بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:
فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو
أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد
يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على
كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت
عليّ.
قبل أيّام، ودّعنا عاما هجريا واستقبلنا عاما آخر جديدا
نسأل الله تعالى أن يكون عاما مباركا ومليئا بالإنجازات والخير للجميع. ربّما لا
نركّز كثيرا على العام الهجري بحكم أنّ أكثر مواعيدنا مرتبطة بالعام الميلادي
ولكنّ المهم هنا أن ندرك أنّ نهاية عام سواء كان هجريا أو ميلاديا تعني نهاية فصل
من أعمارنا واقترابنا أكثر وأكثر من أجلنا المحتوم وهو الموت.
وأعتقد أنّ من رحمة الله تعالى بنا أن يذكّرنا بمثل هذه
المناسبات بمسألة المحاسبة أي محاسبة أنفسنا على ما فعلناه خلال العام. وهنا تكمن
أهمية وجود الخطة الشخصية والتي تبيّن إن كان الشخص قد حقّق أهدافه أم لا وأيضا
تبيّن إنجازاته والأمور التي قصّر فيها. ليس الهدف وجود خطة بعينها وإنّما محاسبة
الشخص لنفسه بشكل مستمر ولذلك فإنّ وجود الخطة تسهّل على الشخص هذا الأمر بشكل
كبير.
المحاسبة الشخصية ضرورة لأنّها تجعل الشخص يستدرك الأمور
بشكل سريع خاصة إن كان مقصّرا في الواجبات وحتى النوافل والمستحبات. قال الفاروق
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب
نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته،
وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة).
وله رضي الله عنه قول آخر مشهور في المحاسبة حين قال: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية). ومن الأقوال الجميلة كذلك قول التابعي الجليل ميمون بن مهران رحمه الله تعالى: (لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه).
دخول عام جديد يعني فرصة جديدة، وأقصد بالفرصة هنا الاستزادة
من الحسنات من خلال طاعة الله تعالى والتوبة والاستغفار من المعاصي والسيئات. ولا
ندري كم ستسمر هذه الفرصة معنا، فقد تستمر لسنوات أو شهور أو أيام أو لحظات،
فالإنسان لا يدري متى سيكون أجله ولذلك ينبغي له الاستعداد الدائم لهذه اللحظة.
قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (الحشر 18). قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة). والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.
لقراءة المقالة السابقة (اللهم اجعلنا من الأبرار)، يرجى الضغط هنا.