الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

مشاهدات (123) - الشغف

بسم الله الرحمن الرحيم  


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

وأنا أقرأ كتاب (التحوّل القيادي) للمؤلف الأمريكي جون ماكسويل، استوقفتني هذه المقولة الجميلة التي أوردها في كتابه للمؤلف والفيلسوف هوارد ثورمان والذي قال: (لا تسأل عمّا يحتاجه العالَم. اسأل ما الذي يبثّ فيك الحياة ويجعلك تذهب لتفعله، لأنّ ما يحتاجه العالم هو أناس قد بُعِثت فيهم الحياة). هذه المقولة تعكس صفة هامّة تكاد توجد في أغلب العظماء والمؤثّرين عبر التاريخ ألا وهو الشغف.

بحثت عن معنى الشغف (Passion) في محرّك البحث جوجل، فوجدّت تعريفات كثيرة اخترت منها ما جاء في موقع (ويكيبيديا) وهو أنّ الشغف هو شعور بالحماس الشديد أو رغبة لا تُقاوم تجاه شيء ما. فالشخص الشغوف بشيء ما يمكن ألا ينام الليل كلّه ويظلّ يعمل لساعات طوال في مشروعه أو فكرته، كلّ ذلك من غير أي ضغوط أو تعب أو حتّى إحساس بالوقت.

الأمثلة من التاريخ على هؤلاء الشغوفين كثيرة، فالذي يسمع قصة الإمام البخاري رحمه الله تعالى في تأليفه لكتابه (صحيح البخاري) يرى أمرا عجبا وكيف أنّ شغفه قاده لتأليف هذا الكتاب في سنوات عديدة من غير أن يملّ أو يكلّ. نفس الأمر ينطبق على الإمام مالك رحمه الله تعالى في تأليفه لكتابه (الموطأ) والإمام ابن قيّم الجوزية والإمام ابن الجوزي والإمام الشافعي رحمهم الله تعالى والأمثلة أكثر من أنْ تُحصى.

وهذا مجال واحد فقط وهو تأليف الكتب وهناك الكثير من المجالات الأخرى كالطب والكيمياء والفيزياء والفلك حيث برز علماء كثيرون كانوا يتّصفون بالشغف اتجاه ما يفعلونه ولذلك أنتجوا وخدموا البشرية في مجالات كثيرة. وبالطبع، فهذه أمثلة فقط من التاريخ الإسلامي، وهناك أمثلة أخرى كثيرة من التاريخ الإنساني لأشخاص كانوا شغوفين مثل أديسون ونيوتن وآينشتاين وغيرهم حيث قدّم هؤلاء للبشرية خدمات عظيمة في مجالات شتّى لا زلنا نستفيد من بعضها إلى وقتنا الحاضر.

السؤال الطبيعي الذي قد يسأله الكثيرون: كيف يتكوّن هذا الشغف؟ هناك عوامل كثيرة ولكنّني من خلال قراءاتي وسماعي لقصص العظماء والمؤثّرين رأيت بأنّ وجود هدف أو مشروع للحياة عامل رئيسي لوجود هذا الشغف. في كتب جون ماكسويل العديد من الأمثلة المعاصرة لأشخاص كانوا شغوفين لأمر ما فعملوا مشاريع بدأت صغيرة جدا ثم كبرت بعضها حتى صارت عالمية.

وجود الشغف لأمر ما يحقق الكثير من الفوائد للشخص أولا ثم للمجتمع، ولا أريد أن أنسى بأن أذكّر بأن الهدف أو المشروع ينبغي أن يكون إيجابيا ومفيدا، وإلاّ فهناك أمثلة كذلك لأشخاص من التاريخ القديم والحديث كانوا شغوفين بأمور سلبية وغير مفيدة فربحوا قليلا ومؤقّتا ثمّ خسروا بعد ذلك كثيرا.

أريد أن أختم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ورد في سنن الترمذي: "من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ". والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (عن القراءة)، يُرجى الضغط هنا.

الأحد، 19 نوفمبر 2023

مشاهدات (122) - عن القراءة

بسم الله الرحمن الرحيم 

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

خلال الأسابيع الماضية، استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة حدثين رئيسين متعلقين بالقراءة هما تحدي القراءة العربي ومعرض الشارقة الدولي للكتاب وهما حدثان رئيسيان ليس فقط على مستوى الدولة وإنّما على مستوى المنطقة ككل.

أمّا بالنسبة لتحدي القراءة العربي، فالنتائج ترتفع أكثر وأكثر في كل سنة حيث يزداد أعداد المشاركين من الطلبة والمدارس وهذه علامة خير حيث أنّ ارتفاع مستوى القراءة بين الأطفال والشباب يبشّر بمستقبل أفضل بإذن الله تعالى وهذا كلّه بفضل الله تعالى أولا ثم بحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله تعالى على هذه المسابقة ومشاركته شخصيا في الحفل الختامي ونشره لنتائجها.

ويأتي معرض الشارقة الدولي للكتاب ليعكس اهتمام الدولة وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي رعاه الله تعالى كذلك بالكتاب والقراءة وجعلها أولوية بالنسبة لها. والزائر لمعرض الكتاب يرى بوضوح الأعداد الهائلة التي تزور المعرض من مختلف الفئات والجنسيات مما يدل على اهتمام كثير من الناس بالكتاب والقراءة. وقد زرت المعرض في هذه السنة ثلاث مرات وقد رأيت بنفسي الأعداد الهائلة التي زارت المعرض خاصة من الشباب والأطفال.

لا شكّ أن اهتمام معظم الناس حاليا ينصبّ على الأحداث الجارية في فلسطين وهذا أمر حسن وإيجابي، ولكنّ ذلك لا ينبغي أن يصرفنا عن الأمور الرئيسة الأخرى في الحياة مثل علاقتنا بالله تعالى وتطوير أنفسنا. ومثل هذه الأحداث التي تنظّمها الدولة بين فترة وأخرى تذكّرنا بهذه الأمور الرئيسة مثل القراءة التي ينبغي أن تكون منهج حياة لنا وجزء من برنامجنا اليومي.

سمعت أشخاص كثر ذكروا بأنّهم يقرؤون كتباً كثيرة خلال الشهر الواحد بل رأيت بنفسي في موقع (Goodreads) عمن يقرأ قرابة المائة كتاب في السنة وقد يستغرب البعض من هؤلاء وكيف يحصلون على هذا الوقت للقراءة. هؤلاء فقط وضعوا القراءة كأولوية في حياتهم ولذلك حصلوا على هذا الوقت للقراءة. القراءة تعطي الشخص فوائد عديدة مثل زيادة المعرفة والثقافة وغرس القيم وتفتّح الأذهان والحصول على الأفكار وغيرها.

يجب علينا أن نحمد الله تعالى أولا ثم نشكر قيادات الدولة على رعاية وتنظيم مثل هذه الأحداث المتعلقة بالقراءة، فهي تحقّق فوائد جمّة وثمرات إيجابية كثيرة للناس والمجتمعات. والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (ماذا سيحدث للعالم بعد موتك؟)، يُرجى الضغط هنا.