة من الآخرين ضرورية كذلك حتى يشعر الشخص أن الآخرين يشعرون بمصابه وحالته.
والمواساة تكون بأشكال متعددة إذ يمكن أن تكون بكلمة أو باتصال أو بزيارة أو بغيرها، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يواسي أصحابه في مصائبهم بما يستطيع حيث واسى آل ياسر بكلمة "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"، وواسى أبناء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه بعد استشهاده في معركة مؤتة، وواسى حتى الصبيان إذ قال لأبي عمير بعد موت طائره: "يا أبا عمير، ما فعل النُّغير"، وكل ذلك كان يبعث الطمأنينة فيمن يواسيهم.
والمواساة كذلك ترجع بفائدة على الشخص نفسه، فبجانب أنه خلق كريم يُؤجر عليه صاحبه، فإن له أجرا آخر كما جاء في الحديث الشريف: "ما من مؤمن يعزّي أخاه بمصيبة، إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة" (رواه ابن ماجه)، هذا غير تخفيف المصائب على الشخص وتذكيره بالصبر والرضا وكل ذلك مما يؤجر عليه الشخص بإذن الله تعالى.
المواساة من الأمور التي تقوّي الروابط في المجتمع وبين المسلمين بشكل عام وهي من الأخلاق الكريمة التي يحثّ عليها الإسلام وهي كذلك من الوسائل الهامة التي تبعث الطمأنينة في نفس المصاب والشخص الذي يواسي.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة السادسة والعشرون (الإيجابية) (2018/2/15)



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مع حلقة جديدة من سلسلة (ليطمئن قلبي) والتي تهدف إلى بيان بعض الأمور التي تؤدي إلى اطمئنان القلب. وأسعى في كل حلقة إلى فتح الأذهان لوسيلة جديدة تؤدي إلى اطمئنان القلب من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه الوسيلة.
الإيجابية في تعريفي الشخصي هي شعور يدفع إلى عمل شيء مفيد يترك أثرا، وهي سمة مشتركة للعظماء في القديم والحديث وهي من الوسائل الأساسية التي تؤدي إلى اطمئنان القلب، كيف ذلك؟
الشخص الإيجابي يستثمر وقته في المفيد سواء في تطوير ذاته أو خدمة مجتمعه وهذا لا شك سبيل إلى اطمئنان القلب بعكس الشخص السلبي المضيّع لوقته الذي لا يدري ما يفعل أو بالأخص لا يفعل شيئا مفيدا.
الشخص الإيجابي يعرف الوسائل التي يشعر فيها بالسعادة والاطمئنان وبالتالي يسارع إليها وفق أهدافه، فهو يشعر بالسعادة حين يقابل ربّه في صلاته أو يقرأ القرآن أو يذكر الله أو يساعد الآخرين أو يقرأ كتابا أو يصل رحمه أو ينتج في عمله وكل ذلك من الإيجابية.
الشخص الإيجابي دائم الإنتاج وهو يرى ثمرات هذا الإنتاج المفيد وهذا لا يشك يزيده طمأنينة وسعادة. وهو كذلك حريص على تطوير نفسه في مجالات معينة حسب اهتماماته وقدراته فهو يقرأ ويتابع الجديد ويحضر المؤتمرات والندوات وهذا كله يشعره بالطمأنينة لأنه متابع للأحداث والأخبار.
الشخص الإيجابي متميز في مجاله ولذلك ذكرنا أنه سمة للعظماء، فهؤلاء كانوا إيجابيين في مجالهم واستطاعوا خدمة البشرية وقبل ذلك إرضاء أنفسهم. ويجب أن نعرف بأن الإيجابية الأكثر أهمية هي في العلاقة مع الله تعالى وهو ما يميّز الإيجابي المسلم من غيره، حيث أن الإيجابي المسلم سوف يحصل على ثمرات إيجابيته في الآخرة كذلك بإذن الله تعالى وهذا ما يزيده اطمئنانا إلى اطمئنانه.
ومن أراد تعلّم الإيجابية فليقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء الكرام فهؤلاء هم أعظم الإيجابيين في التاريخ، وكذلك فليقرأ للعظماء والمؤثرين في التاريخ من المسلمين وغيرهم حتى يتعلم من إيجابية هؤلاء كذلك.

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الأخيرة (2018/2/28)


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده سبحانه على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، وأحمده سبحانه على أن وفّقني لكتابة هذه السلسلة، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ها قد وصلنا إلى نهاية هذه السلسلة (ليطمئنّ قلبي) والتي سعيت من خلالها إلى فتح الأذهان لوسائل معينة تؤدي إلى اطمئنان القلب من خلال رسائل قصيرة ومختصرة، وأترك بعد ذلك للقارئ أن يبحث ويقرأ ويتعمق بشكل أكبر عن هذه الوسيلة، ولا شكّ بأن هناك وسائل كثيرة غير التي ذكرتها في هذه السلسلة ولكن في الجملة فقد ذكرت أهم ما مرّ ببالي وما سمعته وقرأته هنا وهناك.
القلب هو أهم عضو في الإنسان والاهتمام به ينبغي أن يكون على رأس الأولويات، فالقلب هو ملك الأعضاء وهي كما قال صلى الله عليه وسلم مضغة "إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ" (متفقٌ عَلَيْهِ)، واطمئنان هذا القلب هو مطلب كل شخص في هذه الدنيا ولذلك وجب البحث عن كل ما يؤدي إلى هذا الاطمئنان والابتعاد عن عوائقه.
أتمنى من كل قارئ أن يعود لقراءة هذه الوسائل المتنوعة ويسعى لتطبيقها مع سؤال الله تعالى دائما التوفيق والتيسير لاطمئنان القلب، وكم هو جميل أن ينتشر الاطمئنان بين المسلمين أجمعين حتى يكونوا سعداء في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.
أسأل الله تعالى أن أكون قد أضفت شيئا مفيدا للأمة الإسلامية ولكل مجتمع مسلم، وأن أكون ممن ساهموا في نهضة هذه المجتمعات وهذه الأمة، كما أسأله تعالى أن يؤجرني على هذه السلسلة وأن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. وسأسعد باستقبال أي ملاحظة أو تعليق يساهم في تطوير هذه السلسلة أو سلاسل قادمة بإذن الله تعالى.

هذا وما كان من صواب وتوفيق فمن الله تعالى وحده، وأسأل الله تعالى أن يغفر لنا خطأنا وجهلنا. والحمد لله رب العالمين. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هناك تعليقان (2):