الاثنين، 29 مارس 2021

مشاهدات (66) - (اصنع بصمتك (الشيخ حمدان بن راشد رحمه الله نموذجا))

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

الحقيقة التي لا جدال فيها هي أننا راحلون عن هذه الدنيا عاجلا أم آجلا، وفي اللحظة التي تخرج فيها أرواحنا من أجسادنا يتوقّف عدّاد الحسنات والسيئات لتظهر النتيجة بعد ذلك في يوم الحساب، ولكن هناك من الناس من لا يتوقف عدّاد الحسنات والسيئات لديه حتّى بعد رحيله بعد هذه الدنيا، ولا شكّ بأن الذكاء كلّ الذكاء أن نجعل من عدّاد الحسنات مستمرا وعدّاد السيئات متوفقا حتى نفوز في يوم القيامة بإذن الله تعالى.

قبل أيام، رحل عنّا سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي ووزير المالية، وأحسب أنّ هذا الرجل من الناس الذين ستستمرّ عدّاد حسناتهم بعد موتهم لما ترك من بصمة خير في هذه الدنيا، ويكفي في ذلك ما حصل عليه من دعوات صالحة كثيرة في يوم رحيله من بلدان متعددة في العالم وهذا يدلّ على حجم الخير الكبير والكثير الذي تركه.

استطاع الشيخ حمدان رحمه الله تعالى أن يصنع بصمة خير له من خلال المشاريع المتعددة التي نفّذها في بلدان متعددة والدعم اللامحدود للمشاريع المفيدة كتأسيسه لجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية والأداء التعليمي المتميز ورعايته لكثير من الأحداث كحفلات الزواج الجماعي. هذا غير القصص الكثيرة التي رواها أشخاص مختلفون في أخلاقه الراقية وتعاملاته الرائعة مع الناس.

وبحكم أن الشيخ حمدان رحمه الله كان رئيسا للمؤسسة التي أعمل بها – هيئة كهرباء ومياه دبي – فقد كان واضحا الدعم الكبير الذي كان يقدّمه سمّوه للهيئة من خلال تواجده في المناسبات المختلفة ورعايته للمشاريع والمبادرات ودعمه للموظّفين.

أن يصنع الشخص بصمة خير في هذه الدنيا ميزة عظيمة لأن ذلك سوف يدعمه بلا شك في يوم القيامة، هذا اليوم الذي يحتاج فيه الشخص فقط للحسنات ولا شيء غير ذلك، فلا المال ولا الجاه ولا شيء ينفع غير الحسنات، وبالتالي فترك بصمة خير في الدنيا يدرّ على الشخص حسنات كثيرة ربّما تستمر لأزمان طويلة جدا. نحتاج نحن كذلك أن نخطّط ونفكّر لكيفية صناعة بصمة خير لنا في هذه الدنيا حتى يستمر عدّاد الحسنات بعد رحيلنا.

أسأل الله تعالى أن يرحم الشيخ حمدان بن راشد رحمة واسعة وأن يسكنه فسيح جنّاته ويرفع درجته ويلهم أهله وذويها الصبر، إنه سبحانه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.

لقراءة المقالة السابقة (الغيبة: آكلة الحسنات)، يٌرجى الضغط هنا.

الأربعاء، 17 مارس 2021

مشاهدات (65) - الغيبة: آكلة الحسنات

 

بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

فكّرت كثيرا قبل أن أكتب في هذا الموضوع لكثرة ما نقع في الأمر الخطير – الغيبة - خاصة في بيئة العمل حيث المجال مفتوح بشكل كبير لذكر الآخرين بسوء. وينطبق ذلك على مجالس الأهل والأصدقاء وفي السوق وفي السيارة وفي كل مكان.

دائما أتساءل: لماذا نغتاب الآخرين؟ بالتأكيد هناك أسباب متعددة ولكنّني أعتقد بأن المسألة بالدرجة الأولى قلبية بمعنى أنّنا في غالب الأمر نحمل شيئا في قلوبنا اتجاه الشخص الذي نذكره بالسوء أمام الآخرين. ربّما كان حقداً أو حسداً أو كراهيّةً أو وسيلةً للانتقام أو للتقليل من شأنه وقدره.

والعجيب أننا نقنع أنفسنا أنّ ما نقوم به ليس بغيبة وإنّما من مصلحة العمل، ولا أدري كيف أنّ ذِكْرَ شخص آخر بسوء والسخرية منه والضحك عليه ليس بغيبة، بل إننا نقنع أنفسنا بأننا لا نغتاب متمثّلين بقول الشاعر الذي ذكر فيها الحالات التي تجوز فيها ذكر شخص آخر بسوء:

الذمّ ليس بغيبة في ستةٍ               مُتَظلّمٍ ومُعرِّفٍ ومُحذّر

ولمظهرٍ فسقاً ومستفتٍ ومَنْ طلب الإعانة في إزالة منكر

ربّما في بعض الحالات يتطلّب الأمر ذكر شخص آخر بأمر سيء لضرورة العمل أو للمصلحة العامة ولكن أن يكون ذلك ديدننا في كل وقت وحين، فأعتقد أننا نحتاج إلى مراجعة أنفسنا وقلوبنا بالدرجة الأولى.

عاجلاً أم آجلاً سندخل القبر ثم سنُبْعَث يوم القيامة، وكم سيكون حسرتنا عندما نرى أن حسناتنا والذي هو أغلى ما نملك في ذلك اليوم قد أُكُلِتْ أكلاً بسبب ذكرنا للآخرين بسوء وكلّنا نعرف أن الندم لا ينفع أبداً في ذلك اليوم الذي يحتاج فيه الشخص لكل حسنة فكيف إذا ذهبت منه حسنات كثيرة.

كلمة أخيرة:

جاء في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: حَسبُكَ من صفيَّة كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجَتْ بماء البحر لَمَزَجَتْهُ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (معنى مَزَجَتْهُ: خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه، لشدة نَتَنِها، وقُبْحِها، وهذا من أبلَغ الزواجر عن الغِيبة). والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (التغذية الراجعة)، يرجى الضغط هنا.