السبت، 27 أغسطس 2022

مشاهدات (96) - الإحباط - الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

الإحباط مرض خطير وهو من أكبر أعداء الإيجابية، وهو يحدث للشخص في فترات مختلفة في حياته، وقد ذكرت في المقالة السابقة بأنّ هناك أمران يميّزان الأشخاص الإيجابيين عن السلبيين في مسألة الإحباط هما: الخروج من هذا الإحباط بأكبر سرعة ممكنة وعدم تأثير هذا الإحباط على سلوكه، وبالتالي يجب علينا أن نعرف الوسائل التي تساعدنا على الوصول لهذين الأمرين.

شخصياً، لم أجد علاجاً أنفع ولا أفضل ولا أجمل من اللجوء إلى الله تعالى، وقد يكون ذلك بوسائل متعددة كأداء الصلاة وهذا هدي نبوي عظيم كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنّه إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى (رواه أبوداود). والصلاة هنا ليست مجرّد أداء الحركات فهذا قد لا ينفع الشخص ولا يزيل إحباطه وإنّما المطلوب هو الخشوع التام واستشعار المعاني التي فيها، فيكفي مثلا أن يستشعر الشخص حين قراءة الفاتحة في كل ركعة قوله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، فيتذكّر النعم الكثيرة التي أعطاها الله تعالى للشخص فهذا ممّا يعطي الشخص طاقة إيجابية.

والدعاء كذلك من أقوى الوسائل التي تزيل الإحباط، وأثره يتحقق كذلك بالتذلّل لله تعالى وطلب المعونة منه سبحانه، وقد رأيت بأنّ أثر الدعاء يكون أقوى حين يكون في الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء مثل الثلث الأخير من الليل والساعة الأخيرة من يوم الجمعة وبين الأذان والإقامة وغيرها.

ولا أريد أن أنسى كذلك ما لقراءة القرآن الكريم من أثر عظيم في الخروج من الإحباط، فهناك آيات كثيرة تساعد الشخص على الخروج من إحباطه. وقد لاحظت بأنّه كلّما كان الشخص أكثر إخلاصاً عند قراءة القرآن، فإنّ الله تعالى يعينه بأنْ يرسل إليه برسائل قرآنية تساعده على الخروج من الإحباط والقصص في ذلك كثيرة.

الناحية الإيمانية في الخروج من الإحباط هامّة وهي للأسف مفقودة عند كثير من الناس في وقتنا الحالي مع أنّها علاج فعّال وقوي لأنّ الشخص يلجأ ويستعين بالله تعالى. ولا أريد أن يُفهَم من كلامي أنّني أستبعد الوسائل الأخرى التي ينصح بها الخبراء للخروج من الإحباط كأداء الرياضة أو التحدّث إلى صديق أو القراءة أو القيام برحلة أو غيرها، فهذه الوسائل تنفع ولا شك وأنصح بها كذلك ولكنّني أريد للشخص أن يبدأ بتطبيق الوسيلة الأقوى أولا فهو بذلك يحصل على الأجر من الله تعالى ويحصل على العلاج بإذن الله تعالى.

والنقطة الهامّة في مسألة الخروج من الإحباط هو عدم اليأس، فإذا لم ينجح الشخص في الخروج من إحباطه بعد تطبيقه لوسيلة ما، فلا ييأس وليَسْعَ مرة أخرى لتطبيق غيرها وغيرها من الوسائل حتى يخرج من إحباطه، وليعلم كذلك بأنّ هذا الإحباط عبارة عن ابتلاء واختبار من الله تعالى ولذلك فليحرص على النجاح فيه بأن يخرج منه ويعود إلى إيجابيته. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الإحباط - الجزء الأول)، يُرجى الضغط هنا

الأربعاء، 17 أغسطس 2022

مشاهدات (95) - الإحباط - الجزء الأول

 بسم الله الرحمن الرحيم  


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

هناك تحديات كثيرة تمرّ على الشخص في حياته ومن الطبيعي أن يُصاب الشخص بالإحباط أو ببعض المشاعر السلبية في أوقات مختلفة في حياته. وشخصياً، لست مع مَن يطلبون مِن الناس ألا يُحبَطوا من أي موقف وأن يكونوا إيجابيين دائما فهذا عكس قوانين الحياة وهذا من الطرح المثالي الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية في بعض الأحيان.

فكّر في الموقف التالي: بَذلْتَ جهدا كبيرا في أمر ما وعندما حان الوقت المنتظر لعرض النتيجة، قام أحدهم بنقد الأمر الذي فعله نقدا سلبيا ولم يقدّر أبدا الجهد الكبير الذي بذلته. خذ كذلك موقفا آخر وهو أنه قد حققت إنجازا معيّنا تفتخر به كثيرا وعندما عرضته على شخص ما، لم يعرك انتباهاً بل وربّما قلّل من شأن هذا الإنجاز.

الطبيعي هنا أن يحدث إحباط للشخص وتختلف درجة الإحباط على حسب منزلة الشخص المنتقِد أو درجة قرابته من الشخص أو طريقة إلقاء النقد أو الملاحظة. وما يجب أن ندركه أنّنا لا نعيش في عالم مثالي يقدّر جميع الناس بعضهم البعض، فهناك أشخاص متخصّصين في النقد السلبي الهدّام الذي لا يُرجى منه أي فائدة سوى تحطيم الشخص أو التقليل من شأنه.

وهناك أشخاص لا يقدرّون الإنجازات مهما كانت حجمها وقد يكون ذلك لأسباب مختلفة، وهناك أشخاص لا يعبّرون بالطريقة الصحيحة أو يلقون كلمات سواء بقصد أو بغير قصد من شأنها أن تُحبط الشخص الأول.

ولا أريد أن يُفهَم من كلامي أنني لست مع النقد أو إبداء الملاحظات فهذه الأمور من شأنها أن تطوّر الشخص وتلفت نظره إلى زوايا مختلفة، ولكن طريقة إبداء النقد أو إعطاء الملاحظة هامّة بقدر أهمية النقد أو الملاحظة نفسها فقد تكون الملاحظة غاية في الأهمية ولكنّ الطريقة غير مناسبة تماما فيسبّب إحباطا للطرف الآخر بدلا من استفادته.

وأودّ التأكيد كذلك أنّني لست مع الإحباط وأعتبره عدوّا أساسيا من أعداء الإيجابية ويجب على الشخص أن يحرص على التغلبّ عليه قدر الإمكان لأنّ آثاره مدمّرة ولكنّني في نفس الوقت لست مع من يقول أنّ الشخص لا ينبغي له أن يُحبَط أبدا، فالمهم هنا كيفية التعامل مع الإحباط والخروج منه بأسرع وقت وبأقل الأضرار.

إنّ ما يميّز الإيجابيين عن السلبيين هو تعاملهم مع الإحباط فهم لا ينكرونه في الأساس ولكنهم يحرصون على أمرين أساسين. الأمر الأول هو الحرص على عدم طول مدّة هذا الإحباط والأمر الثاني هو عدم انعكاس هذا الإحباط على السلوك، وإن حدث وتصرّف الشخص بشكل سلبي، فهو يعود بسرعة إلى رشده وإيجابيته.

الخلاصة هي أنّنا لا نريد أن نتسبّب في إحباط الآخرين وأنْ نحرص إن وقعنا في الإحباط أن نخرج منه بأسرع وقت وأن نقلّل من آثاره. وسنكمل في الحلقة القادمة مزيدا من المعاني عن الإحباط بإذن الله تعالى، والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الشغف)، يُرجى الضغط هنا.

الاثنين، 1 أغسطس 2022

مشاهدات (94) - الشغف

 بسم الله الرحمن الرحيم  



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

القراءة في سير العظماء والمؤثّرين في التاريخ ممتعة، فهي تعرّف القارئ بالصفات التي تمتّع بها هؤلاء حتى وصلوا إلى هذا التميّز، وأريد أن أقف في هذه الحلقة مع صفة هامّة تميّز بها هؤلاء، وهذه الصفة لا تقف على عمر معيّن إذ يمكن أن تكون لدى الصغار أو الكبار. هذه الصفة هي الشغف.

الشغف يعني الرغبة القوية اتّجاه أمر ما بحيث يسيطر على تفكير الشخص ووقته. والشغف قد يكون برؤية أو مشروع أو هدف أو منتج، وهو بمثابة طاقة داخلية تدفع الشخص لتحقيق الإنجازات والوصول إلى ما يطمح أو ما يهدف إليه.

ولذلك نستطيع أن نفهم لماذا بذل الإمام البخاري جهودا وأوقاتا طويلة حتى أخرج صحيح البخاري أو لماذا لم ييأس توماس أديسون من عدد التجارب والمحاولات الفاشلة التي أجراها حتى نجح في اكتشافاته واختراعاته، وهناك الآلاف من النماذج الأخرى في التاريخ القديم والحديث من أشخاص بذلوا جهودا ضخمة وأوقاتا طويلة دون كلل أو ملل.

وقد يعجب البعض حين يسمع مثل هذه القصص ولكن العجب يزول حين نعرف أنّ هؤلاء الأشخاص اتّصفوا بالشغف اتجاه ما فعلوه فلم يشعروا بالوقت أو الجهد المبذول بل أعتقد أنّهم كانوا يتحسّرون على سرعة فوات الوقت أثناء عملهم وبحثهم وتجاربهم. الشغف بالشيء من أهمّ الطرق لتحقيق الإنجازات.

والقائد الفعّال كذلك ينبغي أن يتّصف بالشغف اتجاه رؤيته وأهدافه لأنّ هذا الشغف هو الذي سيدفعه للتخطيط والمبادرات والابتكارات وتشجيع الآخرين، وسينتقل هذا الشغف بشكل تلقائي إلى الآخرين فيصبح الجميع منتجين وإيجابيين. ولعلّ في دولة الإمارات العربية المتحدة خير مثال لهذا الشغف من القادة والشعب.

بقي أن أذكر بأنّ الشغف ينبغي أن يكون اتّجاه أمر إيجابي لأنّ هناك أشخاص شغوفين بأمور سلبية فيقضون أوقاتا طويلة ويبذلون جهودا كثيرة ولكن في الاتّجاه الخطأ. الشغف ينبغي أن يكون إيجابيا حتى ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.

كلمة أخيرة:

من أفضل أنواع الشغف، الشغف بالأعمال الصالحة سواء الشعائر التعبدية كالصلاة والقرآن أو ما ينفع الآخرين كالأعمال التطوعية ومساعدة المحتاجين والضعفاء. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله ربّ العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (فن الصمت)، يُرجى الضغط هنا.