الاثنين، 30 أكتوبر 2023

مشاهدات (121) - ماذا سيحدث للعالم بعد موتك؟

بسم الله الرحمن الرحيم 

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

قد يستغرب البعض من هذا العنوان (ماذا سيحدث للعالم بعد موتك؟)، فالحقيقة تقول بأنّه لن يحدث شيء خاص بعد رحيلنا عن هذا العالم، فالحياة ستستمر بشكل طبيعي وسيرجع الجميع إلى أعمالهم كما كانوا. صحيح أنّ البعض سيحزن عندما نرحل كالوالدين والأزواج والأبناء وبعض الأصدقاء، ولكن سيكون ذلك لمدة معيّنة ثم تعود عجلة الحياة مرة أخرى كما كانت.

إذاً لماذا هذا السؤال؟ لأنّه يوجد من بيننا للأسف الشديد من يعتقد بأنّ الحياة ستتوقف بعد رحيله وسيتعطّل العمل وستضيع العائلة وغير ذلك من التصورات. هؤلاء الأشخاص يعتقدون أنّ الحياة كلّها تدور حول أشخاصهم وأنّ كل الأنظار متوجّهة إليهم أينما ذهبوا وأنهم ينبغي أن يكونوا محل اهتمام الجميع، وإذا رحلوا مثلا عن العمل بسبب التقاعد أو الاستقالة، فإنّ نظام العمل سينهار ولن تحقق المؤسسة أهدافها لأنهم يعتقدون أنّهم السبب الوحيد في نجاح المؤسسة!!!

هذا التفكير ليس صحيحا بسبب الحقيقة التي ذكرناها أنّ الحياة لا تتوقف لرحيل أو موت أحد ولذلك ينبغي لنا أن نبتعد عن هذا التفكير لأنّ له نتائج سلبية مثل الغرور وعدم احترام الآخرين. بدلا من ذلك ينبغي لنا التواضع وأنّنا جزء من نجاح المؤسسة التي نعمل فيها أو العائلة التي ننتمي إليها. وقبل ذلك وبعده، ينبغي لنا أن نحمد الله تعالى على نعمة العمل والعائلة والأصدقاء.

الأمر الثاني الذي ينبغي لنا الاهتمام به هو عمل الصالحات والخيرات حتى نكون مستعدين لليوم الآخر، فالحساب يوم القيام فردي كما قال تعالى: "وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً" (مريم 95)، فبدلا من تفكيرنا السلبي بالذي سيحدث بعد رحيلنا، ينبغي أن نفكّر بما سيحدث لنا بعد رحيلنا، فهذا هو السؤال الجوهري لأنّه سيترتّب عليه مصير الشخص إمّا إلى جنّة وإمّا إلى نار والعياذ بالله تعالى.

الأمر الثالث الذي ينبغي الاهتمام به هو ترك أثر حسن عند الناس من خلال المعاملة الحسنة والكلمة الطيّبة ومساعدة الآخرين ونصيحتهم وتشجيعهم. كلّ ذلك سيجعل الناس تذكر هذا الشخص بالخير والدعاء بعد رحيله سواء عن العمل أو الحياة، ولا شكّ بأنّنا نحتاج مثل هذه الدعوات الصالحة بعد رحيلنا لأنها ستزيد من حسناتنا بإذن الله تعالى.

الخلاصة هي أنّنا ينبغي أن نغيّر تفكيرنا من التساؤل ب (ماذا سيحدث للعالم بعد رحيلنا؟) إلى (كيف أكون مستعدّا بعدما أرحل عن هذه الحياة؟)، فعندما يحدث هذا التغيير في التفكير، ستتغيّر حياتنا وسنحرص على طاعة الله تعالى واجتناب معصيته. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (نظرتنا إلى الفشل)، يُرجى الضغط هنا.

الخميس، 19 أكتوبر 2023

مشاهدات (120) - نظرتنا إلى الفشل

بسم الله الرحمن الرحيم 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

حضرت في الأسبوع الماضي دورة الكترونية على منصة اللينكد إن التعليمية عن الفشل وكيفية الاستفادة منه وتحويله إلى فرصة للتعلّم والتطوير. وكنت قد قرأت سابقا كتابا للمؤلف الأمريكي جون ماكسويل بعنوان (الفشل البنّاء) يتحدث فيه كذلك عن كيفية تحويل الفشل إلى نجاح ويذكر فيه الكثير من المواقف والقصص لأشخاص استطاعوا تحويلهم فشلهم إلى نجاحات.

الفشل جزء من الحياة وخاصة للعظماء والمؤثّرين، وأذكر كذلك أنني قرأت كتابا للمؤلف كفاح فيّاض بعنوان (حكايات كفاح) يتحدث فيه عن مؤسسي الشركات العالمية وكيف أنّ بعضهم قد فشلوا فشلا ذريعا خلال حياتهم ومع ذلك لم ييأسوا وواصلوا كفاحهم إلى أن وصلوا إلى ما وصلوا إليه من نجاح باهر، ليس فقط على مستوى بلدانهم وإنما على مستوى العالم أجمع.

نظرة الكثيرين إلى الفشل سلبية للأسف الشديد ويرجع ذلك ربّما إلى التربية في الصغر أو التعليم في المدارس أو تعامل القادة والمدراء في بيئة العمل أو غيرها من الأسباب. الفشل عند الكثيرين يعني النهاية واليأس والهمّ وتوقّع اللوم من الآخرين عكس ما ينصح به الخبراء والحكماء من أنّ الفشل ينبغي أن يكون محطة للتعلّم والانطلاق من جديد.

وأحبّ أن أؤكّد هنا بأنّ للقادة دور هام في نظرة الناس للفشل، فعندما يقوم القائد باللوم والتوبيخ والتهديد والعقاب للأشخاص الذين فشلوا في أمر ما، عندئذ يصبح الناس في رعب عند الفشل ويتجنّبون إعطاء المعلومات اللازمة أو المساعدة وبالتالي لا يصبح هذا الفشل مصدرا للتعلّم سواء للشخص أو للآخرين. ونفس الأمر ينطبق على الوالديْن في المنزل والمعلّمين في المدرسة في تعاملهم مع الفشل الصادر من الأبناء والطلاب.

عندما يكون هناك أمان وثقة بين الوالدين والأبناء والمعلمين والطلاب والقادة والموظفين بأنّه لا مانع من الفشل بشرط بذل الجهد واتخاذ الأسباب، سيصبح الفشل حينئذ مصدرا لتعلّم وتطوير الجميع. هذه البيئة الآمنة تحتاج إلى عقول منفتحة وإيجابية، وقد سمعت عن بعض المؤسسات التي تعطي جوائز عن المحاولات والمشاريع الفاشلة لأن أصحابها بذلوا وتعبوا وحاولوا، فالمكافأة على الجهد وليس على النتيجة.

لست أدعو أبدا إلى تعمّد الفشل وعدم بذل الجهود والأسباب للنجاح، ولكن أدعو لتغيير نظرتنا إلى الفشل بحيث لا نقصي الأشخاص الذين فشلوا ونجعل عليهم علامة (الفاشلين) بل نفتح صدورنا وقلوبنا وعقولنا حتى نتعلّم ونتطور، فالتميّز يعني التعلّم المستمر والفشل جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الأعمار الخمسة للإنسان)، يُرجى الضغط هنا.