السبت، 29 مايو 2021

مشاهدات (68) - المثالية

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

عندما أتكلم شخصيا عن الابتكار سواء في دورة أو مع شخص آخر، فإنني أذكر دائما بأن واحدة من أهم معوقات الابتكار هي السعي إلى المثالية بمعنى أن ينتظر الشخص حتى تكتمل فكرته – في وجهة نظره – ثم يقوم بتقديمها، وفي أغلب الأحوال فإنه لن يقدّم هذه الفكرة أو سيتأخر كثيراً كما سيتبيّن في التعريف أدناه.

المثالية بتعريف موقع هارفارد بزنس ريفيو (Harvard Business Review) هي سمة شخصية يسعى صاحبها للكمال والخلو من العيوب والقصور، ويهدف إلى تحقيق إنجازات كاملة. دائما يضع الشخص المثالي معايير عالية لا يستطيع الوصول إليها فيستسلم للتسويف أو يضغط على نفسه بما لا يحتمل، ويشعر بموجات عنيفة من القلق الدائم والتعرض لنوبات اكتئاب.

ولا يقتصر التأثير السلبي للمثالية على تقديم الأفكار وإنما يمتد إلى جوانب العمل الأخرى كمشاركة المعرفة والمشاركة في الجوائز وتقديم النصائح والمساعدة للآخرين وغيرها. كل هذه الأمور تجعلها المثالية تتأخر أو تتوقف.

وفكّر كذلك في الجانب الأسري، فيمكن للمثالية أن تعيق كثيرا من الأمور داخل المنزل سواء في تربية الأبناء أو صلة الأرحام أو تجهيز المنزل أو المصروفات المنزلية وغيرها، ولذلك أعتبر المثالية صفة سلبية أكثر منها إيجابية لهذه الأسباب.

لماذا أقول أنّ هناك بعض الإيجابية في الموضوع؟ لأنني شاهدت برنامجا على منصة تيد إكس (TEDx) تحدّث فيه المحاضر أنّ من أضرار عدم المثالية خاصة بالنسبة للشركات ضياع الأموال والأرواح. هذه وجهة نظر مختلفة وتعطينا تفكيرا مختلفا للمثالية.

النظرة المتوازنة للمثالية في وجهة نظري هي أن نبذل قصارى جهدنا وتفكيرنا في تحقيق الأهداف لكي نحقّق أقصى ما نستطيع، وفي نفس الوقت لا نتوقف أو نتأخر كثيراٍ بحجّة أننا لا زلنا نبحث أو نفكّر فتضيع علينا الفرص والأوقات.

كلمة أخيرة:

التميز لا يعني المثالية وإنما هو جهود متراكمة نقوم بها وإنجازات نحقّقها وأخطاء نتعلّم منها وتحدّيات نتجاوزها، كل ذلك يحتاج إلى العمل الدؤوب وعدم الانتظار والتأخر بحجّة المثالية. والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (ألا سألوا إذ لم يعلموا)، يُرجى الضغط هنا.

الثلاثاء، 18 مايو 2021

مشاهدات (67) - ألَا سألوا إذ لم يَعْلَموا

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

من الكتب المفيدة التي قرأتها مؤخّرا كتاب (ابدأ بلماذا) للمؤلف سيمون سينك حيث يؤكد الكاتب على أهمية معرفة المغزى والهدف (لماذا) في كل عمل يوّد الشخص القيام به أو يعمله حاليا. وفي نفس الوقت أدركت من خلال هذا الكتاب أهمية وقيمة السؤال في حياتنا خاصة أنّه واحد من أهم أدوات المعرفة والتميز والابتكار.

ومن يتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية يجد بأن السؤال متوفر بكثرة بل إنه طريقة فعّالة من طرق التربية ولذلك استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم في مواقف متعددة. والسؤال كذلك يفتح الأذهان للتفكير والتأمل والبحث عن الأسباب ولذلك هناك طريقة معروفة في حل المشكلات يُطلق عليها (اسأل لماذا خمس مرات) تساهم في معرفة جذور المشكلة وبالتالي وضع حلول مناسبة لها.

ومع هذه القيمة العالية للسؤال، نجد بأن الكثير منّا للأسف الشديد لا يستعمله إمّا استحياءً أو استعجالاً أو تكبّراً، فعندما تحصل مشكلة معيّنة أو يُطرح موضوع للنقاش، تجد الكثيرين يقفزون مباشرة إلى الاقتراحات والحلول والنتائج مع أنّ الأوْلى في البداية السؤال عن الموضوع لأن ذلك يفتح الآفاق والأذهان مما يساهم في الوصول إلى نتائج أكثر صحة.

"ألَا سألوا إذ لم يَعْلَموا" هو منهج نبوي يوجّهنا وينبّهنا إلى أهمية السؤال قبل أن نتخّذ قرارات أو نصل إلى الحلول. والسؤال كما يقال فنّ يحتاج إلى معرفة وحكمة، فالسؤال المناسب في التوقيت المناسب هو المطلوب والمقصود وليس أي سؤال.

كلمة أخيرة:

بعدما ذكر صلى الله عليه وسلم "ألَا سألوا إذ لم يَعْلَموا"، قال: "فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السؤالُ" والعيّ هو الجهل، مما يؤكد على أننا يجب أن نبادر ونسأل إذا لم نعلم بدل أن نتخذ قرارات متسرعة فقد تكون هذه القرارات نوع من الجهل. والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقال السابقة (اصنع بصمتك (الشيخ حمدان بن راشد رحمه الله تعالى نموذجا))، اضغط هنا.