الأحد، 17 يوليو 2022

مشاهدات (93) - فنّ الصمت

 بسم الله الرحمن الرحيم  


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

جاء عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه قوله: (تعلّموا الصمت كما تعلّمون الكلام، فإنَّ الصمت حِلم عظيم، وكُنْ إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم في شيء لا يعنيك). الصمت فن عظيم لا يتقنه كثير من الناس، وأقصد هنا بالفنّ معرفة الوقت والموقف المناسبين للصمت وعدم الكلام، فهذا يتطلّب حكمة وخبرة ومعرفة لأنّ الصمت قد يكون فضيلة في وقت أو موقف وغير مرغوب به في وقت أو موقف آخر.

والأصل أن يكون للشخص خيارين أثناء حديثه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ" (رواه البخاري)، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (فمعناه: أنّه إذا أراد أن يتكلم، فإن كان ما يتكلم به خيرًا محقّقًا يُثاب عليه واجبًا أو مندوبًا فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام).

فإمّا أن يقول الشخص خيراً وهذا الخير واسع بفضل الله تعالى، فإن لم يجد فعليه بالصمت بدل أن يقول كلاماً لا يعود بالنفع عليه بل قد يكون مصدرا للسيّئات والعياذ بالله تعالى. ولذلك، حينما نقرأ سيرة الصالحين نجدهم حريصين أشد الحرص على لسانهم فلا يقولون إلا ما يرضي الله تعالى وإلا فكان الصمت هو ديدنهم تطبيقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.

وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: (بكثرة الصمت تكون الهيبة)، فالصمت له فوائد متعددة لعلّ أهمها في وجهة نظري أمرين هما الاستماع إلى الآراء والأفكار ووجهات النظر الأخرى حيث إنّ الصمت له ارتباط وثيق بالاستمتاع الفعّال، وهذا الأمر له فوائد كبيرة على الشخص إذ تزيد من معرفته وحكمته وخبرته ويوسّع إدراكه واطّلاعه على أفكار وآراء جديدة.

وثاني الفوائد هو كسر شهوة الكلام إذ أنّ بعض الناس يحبّ أن يدلي بدلوه في كل صغيرة وكبيرة ويريد أن يتحدّث في كل موضوع، فيأتي الصمت ليكسر هذا الأمر ويجعل الشخص يقف ويفكّر قبل أن يتكلّم، وقد قال أحد العلماء: (إن كنتُ كلّما دعتني نفسي إلى الكلام تكلّمت فبئس الناظر أنا). فالصمت قوة في بعض الأحيان وأفضل بكثير من الكلام.

كلمة أخيرة:

قال صلى الله عليه وسلم: "من صمت نجا" (رواه الترمذي). فاكتساب فنّ الصمت يحتاج إلى جهد وحكمة ومعرفة وسماع للعلماء وقبل ذلك وبعده توفيق ومعونة من الله تعالى. والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة: (التعامل مع الآخرين)، يُرجى الضغط هنا.

الأربعاء، 6 يوليو 2022

مشاهدات (92) - التعامل مع الآخرين

 بسم الله الرحمن الرحيم 


 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

في كتابه (قراءة العقول)، يقول نيكولاس إيبي: (عقول الآخرين ليست كتبا مفتوحة أمامنا، ولكن ذلك لا يثنينا من محاولة قراءتها على أية حال. الأدوات المتاحة تحت تصرفنا البديهي، عقلنا نفسه والصور النمطية الموجودة لدينا عن عقول الآخرين). شخصياً، اعتبر التعامل مع الآخرين تحديّا من التحديات الموجودة في الحياة وذلك باختصار لأننا نتعامل مع بشر.

هؤلاء البشر يختلفون اختلافا شديدا فيما بينهم ولذلك يتطلّب التعامل مع كل واحد منهم متطلّبات وقواعد معيّنة. لنأخذ مثالا واحدا وهو مسألة الأعمار وكيفية التعامل معها حيث يتطلّب منّا تعاملا مختلفا مع الفئات العمرية المختلفة كالأطفال والشباب والكهول والشيوخ. ليس هذا فحسب، وإنما في كل مرحلة هناك تعامل مختلف حيث يختلف التعامل مثلا مع طفل ذو سنة واحدة عن الطفل ذو الثلاث أو الخمس سنوات، وكذلك الحال بالنسبة للشباب حيث يختلف التعامل مع شخص في أول الشباب عنه في سنّ الثلاثين أو الأربعين.

هذا بالنسبة للأعمار فقط، وهناك مسألة الأقارب والأصدقاء والجنسيات المختلفة والجنس الآخر والمكانة الاجتماعية والنفسيات وغيرها من المعايير التي يتطلب منّا معرفة التعامل الصحيح مع كل منها. لماذا أطرح هذا الأمر؟ لكي نكون إيجابيين في تعاملنا قدر الإمكان مع الكل فنكسب الاحترام والتقدير ولا نكون مصدر سلبية وتعاسة مع من نتعامل معهم.

وهنا يأتي دور العلم والمعرفة في كيفية التعامل مع الآخرين حيث أنّه كلما قرأنا وتعلّمنا ثم طبّقنا هذا العلم، كان ذلك أدعى لتعاملنا الإيجابي مع الكل. الاعتماد على الخبرة فقط لا يفيد كثيرا لأنّنا قد نتعلّم أمورا خطأ ونستمر في تطبيقها فينعكس ذلك سلباً علينا.

القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة مصدران لا غنى عنهما في تعلّم القواعد الصحيحة في التعامل مع البشر ثم يأتي بعد ذلك دور الكتب والدورات في متابعة التعلّم واكتساب المعرفة اللازمة في التعامل مع الفئات المختلفة.

كلمة أخيرة:

من القواعد الأساسية التي وضعها القرآن الكريم في التعامل مع الناس قوله تعالى: "وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً" (البقرة 83)، وقوله تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (فصلت 34). والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (رسائل من افتتاح مكتبة محمد بن راشد)، يُرجى الضغط هنا.