الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

مشاهدات (98) - التسويف

بسم الله الرحمن الرحيم 



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

التسويف من الآفات المنتشرة بكثرة بين الناس وهي من العقبات الكبيرة في طريق النجاح والتميز. والتسويف يعني تأجيل الأمور والمماطلة في تنفيذها، ويكون سلبيا في غالب الأحيان أي أنّ التأجيل أو المماطلة تحدث لأعذار واهية أو بغير أعذار.

الشخص المسوّف في أغلب الأحيان لا يريد فعل أمر ما، ولكنّه يضع لنفسه أعذارا واهية أو وقتا مستقبليا لفعل هذا الأمر، وكم سمعنا لأشخاص حضروا دورات عن التخطيط الشخصي وقرروا أثناء الدورة تطبيق ما سمعوه ولكن بعد الدورة، قالوا أنّهم سيطبّقون في الأسبوع القادم ثم تأجّل التطبيق إلى الشهر القادم ثم السنة المقبلة وضاع بعد ذلك. كل ذلك بسبب التسويف.

وتزداد خطورة التسويف عندما يتعلّق الأمر بالفرائض أو الواجبات كمن يسوّف أداء الصلوات الخمس أو أداء الزكاة أو أمرا يتعلق بوالديه أو أهله أو أبنائه أو مهمّة ضرورية في عمله. فالتسويف في هذه الأمور يفوّت على الشخص خيرا كثيرا بل وقد يُكسبه السيّئات والعياذ بالله تعالى.

أمّا التسويف في غير الفرائض والواجبات، فهو آفة كبيرة يضيّع على الشخص كذلك خيرا كثيرا سواء في دنياه أو آخرته. ولذلك نجد نسبة المتميزين في العالم قليلا لأنّ التسويف يمنع الكثيرين من أداء الأمور التي تؤدّي إلى التميز.

لماذا يقع الناس في التسويف؟ أعتقد بأنّ هناك أسبابا متعددة مثل عدم إدراك أهمية الأمر أو عدم وجود الإرادة اللازمة لفعل الأمر أو وجود ملهيات أمام الشخص أو عدم ترتيب الأولويات وغير ذلك. وكل سبب من هذه الأسباب عقبة كبيرة أمام التميز.

وتأمل فيما قاله الله تعالى عن المسوّفين حين قال سبحانه: "يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي" (الفجر 24). قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (يعني: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصيا، ويودّ لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعا)، ولو لم يسوّف الشخص، لربح الكثير.

نحتاج أن نتّبع المنهج القرآني والنبوي في التغلب على التسويف حيث يحثّ الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم على المسارعة والمسابقة والمبادرة لفعل الخيرات وكل ما يجلب النفع للشخص والآخرين. وليعلم الشخص أنّ هناك عوائق كثيرة قد تحدث للشخص في أي وقت قد تمنعه من فعل الأمور كالموت أو المرض أو ظرف أسري طارئ، ولذلك لن ينفع الشخص التسويف.

قد يقع الشخص في التسويف أحيانا وهذا أمر طبيعي، ولكن أن يستمر الأمر مع الشخص ويصبح ديدنه ذلك، فذلك هو الخطر الكبير الذي يجب أن ينتبه له الشخص حتّى لا يندم في دنياه وآخرته. وليطلب الشخص التوفيق من الله تعالى دائما فهو وحده الموفّق إلى الخيرات. والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (معلّم الناس الخير)، يُرجى الضغط هنا.

الأحد، 18 سبتمبر 2022

مشاهدات (97) - معلّم الناس الخير

بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

استوقفني حديث جميل قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ" (رواه الترمذي). فهذا الحديث الجميل يبيّن الفضل الكبير والأجر العظيم الذي يحصل عليه الذي يعلّم الناس الخير.

والجميل في الحديث هو استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم لكلمة (الخير) وهذا ما يجعل الأمر واسعا حيث أنّ كلمة خير تشمل كل أمر يحبّه الله تعالى وينفع الناس في شؤون دينهم وحياتهم، فالخير يدخل فيه تعليم الصلاة والقرآن والأخلاق والتعامل الحسن مع الجميع والتميّز الدراسي والوظيفي ونفع الآخرين وغيرها الكثير.

وبالتالي يمكن للوالدين أن يعلّموا الخير لأبنائهم في مجالات كثيرة فيكون بذلك أجراً لهم كلّما قام الأبناء بتطبيق هذا الخير حتى بعد ممات الوالدين كما جاء في الحديث الشريف: "مَن دَلَّ علَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ" (رواه مسلم).

وفي بيئة العمل، فالأمر واسع كذلك لنشر الخير بين الموظّفين، فالقادة والمدراء الذين يحرصون على نشر معاني السعادة والتخطيط السليم والتميز والمبادرات المفيدة ونشر المعرفة وغيرها، كلّ ذلك من أمور الخير لأنّها تفيد الموظفين في حياتهم وقد ينعكس ذلك حتى على المجتمع والدولة فيكون الفضل أكبر.

والجميل كذلك بأنّ تعليم الخير أيّا كان يمكن أن يستمر مع الشخص طوال عمره، فمادام الشخص يملك خيرا لينشره، فيمكنه ذلك في أي وقت. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح نشر الخير أسهل وعلى نطاق أوسع.

وقد جاء كذلك في الحديث الشريف: "إنَّ منَ النَّاسِ مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشَّرِّ، وإنَّ منَ النَّاسِ مفاتيحَ للشَّرِّ مغاليقَ للخيرِ، فَطوبى لمن جعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الخيرِ على يدَيهِ، وويلٌ لمن جَعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الشَّرِّ على يديهِ" (رواه ابن ماجه). فمفتاح الخير يمكن أن يكون أي شخص مادام يعلّم الناس الخير ويدلّهم عليه.

كلمة أخيرة:

مع توسّع مفهوم الخير، إلا أنّه يجب الانتباه كذلك إلى عدم نشر أمور غير صحيحة سواء كانت في أمور الدين أو الحياة بحجّة أنّها من الخير، فهذا مما لا ينبغي وقد يعود على صاحبه بالضرر. والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الإحباط - الجزء الثاني)، يُرجى الضغط هنا.