الأربعاء، 30 يوليو 2025

مشاهدات (156) - قَلْبٌ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ

بسم الله الرحمن الرحيم 


 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

استوقفتني جملة نبوية جميلة في حديث السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظلّه حيث ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم من جملة هؤلاء: "وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِد" (متفق عليه)، وسأقف مع هذه الجملة بعض الوقفات في النقاط التالية:

أولا: قرأت في إحدى شروحات هذه العبارة من موقع (الدرر السنية): أنّ الشخص المتعلّق قلبه بالمساجد هو (شَديدُ الحُبِّ والتَّعلُّقِ بالمساجِدِ، يَتردَّدُ عليها، ويَكثُرُ مُكثُه فيها، مُلازِمًا للجَماعةِ والفرائضِ، ومُنتظِرًا للصلاةِ بعْدَ الصلاةِ، كأنَّ قَلبَه قِنديلٌ مِن قَنادِيلِ المسجِدِ).

ثانيا: السؤال الهام هنا، لماذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الفئة من جملة الذين يظلّهم الله تعالى في ظلّه؟ لا شكّ أنّ هناك حِكَم كثيرة ولكن في وجهة نظري أنّ من أهمّ الأسباب مكانة وقدر المسجد في الإسلام حيث أنّه "أحبُّ البِقاعِ إلى اللهِ" (رواه مسلم) وفيه تقام أعظم شعائر الإسلام وأفضل العبادات وهي الصلاة وفيه يُقرَأ القرآن الكريم ويُذكر الله تعالى أي الأمور التي يحبّها الله تعالى.

ثالثا: لا شكّ أنّ الذي يحرص على بناء المساجد أو يشارك في بنائها يكون قلبه معلّق بالمساجد كذلك. وهذا الأمر مُشاهد لدى الأشخاص الذي يتبرعون بكثرة في بناء المساجد. هذا غير الأجور العظيمة الأخرى المترتبة على بناء المساجد.

رابعا: من الأسباب كذلك أنّ الشخص المعلّق قلبه بالمساجد، معلّق قلبه كذلك بالصلاة وبالحرص عليها وعلى أدائها في أوقاتها وهذا لا شكّ فضل عظيم وأجر كبير للشخص لما للصلاة من منزلة عالية ومكانة عظيمة في الإسلام.

خامسا: يحتاج الشخص إلى جهد كبير جدا لكي يجعل قلبه معلّق بالمساجد لأنّ مشاغل الدنيا وملهياتها كثيرة وهي تجذب الشخص بقوة لكي يأتي إلى المسجد ويخرج منه بأسرع ما يمكن وبالتالي يحتاج الشخص إلى إرادة قويّة وعزيمة جبّارة لكي يجعل قلبه يتعلّق بالمسجد ويحبّه ويشتاق إليه.

وأخيرا: أعتقد أنّه يجب أن نحرص على أن نكون من إحدى الأصناف الذين يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم القيامة ونجعل ذلك هدفا أساسيا في حياتنا وأولوية لنا لأنّ الموقف يوم القيامة كما ورد سيكون شديدا وعصيبا وسنحتاج بشدة إلى أن نكون في ظلّ الله تعالى ولذلك فالحرص على أن نكون من إحدى هذه الأصناف سيجعلنا في موقف مريح بإذن الله تعالى. والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (عام آخر من أعمارنا)، يُرجى الضغط هنا.

الأحد، 29 يونيو 2025

مشاهدات (155) - عام آخر من أعمارنا

بسم الله الرحمن الرحيم 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

قبل أيّام، ودّعنا عاما هجريا واستقبلنا عاما آخر جديدا نسأل الله تعالى أن يكون عاما مباركا ومليئا بالإنجازات والخير للجميع. ربّما لا نركّز كثيرا على العام الهجري بحكم أنّ أكثر مواعيدنا مرتبطة بالعام الميلادي ولكنّ المهم هنا أن ندرك أنّ نهاية عام سواء كان هجريا أو ميلاديا تعني نهاية فصل من أعمارنا واقترابنا أكثر وأكثر من أجلنا المحتوم وهو الموت.

وأعتقد أنّ من رحمة الله تعالى بنا أن يذكّرنا بمثل هذه المناسبات بمسألة المحاسبة أي محاسبة أنفسنا على ما فعلناه خلال العام. وهنا تكمن أهمية وجود الخطة الشخصية والتي تبيّن إن كان الشخص قد حقّق أهدافه أم لا وأيضا تبيّن إنجازاته والأمور التي قصّر فيها. ليس الهدف وجود خطة بعينها وإنّما محاسبة الشخص لنفسه بشكل مستمر ولذلك فإنّ وجود الخطة تسهّل على الشخص هذا الأمر بشكل كبير.

المحاسبة الشخصية ضرورة لأنّها تجعل الشخص يستدرك الأمور بشكل سريع خاصة إن كان مقصّرا في الواجبات وحتى النوافل والمستحبات. قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة).

وله رضي الله عنه قول آخر مشهور في المحاسبة حين قال: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية). ومن الأقوال الجميلة كذلك قول التابعي الجليل ميمون بن مهران رحمه الله تعالى: (لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه).

دخول عام جديد يعني فرصة جديدة، وأقصد بالفرصة هنا الاستزادة من الحسنات من خلال طاعة الله تعالى والتوبة والاستغفار من المعاصي والسيئات. ولا ندري كم ستسمر هذه الفرصة معنا، فقد تستمر لسنوات أو شهور أو أيام أو لحظات، فالإنسان لا يدري متى سيكون أجله ولذلك ينبغي له الاستعداد الدائم لهذه اللحظة.

قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (الحشر 18). قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة). والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (اللهم اجعلنا من الأبرار)، يرجى الضغط هنا.

الثلاثاء، 17 يونيو 2025

مشاهدات (154) - اللهم اجعلنا من الأبرار

بسم الله الرحمن الرحيم 


 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

هناك فئات كثيرة ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم ومن هذه الفئات التي يجب أن نلقي لها بالا فئة (الأبرار)، وقد ورد ذكرها في آيات متعددة كقوله تعالى: "رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ" (آل عمران 193)، وقوله تعالى: "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ" (الانفطار 13). المهم هنا أن نطمح لأن نكون من هذه الفئة لأنّ هذا هو المقصد الحقيقي لذكرها في القرآن الكريم.

وحتى ندخل ضمن هذه الفئة، يجب علينا أولا أن نتعرّف على معنى كلمة (الأبرار). جاء في تعريفها أنّها جمع بار وهم المطيعون والمؤمنون الصادقون، ورجال أبرار: رِجَالُ صِدْقٍ وَخَيْرٍ وَإِحْسَانٍ وَإِصْلاَحٍ. أمّا عن أقوال المفسّرين رحمهم الله تعالى، فأورد بعضا منها:

قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (وهم الذين برّت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته، والأخلاق الجميلة، فبرّت جوارحهم، واستعملوها بأعمال البر)، وقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: (يعني المؤمنين الصادقين في إيمانهم المطيعين لربهم)، وقال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: (برّوا بطاعتهم ربهم في أداء فرائضه، واجتناب معاصيه).

السؤال الهام هنا بعد أن عرفنا التعريفات المختلفة لهذه الفئة هو: كيف نكون من هذا الصنف؟ وقبل أن أجيب على هذا السؤال، يجب علينا أن نعمل بكل جهدنا لكي نكون من هذه الفئة، لماذا؟ لأنّ الله تعالى ذكر الأبرار بأنّهم في نعيم كبير في الجنّة كما جاءت الآيات الكريمة بذلك، ولأنّ من ضمن دعاء المؤمنين الذي ذكره الله تعالى في كتابه بأن يتوفاه الله تعالى مع الأبرار مما يدلّ على علو قدر هذا الصنف من الناس.

أمّا عن الإجابة عن سؤال كيف، فمن التعريفات السابقة، نستطيع القول بأنّ هناك ثلاثة أمور لكي نصل إلى هذه الفئة بعد توفيق الله تعالى:

·      طاعة الله تعالى باتّباع أوامره واجتناب نواهيه.

·      الاهتمام بالقلب بتنقيته من الأمراض القلبية وتغذيته بالعبادات القلبية.

·      الدعاء المستمر لله تعالى بأن نكون من هذه الفئة.

كم هو جميل أن يأتي الشخص يوم القيامة وينادى عليه بأنّه من الأبرار لأنّ فرحه سيكون كبيرا جدا لأنّ ذلك يعني النعيم المقيم في الجنة. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من هذه الفئة وأن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه. والحمد لله رب العالمين. 


لقراءة الحلقة السابقة (الفوز الحقيقي)، يرجى الضغط هنا.

الخميس، 29 مايو 2025

مشاهدات (153) - الفوز الحقيقي

بسم الله الرحمن الرحيم 

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

جميعنا نطمح إلى الفوز في مجالات مختلفة، ولا شكّ بأنّنا نفرح عندما نفوز في أي أمر سواء كان ذلك الحصول على تكريم أو جائزة أو الفوز في لعبة أو منافسة أو نحصل على إحدى المراكز الأولى أو غيرها، وهذا أمر حسن ما دام مشروعا، ولكنّ القرآن الكريم يأتي ليغيّر مفهومنا عن الفوز الحقيقي ويضبط البوصلة تجاه الأمر الذي يجب أن نسعى إليه لكي نحقّق هذا الفوز.

دعونا نتأمل بعض الآيات القرآنية التي تحدّثت عن الفوز حتى نعرف ماذا يريد منّا القرآن أن نركّز عليه. 

قال تعالى: "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ" (آل عمران 185)، 

وقال الله تعالى: "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (النساء 13)، 

وقال سبحانه: "قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (المائدة 119)، 

وقال سبحانه: "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ" (الجاثية 30).

هذه الآيات وغيرها تبيّن بوضوح بأنّ الفوز الحقيقي هو في دخول الجنّات والنجاة من النيران ونيل رحمة الله تعالى يوم القيامة، لأنّ هذا الفوز هو الفوز المطلق والكامل والذي تصغر أمامه كل فوز حقّقه الشخص في الدنيا ولو كان شيئا كبيرا في وجهة نظره أو الآخرين. قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: (فمن نُحِّي عن النار فأبعد منها وأدخل الجنة، فقد نجا وظفر بعظيم الكرامة).

وحتى ندرك معنى هذا الفوز، تأمّل في هذا الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ويُؤْتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيا مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ" (رواه مسلم)، فالحديث يصف بوضوح بأنّ لحظة واحدة في الجنّة تنسي الشخص كلّ ما مرّ به في حياته الدنيا ولو كانت لسنوات طويلة لأنّ هذا هو الفوز الحقيقي.

عندما نضع هذا الأمر نصب أعيينا دائما، فستتغيّر حياتنا بشكل كامل لأنّنا سنسعى إلى تحقيق كلّ ما يؤدي إلى هذا الفوز من عمل الصالحات واجتناب المعاصي والمحرّمات فسنسعد بذلك في الدنيا قبل الآخرة كما قال سبحانه: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" (النحل 97).

نحتاج أن نتدبّر القرآن الكريم ونعيد حساباتنا وطريقة تفكيرنا لكي يتوافق مع ما يقوله رب العالمين سبحانه، وبهذا يتحوّل القرآن الكريم إلى كتاب نور وهداية فننال الفوز الحقيقي بإذن الله تعالى. نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (أحاديث للقلوب مباشرة)، يرجى الضغط هنا.

الثلاثاء، 20 مايو 2025

مشاهدات (152) - أحاديث للقلوب مباشرة

بسم الله الرحمن الرحيم 


 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

في كل مرة يتحدّث فيها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حفظه الله تعالى ورعاه، تجد حديثه حديث الوالد لأبنائه والمعلّم لتلاميذه والمربّي لشعبه، ويتميّز سموّه بحديثه الدافئ وفي نفس الوقت تجد العمق في المعاني والواقعية في الطرح، ولذلك تصل أحاديثه إلى القلوب مباشرة.

هذا النوع من القيادة مزيج عجيب من القيادة بالحب والاحترام والقدوة مع وجود معرفة عميقة بالأمور سواء كان ذلك في الجانب النظري أو العملي من خلال الزيارات الميدانية والمتابعات الدقيقة. كل ذلك وسمّوه يتابع أمور الناس ومشاكلهم ويظهر ذلك جليّا من خلال مداخلاته القيّمة أو أوامره في برنامج الخط المباشر أو غيرها من الأدوات.

قبل مدة، كنت أسمع حديث سمّوه عن أهمية الصلاة ثمّ في مقطع آخر عن مسألة الأخلاق في وسائل التواصل الاجتماعي، واليوم تحدّث كذلك للاعبي فريق الشارقة لكرة القدم عن مسألة الأخلاق في المباريات وغيرها من الأمور. والجميل في أحاديث سمّوه هو إدخاله الفكاهة في بعض الأحيان مما يعطي أحاديثه كذلك متعة أخرى جميلة.

يقول صلى الله عليه وسلم: "خِيارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ ويُحِبُّونَكُمْ، ويُصَلُّونَ علَيْكُم وتُصَلُّونَ عليهم" (رواه مسلم). هذا الحب والدعاء المتبادل بين القائد وشعبه من أسباب سعادة المجتمع بعد توفيق الله تعالى وعونه. يحتاج القادة في مختلف المجالات أن يتعلّموا هذا النوع من القيادة من صاحب السمو لأنّ له ثمرات وفوائد كثيرة تعود على الجميع.

نسأل الله تعالى أن يوفّق صاحب السمو إلى كل خير وأن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب وأن يرزقنا الإخلاص والصواب في جميع الأقوال والأفعال، والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم)، يرجى الضغط هنا.

الثلاثاء، 29 أبريل 2025

مشاهدات (151) - وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ

بسم الله الرحمن الرحيم 

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

من جمال القرآن الكريم أنّه يضع لنا قواعد في الحياة لكي ننجو ونفلح ونسعد ونتميز في الدنيا والآخرة، وقد كنت أقرأ قبل مدّة واحدة من هذه القواعد الرائعة التي تصلح منهاجا لنا في حياتنا وهي قوله تعالى: "وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ" (النور 15).

وردت هذه الآية عند الحديث عن حادثة الإفك والتي كانت عصيبة على المسلمين وتحديدا على النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولذلك جاءت هذه الآيات الكريمات في سورة النور لكي تضع لنا منهجا وقواعد واضحة نمشي عليها في حياتنا سواء أكانت في مثل هذه المواقف أو غيرها.

لماذا نحتاج إلى هذه القاعدة في حياتنا؟ لكي نتجنّب الوقوع في المعاصي والأخطاء قدر الإمكان، وإذا وقعنا فيها، نعود ونستغفر ونتوب إلى الله تعالى بأسرع وقت ممكن. فهذه الآية تقول لنا ألا نستصغر أية معصية، فقد نراها نحن هيّنة ولكنّها عند الله تعالى عظيمة. تأمّل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يهوي بها في جَهَنَّمَ" (رواه البخاري). تأمّل في جملة (لا يلقي لها بالا)، إنّها تؤكد الآية الكريمة في أنّ الشخص استصغر هذه الكلمات وحسبها هيّنة ولكنها كانت عند الله عظيمة فكان جزاؤه هذا العذاب الأليم.

حادثة أخرى من السيرة النبوية تؤكّد خطورة أن يستهين الشخص حتى بالإشارة، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: (قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حسبُك من صفيةَ كذا وكذا - تعني قصيرةً - فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد قلتِ كلِمَةً لو مُزِجت بماءِ البحرِ لمزجته". (رواه أبوداود)، فحتّى الإشارة التي قد يستهين بها الشخص ولكن فيها سخرية أو تصغير لشخص آخر عند الله تعالى عظيمة.

إذا وضعنا هذه الآية نصب أعيينا دائما في المنزل عند التعامل مع الوالدين وبين الأزواج ومع الأبناء، وفي العمل حين التعامل مع الموظفين والمتعاملين، وفي وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشارع وفي الأسواق وفي كل مكان، فسنتبعد عن كثير من المعاصي والأخطاء لأنّنا لن نستصغر أو نستهين بأية معصية.

ولنتذكر دائما أنّنا بشر مما يعني أننا سنقع لا محالة في المعاصي والأخطاء، ولكن يجب علينا ألا نصرّ على الذنوب ولا نجهر بها ولا نستصغرها أبدا، فقد تكون خاتمة الشخص على هذه المعصية فيكون الموقف بعد ذلك صعبا على الشخص يوم القيامة. أسأل الله تعالى أن يوفّقنا دائما إلى طاعته ويجنّبنا معصيته وأن يحسن خاتمتنا، والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (هي لحظات فقط!!!)، يرجى الضغط هنا.

الخميس، 17 أبريل 2025

مشاهدات (150) - هي لحظات فقط !!!

بسم الله الرحمن الرحيم 


 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

في أداء صلاة الجنازة وزيارة المقابر فضل كبير وأجر عظيم كما جاء في الحديث الشريف: "مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ" (رواه البخاري)، ومع هذا الفضل الكبير، فهناك معانٍ أخرى نستفيدها من حضور صلاة الجنازة وزيارة المقابر:

-      نستطيع أن نرى بوضوح معاني الألفة والأخوّة بين المسلمين وقت صلاة الجنازة، فهناك الكثير ممن يحرص على أداء هذه الصلاة ولو كان لا يعرف الميّت ولا أهله. وتراه يعزّي أهل الميت ويطيّب خاطرهم وينصحهم، وصدق رسول الله عليه وسلم حين قال: "ترَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى" (رواه مسلم).

-      تظهر العاطفة بشكل واضح وقت صلاة الجنازة ودفن الميّت، وقد رأيت في مرّات عديدة من يبكي بحرارة وقت الصلاة أو الدفن، فهذه العاطفة تدلّ على إنسانية الشخص وضعفه من ناحية، وحبّه للطرف الآخر من ناحية أخرى.

-      هي لحظات فقط ونرحل عن هذه الدنيا ونكون في مكان هذا الميّت الذي يُصلّى عليه ويُدفن، ولعلّ هذا المعنى من أهمّ المعاني الذي ينبغي أن نقف عنده عند أداء صلاة الجنازة، فاليوم هو وغدا قد أكون أنا، وينبغي ذلك أن يدعونا للاستعداد الدائم للموت من خلال الحرص على الأعمال الصالحة والابتعاد عن الأعمال السيئة.

-      صلاة الجنازة عبارة عن لحظات يسيرة ولكنّها تنفع الميّت بشكل كبير وخاصة لأنّ صلاة الجنازة يحتوي على الدعاء، فربّما كان دعاء أحد المخلصين سببا في النجاة أو رفع الدرجات. ويجب أن نتذكر أن دعاءنا اليوم للميت بإخلاص قد يعود علينا بأن يدعو لنا أحدهم بإخلاص فننجو ونفلح بإذن الله تعالى.

هذه بعض المعاني التي خطرت في بالي وهناك معان أخرى ذكرتها في كتابي (ماذا تعلّمت من الأماكن؟) فيمكن الرجوع إليها. نسأل الله أن يُحسن خاتمتنا وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (القيادة مدارس)، يرجى الضغط هنا.

الخميس، 27 فبراير 2025

مشاهدات (149) - القيادة مدارس

بسم الله الرحمن الرحيم 


 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

وأنا أقرأ في كتب القيادة المختلفة ألاحظ أن هناك اختلافا من المؤلفين اتجاه أساليب القيادة ونظراتهم حول القادة الموجودين. وهذا كذلك واقع مُشاهد من خلال الاحتكاك بالقيادات المختلفة وسماع قصصهم ومواقفهم. وهنا قد يأتي التساؤل، ما هي القيادة المطلوبة أو ما هي القيادة المثالية؟

أريدك أن تكتب هذا السؤال في موقع البحث (جوجل) أو تسأل أيّا من برامج الذكاء الاصطناعي. ستجد أجوبة كثيرة ومتعددة وهذا كذلك شيء طبيعي لأنّ الشخص أو النظام الذي يجيب على هذا السؤال سوف يبني على خبرته ومواقفه وتجاربه وقراءاته، وبالتالي لن تحصل على الإجابة التي تريدها بل يمكن أن تزيد حيرتك.

في نظري، أنّ الأفضل من البحث عن إجابة هذا السؤال هو تغيير السؤال إلى: ما هي القواعد الرئيسة للقيادة الإيجابية؟ فمعرفة قواعد أو مبادئ القيادة سوف تسهّل معرفة القائد المثالي أو الإيجابي. وهذه القواعد سوف يتّفق عليها الأغلب مثل الاهتمام بالرؤية والاستراتيجية والناس والإيجابية والإصرار وغيرها.

أمر آخر يساعد على معرفة صفات القائد الإيجابي وهي قراءة حياة القادة العظماء وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فهؤلاء جسّدوا صفات القيادية الإيجابية وهناك كتب ومقالات وبرامج تكلّمت عن هذا الأمر يمكن الرجوع إليها.

الأمر الهام الذي يجب أن نعرفه أنّ موضوع القيادة من أهم المواضيع التي تحرص عليها الدول المتقدمة والمؤسسات الناجحة لأنّها أساس في النجاح أو الفشل، فكما يقول المؤلف الأمريكي جون سي ماكسويل والذي له كتب متعددة عن القيادة بأنّ كل أمر يعتمد في النهاية على القيادة، وهذا أمر صحيح والواقع في القديم والحديث يشهد بذلك.

لماذا أتحدّث عن القيادة في هذه الحلقة؟ إحدى الأسباب الرئيسة هي أنّ القيادة هامة في جميع المجالات ابتداء من المنزل ومرورا بالعمل والمدرسة والجامعة وانتهاء بالألعاب الرياضية. ولذلك فإن معرفة علم القيادة ضرورة لمن أراد النجاح والتميز في أي مجال كان حتى لو كان في المنزل. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الفردوس)، يرجى الضغط هنا.

الاثنين، 17 فبراير 2025

مشاهدات (148) - الفردوس

بسم الله الرحمن الرحيم 


 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

تأمّلت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ؛ فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ وأَعْلَى الجَنَّةِ" (رواه البخاري)، وتساءلت، لماذا حثّنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله تعالى الفردوس وهو أعلى الجنة ووسطها وأفضلها مع كل الجنّة حسنة ورائعة؟ هناك عدة أمور نستطيع أن نستفيدها من هذا التوجيه النبوي الجميل:

أولا: يريدنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون لنا طموح عالٍ في الدعاء بحيث نرفع السقف إلى أعلى الأمور، وهذا الطموح في الدعاء توجيه ربّاني كذلك حين قال سبحانه في كتابه الكريم: "وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" (الفرقان 74)، فالمتقين ذوو درجة عالية جدا، ومع ذلك يوجّه الله تعالى بأن يدعو الشخص بأن يكون إماما لهذه الفئة وهذا لا شك طموح عال في الدعاء.

ثانيا: هذا الطموح في الدعاء ينبغي أن يتبعه طموح في العمل وذلك بأن يسعى الشخص إلى طَرْقِ أبواب الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ليس ذلك فقط، وإنّما الحرص على الأعمال التي لها أجور خاصة ومضاعفة، فيكون طموحه في الدعاء مناسبا لطموحه في العمل.

ثالثا: هذا التوجيه النبوي يبيّن بوضوح اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بأمّته ورحمته بهم، فهو صلى الله عليه وسلم يريد لنا الخير الكثير والدرجات العلا من الجنة ولذلك وجّهنا لهذا الدعاء العظيم ولم يقتصر توجيهه مثلا لبعض أصحابه أو لمن له أعمال خاصة، وإنّما كان التوجيه للجميع بلا استثناء.

رابعا: الحرص على تطبيق هذا الدعاء يُكسب الشخص فوائد وثمرات متعددة، فجانب أداء الدعاء والذي هو بحدّ ذاته عبادة عظيمة جدا، فإنّ الحرص على هذا الدعاء له أجر اتّباع سنّة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كذلك له أجر عظيم عند الله تعالى.

خامسا: هذا الدعاء يربط الشخص بالآخرة والجنّة، وهذا مما نحتاجه في هذه الأيام بكثرة حيث زادت مغريات الدنيا وكثرت همومها وأشغالها ومتاعبها وأصبح الاهتمام بالدنيا طاغيا بحيث أصبح الدعاء عند البعض موّجها أكثر نحو أمور الدنيا. الأصل هو أن نضع الآخرة كأولوية لنا دائما كما قال سبحانه في الآية العظيمة: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" (القصص 77). والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (عقلية التعلّم...مرة أخرى)، يُرجى الضغط هنا.

الخميس، 30 يناير 2025

مشاهدات (147) - عقلية التعلّم...مرة أخرى

بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

كنت قد كتبت مقالة بنفس عنوان هذه المقالة من قبل بتاريخ 16 فبراير 2021 (عقلية التعلّم)، وما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع أنّني قرأت مقولة جميلة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله تعالى يقول فيه: (العلم هو الذي يصنع الحياة، ومن يتوقف عن التعلّم، يتوقف عن الحياة)، وفي نفس الوقت، حضرت دورة تدريبية على منصة (اللينكد إن التعليمية) بعنوان (تطوير عقلية التعلّم في عصر الذكاء الاصطناعي).

عقلية التعلّم من أهم صفات المتميزين، وهو ليس بالأمر اليسير خاصة مع التقدّم السريع والهائل في جميع المجالات، فالبحوث والكتب والمقالات والمحاضرات والمؤتمرات لا تتوقف، وهذا يدلّ على وجود الجديد دائما، ومع وجود الذكاء الاصطناعي بأنواعه المختلفة، فالجديد أصبح أكثر وأكثر بشكل لا يُتصوّر.

ماذا يعني عقلية التعلّم؟ تعني أن نجعل التعلّم جزءا من حياتنا بحيث يكون لنا وسائل واضحة نتعلّم منها بشكل مستمر مثل القراءة أو سماع المواد المسموعة وحضور المحاضرات والدورات التدريبية وغيرها من الوسائل. وتعني كذلك أن يكون التعلّم جزءا من خططنا الحياتية سواء كانت يومية أو شهرية أو سنوية.

الشخص الذي لدية عقلية التعلّم يكون منفتحا على تعلّم الجديد وخاصة ما يتعلّق بالتقنيات الجديدة واستخدامها في تنمية نفسه كالذكاء الاصطناعي التوليدي والذي يعطي للشخص معلومات ونصائح وتوجيهات يستطيع من خلالها الشخص أن يطوّر نفسه.

ولا يقتصر التعلّم فقط على التقنيات الجديدة وإنما يشمل كذلك العلوم الشرعية والتي تنبغي أن تأتي كأولوية للشخص لأنها تساعد الشخص على معرفة دينه وتقوية علاقته بالله تعالى، فالجديد في هذه العلوم كثيرة لأنّ العلماء لا يتوقفون عن البحث والكتابة وتقديم المحاضرات وغيرها.

تطوير عقلية التعلّم توجيه ربّاني ونبوي من خلال كثير من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، هذا غير أقوال العلماء وأفعالهم في التعلّم المستمر كما جاء عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى حينما سئل: إلى متى ستطلب العلم؟ فقال: مع المحبرة إلى المقبرة. وهناك الكثير من قصص العلماء الذين كانوا يحرصون على طلب العلم حتى آخر لحظات حياتهم. والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (وماذا أعددت لها؟)، يرجى الضغط هنا.

الأحد، 19 يناير 2025

مشاهدات (146) - وماذا أعددت لها؟

بسم الله الرحمن الرحيم 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

ما هو وحدة قياس الوقت في الإسلام؟ قد يبدو هذا السؤال غريبا بعض الشيء والإجابة عنه واضحة، فقد تكون الوحدة هي الساعة أو الدقيقة أو الثانية بحسب السؤال، ولكن الإجابة الصادمة كانت في بودكاست سمعته منذ فترة عن موضوع الغفلة حيث ذكر المحاضر بأنّ وحدة قياس الوقت في الإسلام هي النَفَسْ !!!.

لماذا هذه الإجابة؟ لأنّ هناك من الصالحين من كان يحسب وقته بأنفاسه وقد يبدو ذلك غريبا أو مثاليا جدا عند البعض ولكنّ هذا كان الواقع إذ كان هناك أشخاص تعجب من شدة حرصهم على الوقت لدرجة أنّهم كانوا يحسبون الأوقات الضائعة بدقة شديدة، كلّ ذلك لأنّهم فهموا حقيقة الوقت وأنّهم سيحاسبون عليها محاسبة دقيقة يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ...الحديث" (رواه الترمذي).

حين سأل الصحابي الرسول صلى الله عليه وسلم عن موعد يوم القيامة، أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال منطقي جدا: "وماذا أعددت لها؟"، فالتركيز ينبغي أن يكون على العمل والإعداد ليوم القيامة بدل معرفة موعد الساعة التي تخفى على الناس جميعا. وهذا الإعداد يأتي من الاستثمار الأمثل للوقت فيما ينفع الشخص في آخرته وهذا ما حرص عليه الصالحون في القديم والحديث.

قد يكون الوصول إلى ما وصل إليه الصالحون من الحرص الشديد على أوقاتهم فيه نوع من الصعوبة لكثير منّا، ولكنّنا نستطيع على الأقل أن نحرص على ألا تضيع أوقاتنا فيما لا ينفع بالإضافة إلى أداء الأعمال الصالحة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. أيضا، قراءة قصص الصالحين في حرصهم على أوقاتهم قد يزيد من حرص الشخص على أوقاته ولحظات عمره.

يجب أن نعلم أنّ الموت يأتي بغتة ولن يستأذن أحدا، والسعيد من جاءه الموت وهو مستثمر لوقته في الخير، أمّا من ضيّع وقته في الدنيا فيما لا ينفع وأكثر من المحرّمات، فيُخشى عليه من الندم يوم لا ينفع الندم. قال تعالى: "حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" (المؤمنون 99-100). والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (ثَقُلَت وخفّت)، يرجى الضغط هنا.