الخميس، 29 ديسمبر 2022

مشاهدات (104) - ماذا تعلّمت من كأس العالم؟ الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

أكمل في هذه الحلقة بعض الأمور التي تعلمتها من بطولات كأس العالم لكرة القدم والتي تُعتبر حدثاً عالمياً لها اهتمام كبير من مختلف أنحاء العالم ووسائل الإعلام وتحدث فيها أمور كثيرة أعتبرها بمثابة استفادات نستطيع أن نستفيد منها في حياتنا في سبيل تحقيق التميز والنجاح سواء في حياتنا الشخصية أو على مستوى الأسرة والعمل. فمن هذه الاستفادات:

- العبرة دائما في الخواتيم، ولعلّ كثيرا من المباريات تثبت هذه المقولة حيث لا يستطيع أحد أن يضمن أو يتوقع أي نتيجة حتى صافرة الحكم النهائية، وكم رأينا من منتخبات استطاعت تحويل النتيجة في الدقائق الأخيرة. فالأصل هو العمل وبذل الجهد حتى النهاية وهذا بالضبط ما يريده الله تعالى منّا في حياتنا كما قال سبحانه: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" (الحجر 99)، واليقين هنا هو الموت. فالمطلوب هو العبادة والعمل حتى آخر لحظة من حياتنا حتى يُختم لنا بخير بإذن الله تعالى.

- التاريخ هام ومن الجميل التفاخر بالتاريخ المشرق كما تفعل كثير من المنتخبات ولكن في نفس الوقت، لن يشفع هذا التاريخ المشرق إن كان الأداء سيّئا كما رأينا ذلك في كثير من المباريات حيث تتغلب منتخبات ليس لها تاريخ كبير على منتخبات عريقة، بل قد لا تتأهل منتخبات يُفترض أنّ لها تاريخ مشرق من الأساس لكأس العالم أو للأدوار المتقدمة. الأصل هو الاستفادة من دروس التاريخ ولكن يبقى العمل في الوقت الحالي هو الأساس دائما.

- تلعب الأرقام والإحصائيات دورا كبيرا التوقعات والتحليلات، وشخصيا أستمتع كثيرا بالإحصائيات المختلفة والمقارنات التي تحصل عبر السنين المختلفة. وهذا يؤكّد أهمية هذا العلم ليس فقط في مجال كرة القدم وإنما في جميع مجالات الحياة. فالإحصائيات والأرقام لها دور كبير في التطوّر والنمو ووضع الأهداف والخطط الصحيحة.

- واحدة من أسوأ الظواهر التي تحصل في البطولات العالمية وتظهر بشدة في كأس العالم، ظاهرة التعصّب. والمتعصّب لأفكاره في إحدى تعريفاته هو الشخص شَدِيدُ التَّعَنُّتِ، لاَ يَتَنَازَلُ عَنْ أفكاره وَلَوْ مَعَ ظُهُورِ بُطْلاَنِهَا، وَيَنْظُرُ إِلَيْهَا بِإِعْجَابٍ شَدِيدٍ (معجم المعاني). وينطبق كذلك نفس الشيء في كرة القدم على المتعصّب للاعب أو منتخب أو مدرّب حيث تجد الشخص يدافع عن هؤلاء بكلّ ما أوتي من قوة ولو أخطؤوا أو أظهروا أمورا سلبية بالإضافة إلى الحزن والغضب الشديد وقت الخسارة. التعصّب في أي أمر شيء سلبي ينبغي الابتعاد عنه والأصل هو الوقوف مع الأمور الصحيحة وتجنّب الأمور الخطأ.

هذه بعض الأمور التي استفدتها من بطولات كأس العالم ولعلّ هناك الكثير من الاستفادات الأخرى التي تحدّث وكتب عنها آخرون. الأمر الهام دائماً هو أن نسعى للاستفادة من أي حدث بطريقة إيجابية. والله الموفّق إلى كل خير، والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (ماذا تعلمت من كأس العالم؟ الجزء الأوّل)، يُرجى الضغط هنا.

الاثنين، 19 ديسمبر 2022

مشاهدات (103) - ماذا تعلمت من كأس العالم؟ الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

كأس العالم لكرة القدم أكبر من مجرّد حدث رياضي ولذلك تجد اهتماما كبيرا به من العالم، وبالنسبة لي شخصيا، فقد تعلّمت أمورا متعددة من كأس العالم ولذلك فكّرت أن أؤلّف مستقبلا كتابا بعنوان (ماذا تعلّمت من كأس العالم؟). ومرة أخرى، أودّ التأكيد - كما ذكرت في المقالة السابقة - بأنني لست بصدد تحليل المباريات ومستويات اللاعبين والمنتخبات، فهناك أشخاص أكثر خبرة ومعرفة يقومون بهذا الأمر، هذا بالإضافة إلى أنّ أمر التحليل منتشر بكثرة في هذه الأيام في مختلف وسائل الإعلام وبالتالي يمكن الرجوع إلى هذه التحليلات.

هدفي الأساسي هو ربط الأمور التي تحدث في هذه المناسبة العالمية مع ما يساعدنا على تحقيق التميز والنجاح سواء في حياتنا الشخصية أو على مستوى الأسرة والعمل. ومن خلال متابعتي لكؤوس العالم المختلفة، تعلّمت أمورا متعددة، ودعوني هنا أشارككم بعض ما تعلمته:

- مع كل بطولة كأس العالم، تزداد دور التقنيات وأهميتها والهدف هو مساعدة الجميع وخاصة الحكّام في الخروج بأقل قدر من الأخطاء وبأفضل قرارات ممكنة والأمثلة على ذلك متعددة كتقنية الفيديو (الفار) ودخول الكرة المرمى من عدمها واحتساب التسلل وغيرها. وهذا لا شك مجال واسع لشركات التقنية بالمساهمة في هذا المجال وإبراز ابتكارات واختراعات جديدة.

- لا يمكن بأي حال من الأحوال الاتفاق على كل شيء ولو كان واضحا للبعض وضوح الشمس، وقد ذكرت هذا الأمر في مقالات سابقة مؤكدا قوله تعالى: "وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (هود 118). فوجهات النظر دائما مختلفة سواء في مستوى اللاعبين أو الجوائز المعطاة أو أجمل الأهداف وغيرها، ولذلك فالأصل هو احترام الآراء المختلفة مهما كانت والمناقشة بأسلوب علمي وأخلاقي حتى لا يؤدّي الأمر إلى ما أسوأ من مجرد خلاف في وجهات النظر.

- متابعة المباريات وتشجيع المنتخبات واللاعبين لا يعني بأنّنا نؤيدهم في كل ما يفعلونه، فهناك لا شك ظواهر وأخلاقيات سيئة تظهر من بعض اللاعبين أو الجماهير لا نؤيّدها بالكلّية بل ووجب التنبيه إليها والحذر من بعضها خاصة لصغار السن ممن يتابعون المباريات.

- العمل الجماعي قوة، وهذا العمل الجماعي يظهر من الجميع ابتداء باللاعبين في الملعب ومرورا بالمدرب والأجهزة الفنية والإدارية ولاعبي الاحتياط وانتهاء بالجماهير. وهذا العمل الجماعي من الأسباب الرئيسة للانتصار ولكنّه في نفس الوقت ليس السبب الوحيد إذ يجب اجتماع عوامل متعددة بجانب العمل الجماعي لتحقيق الانتصار.

- بجانب العمل الجماعي، فالمواهب تلعب دورا كبيرا بالفوز والحسم ولذلك لا ينبغي أبدا تجاهل هذا العامل المهم في أي فريق. واللاعبين الموهوبون معروفون وهم الذين يملكون مهارات تساعدهم في أداء دورهم بشكل أفضل من الباقيين في أي مركز كانوا. وهذا الأمر ينطبق على المؤسسات حيث أنّ المواهب لهم دور أساسي في تحقيق الإنجازات ولذلك وجبت رعايتهم وتقديرهم من القادة.

الدروس والعبر التي يمكن تعلمّها من هذا الحدث العالمي متعددة ولعلّي أكمل في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى بعض الدروس الأخرى التي تعلّمتها. والله الموفق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (استفادات من كأس العالم)، يُرجى الضغط هنا

الأحد، 27 نوفمبر 2022

مشاهدات (102) - استفادات من كأس العالم

بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

لا شكّ أنّ الحدث الأبرز هذه الأيام هو كأس العالم لكرة القدم المقام في دولة قطر، ولا أريد هنا الخوض في تحليل المباريات أو المنتخبات أو اللاعبين فهناك أشخاص أكثر خبرة ومعرفة يقومون بهذا الأمر، هذا بالإضافة إلى أنّ أمر التحليل منتشر بكثرة في هذه الأيام في مختلف وسائل الإعلام. وبدلا من ذلك فإنني أحرص على متابعة بعض الأمور المتعلّقة بهذه الأحداث العالمية والتي تساهم في التطوّر والتميز سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى المؤسسات والدول.

يشدّني كثيرا موضوع (قوة الإعلام) في كأس العالم، فمن خلال متابعتي لكؤوس العالم المختلفة، أجد تطوّرا هائلا في التغطية الإعلامية للبطولات. ولعلّ المتابع لكأس العالم يرى هذا الأمر واضحا من خلال كثرة ودقّة التفاصيل والمعلومات المتعلقة بالمنتخبات واللاعبين والمباريات وهذا كلّه يتم من خلال وسائل الإعلام المختلفة، فكل لقطة تتم التقاطها بواسطة مئات العدسات المنتشرة في أجواء الملعب بل ويتم تصويرها من زوايا لا تخطر أحيانا على البال، وقد لاحظت ذلك مثلا عند إصابة لاعب ما حيث يتم إظهار الإصابة بكل وضوح بل وطريقة الإصابة والمتسبب بها وغيرها.

وهذا الأمر لا يقتصر داخل الملعب فقط بل خارجه أيضا، فكل حركة من الجماهير خارج الملعب تتم التقاطها سواء كان قبل المباراة أو خلالها أو بعدها، ونفس الأمر متعلق بالأهداف والفرص والحكّام والحالات التحكيمية وانفعالات اللاعبين والمدربين والجماهير وتقنية الفيديو (الفار) وغير ذلك الكثير.

ما الذي أهدف إليه من كل هذا؟ أولا، كل هذا التطوّر في مجال الإعلام يوجد وراءه علم وعلماء في مجالات مختلفة، فحتى تتم التقاط صورة دقيقة من زاوية معيّنة، يحتاج ذلك إلى جهاز تصوير متقدّم وعدسات معيّنة من شركة التصنيع ثمّ تعلّم وممارسة من المصوّر، وكلّ ذلك يحتاج إلى العلم. وهذا يثبت أهمية العلم في جميع الأمور إذ هو أساس من أساسيات التطوّر والتميّز.

ثانيا، مع هذا التقدّم الهائل للإعلام، ازدادت أهمية الصور والإعلام المرئي أكثر وأكثر، فصورة واحدة أو مقطع واحد يغني عن آلاف الكلمات وهذا مُشاهد بشكل واضح في المباريات وبعد ذلك في التحليلات والتعليقات الكثيرة التي تحدث على الصور والمباريات، بل إن صورة واحدة ومقطع واحد يقف عليه المحلّلون كثيرا لكي يفسّروه أو يؤيدوه أو يعارضوه وهكذا.

أخيرا، أصبح للإعلام مع هذا التطوّر الهائل قوة كبيرة في تحريك مشاعر الناس، فبصورة واحدة تتغير المشاعر من الإعجاب إلى الكره أو العكس، وبمقطع واحد يتحول الناس من الرضا إلى الغضب أو العكس وهكذا. لا أريد هنا أن أعلّق على هذا الأمر بأنّه صحيح أو خطأ وإنما أريد أن أبيّن قوة الإعلام في هذا المجال.

كأس العالم ما زال يثبت أنّ التميّز ليس فقط في المباريات وما يتعلّق بها وإنّما في أمور كثيرة أخرى لعلّ أهمّها الإعلام وأتوقّع شخصيا أن نشهد تطوّرات أخرى في هذا المجال ربّما لم تخطر على بالنا في يوم من الأيام. والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (القراءة مرة أخرى)، يُرجى الضغط هنا.

الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

مشاهدات (101) - القراءة مرة أخرى

بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

من الأمور التي تثبت أهمية موضوع ما اهتمام القادة به، فعندما يهتم قادة الدولة أو المؤسسة بموضوع معيّن، فإنّ ذلك يدلّ على أهميته. ولقد شهدت دولة الإمارات خلال الأيام الماضية حدثين هامين في موضوع القراءة وقد كان اهتمام القيادات بهذين الحدثين كبيرا مما دلّ على أهميتها وحرص القيادة على غرس حبّها والحرص عليها لدى الجميع.

الحدث الأول كان تحدي القراءة العربي والذي قام فيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله تعالى بتكريم الفائزين بهذه المسابقة، ولقد شهدت هذه الدورة زيادة في نسبة القراءة بين الطلاب وزيادة في نسبة المشاركة، وهذه علامة خير خاصة أنّ الفئة المستهدفة هي الطلاب والمدارس.

وحِرْص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على التواجد الشخصي في هذا التكريم دليل على اهتمام سمّوه وقيادات الدولة بالقراءة، ليس فقط على المستوى المحلّي وإنما على المستوى العربي. فسمّوه صرّح أكثر من مرّة بأنّ القراءة ركيزة أساسية لنهضة الأمة، ولذلك قام بإطلاق مبادرات متعددة لتعزيز هذا الهدف وتحقيقه.

الحدث الثاني كان معرض الشارقة الدولي للكتاب والذي يجد اهتماما كبيراً من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي رعاه الله تعالى. وقد قمت شخصيا بزيارة المعرض لأكثر من مرة ورأيت إقبالا كبيرا من الناس على شراء الكتب بالإضافة إلى وجود كثير من المؤلفين الشباب الذين كانوا يحرصون على إبراز كتبهم وهذا كذلك علامة خير للجميع بإذن الله تعالى.

الحرص على القراءة ينبغي أن يكون برنامجا يوميا للشخص حتى لو كان لوقت قليل، فالأثر كبير والفوائد متعددة، وقد ذكرت ذلك في عدة مقالات سابقة بالإضافة إلى السلسلة التي نشرتها سابقا على مدونتي والتي كانت بعنوان (نقرأ لنرتقي).

حرص قيادات الدولة على القراءة وتشجيعها عليها من خلال هذه المبادرات والفعاليات ينبغي أن يدفعنا جميعا إلى الحرص على القراءة وجعلنا جزءا من حياتنا. ويكفي في ذلك أنّنا نطبّق أول أمر أنزله الله تعالى في كتابه العزيز "اقرأ". والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (منطقة الراحة)، يُرجى الضغط هنا.

السبت، 29 أكتوبر 2022

مشاهدات (100) - منطقة الراحة

بسم الله الرحمن الرحيم 

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

لا يكاد كتاب يتحدث عن النجاح والتميّز وإلا ويورد موضوع منطقة الراحة (Comfort Zone) إمّا بشكل مباشر أو يشير لها إشارات. ومنطقة الراحة تعني المكان أو الموقف الذي يشعر فيه الشخص بالأمان أو بالراحة، وهي غالبا تشكّل عقبة في طريق نموّ الشخص وتطوّره في مختلف الجوانب.

ومنطقة الراحة هذه يصنعها الشخص لنفسه بحيث يقوم فيها ما يحقّق فيها راحته من دون أن يحقق أي إنجازات، ولذلك هي سمة رئيسة لغير المتميّزين في الحياة إذ أنّ التميّز يتطلب القيام بالكثير من الأمور التي فيها جهد وتعب، فالتميّز لا يأتي بالراحة أبداً كما هو معلوم وإلا لكان كل الناس متميزون.

والإسلام كذلك يحثّ الشخص على الخروج من منطقة راحته حتى يحصل على الحسنات ويرتقي في الجنان. تأمل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "حُفَّتِ الجنّة بالمَكاره" (رواه مسلم)، أي أنّ طريق الجنّة محفوفة الأمور التي تكرهها النفس مما يعني أنّه لمن أراد دخول الجنة أن يخرج من منطقة راحته وإلا ندم ندما شديدا في يوم لا ينفع فيه الندم.

فالقيام للصلاة وترك النوم والراحة، وبذل المال والإنفاق في سبيل الله تعالى، والتخلّق بالأخلاق الكريمة والابتعاد عن الأخلاق السيئة دائما، والقراءة والحرص على الثقافة، وتربية الأبناء والإيجابية في العمل، كل ذلك يتطلب من الشخص أن يخرج من منطقة راحته. فمنطقة راحة الشخص تقول له ألا يبذل جهدا أبدا وإنما يحرص على ما يحقق له الراحة والرفاهية والمتعة – في ظنّه – وبالتالي سيبتعد عن هذه الأمور.

والخروج من منطقة الراحة ليس بالأمر السهل وإنّما يتطلّب مجاهدة قوية للنفس وقبل ذلك طلب التوفيق والإعانة من الله تعالى، ومن الأمور المساعدة كذلك قراءة قصص العظماء والمتميزين في التاريخ القديم والحديث، فهؤلاء بذلوا جهودا وأوقاتا ضخمة في سبيل التميّز والعظمة وكان الخروج من مناطق راحتهم سببا رئيسا في الوصول لهذه العظمة والتميز.

الخلاصة هنا أنّه إذا بقي الشخص داخل منطقة راحته، فلن يتحسن أو يتميّز أبدًا، والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الساعة)، يُرجى الضغط هنا.

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2022

مشاهدات (99) - الساعة

بسم الله الرحمن الرحيم 



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

ما أول ما يخطر على بالك عندما تسمع كلمة (ساعة)؟ قد تتذكر شكل الساعة التي ترتديها الآن أو ارتديتها في السابق، أو تتذكّر أشكالا مختلفة من الساعات التي رأيتها عند الناس أو في المواقع أو في المحلات.

وقد يخطر على بالك أنواعا مختلفة من الساعات كالساعات الرقمية أو الذكية أو القديمة. وقد تتذكر الوقت أو موعدا هاما مرّ عليك أو تنتظره. وقد تمرّ عليك مشاعر مختلفة حين تسمع كلمة ساعة كالتوتر أو الفرح أو الحزن أو الغضب تبعاً للمواقف التي مررت بها والتي كانت مرتبطة بالوقت أو المواعيد. وقد تتذكر أمورا أخرى كثيرة مرتبطة بالساعة.

وقبل أن أبيّن ما الذي أريد الإشارة إليه هنا، أذكر أنّني كنت أنظّم لعبة للموظفين في مقر العمل تحت مسمّى (تخيّل وارسم) حيث تقوم فكرة اللعبة على إعطاء مشارك من المشاركين كلمة أو جملة ثمّ يُطلب منه رسم هذه الكلمة أو الجملة للآخرين من دون أن يتكلم وعلى الفريق أن يكتشف هذه الكلمة أو الجملة من خلال الرسم. والجميل في اللعبة أنّ المشاركين كانوا يعبّرون عن نفس الكلمة أو الجملة برسومات مختلفة.

الهدف من هذه اللعبة وممّا ذكرته عن الساعة أنّ الناس ينظرون لنفس الأمر أو الشيء بنظرات وتفسيرات مختلفة، فالساعة هي الساعة ولكن نظرة الناس إلى هذه الساعة مختلفة. وأستطيع كذلك أن أرى بوضوح هذا الشيء من خلال التحليلات والمقالات والتغريدات التي يكتبها الناس بعد مباراة معيّنة بل بعد حدث معيّن في تلك المباراة، فالمباراة واحدة والحدث واحد ولكن هناك اختلاف كبير بين الناس في رؤية وتفسير هذه المباراة أو الحدث.

هذا الاختلاف يأتي من أمور كثيرة كثقافة الشخص وتعلميه وطريقة تربيته والمواقف التي مرّ بها وخبرته وقراءاته وغير ذلك. الرسالة التي أودّ إيصالها هنا هي أنّنا يجب أن نحترم هذه الآراء ونتقبّلها سواء اتفقنا أو اختلفنا معها، والأمر الثاني هو أننا يجب ألا نفترض أنّ الناس سيكونون متفقين في كل شيء.

أقول ذلك لأنني لاحظت أنّ بعض الناس يستغرب أنّ هناك آراء أو تحليلات غير الذي يقول أو يفكّر به ممّا يسبّب في غضبه أو حزنه أو كآبته. الأصل دائما هو الاختلاف وليس الاتفّاق وصدق الله تعالى حين قال: "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (هود 118)، فإذا اقتنعنا بذلك ارتحنا وأرحنا غيرنا. والله الموفّق إلى خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (التسويف)، يُرجى الضغط هنا.

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

مشاهدات (98) - التسويف

بسم الله الرحمن الرحيم 



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

التسويف من الآفات المنتشرة بكثرة بين الناس وهي من العقبات الكبيرة في طريق النجاح والتميز. والتسويف يعني تأجيل الأمور والمماطلة في تنفيذها، ويكون سلبيا في غالب الأحيان أي أنّ التأجيل أو المماطلة تحدث لأعذار واهية أو بغير أعذار.

الشخص المسوّف في أغلب الأحيان لا يريد فعل أمر ما، ولكنّه يضع لنفسه أعذارا واهية أو وقتا مستقبليا لفعل هذا الأمر، وكم سمعنا لأشخاص حضروا دورات عن التخطيط الشخصي وقرروا أثناء الدورة تطبيق ما سمعوه ولكن بعد الدورة، قالوا أنّهم سيطبّقون في الأسبوع القادم ثم تأجّل التطبيق إلى الشهر القادم ثم السنة المقبلة وضاع بعد ذلك. كل ذلك بسبب التسويف.

وتزداد خطورة التسويف عندما يتعلّق الأمر بالفرائض أو الواجبات كمن يسوّف أداء الصلوات الخمس أو أداء الزكاة أو أمرا يتعلق بوالديه أو أهله أو أبنائه أو مهمّة ضرورية في عمله. فالتسويف في هذه الأمور يفوّت على الشخص خيرا كثيرا بل وقد يُكسبه السيّئات والعياذ بالله تعالى.

أمّا التسويف في غير الفرائض والواجبات، فهو آفة كبيرة يضيّع على الشخص كذلك خيرا كثيرا سواء في دنياه أو آخرته. ولذلك نجد نسبة المتميزين في العالم قليلا لأنّ التسويف يمنع الكثيرين من أداء الأمور التي تؤدّي إلى التميز.

لماذا يقع الناس في التسويف؟ أعتقد بأنّ هناك أسبابا متعددة مثل عدم إدراك أهمية الأمر أو عدم وجود الإرادة اللازمة لفعل الأمر أو وجود ملهيات أمام الشخص أو عدم ترتيب الأولويات وغير ذلك. وكل سبب من هذه الأسباب عقبة كبيرة أمام التميز.

وتأمل فيما قاله الله تعالى عن المسوّفين حين قال سبحانه: "يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي" (الفجر 24). قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (يعني: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصيا، ويودّ لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعا)، ولو لم يسوّف الشخص، لربح الكثير.

نحتاج أن نتّبع المنهج القرآني والنبوي في التغلب على التسويف حيث يحثّ الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم على المسارعة والمسابقة والمبادرة لفعل الخيرات وكل ما يجلب النفع للشخص والآخرين. وليعلم الشخص أنّ هناك عوائق كثيرة قد تحدث للشخص في أي وقت قد تمنعه من فعل الأمور كالموت أو المرض أو ظرف أسري طارئ، ولذلك لن ينفع الشخص التسويف.

قد يقع الشخص في التسويف أحيانا وهذا أمر طبيعي، ولكن أن يستمر الأمر مع الشخص ويصبح ديدنه ذلك، فذلك هو الخطر الكبير الذي يجب أن ينتبه له الشخص حتّى لا يندم في دنياه وآخرته. وليطلب الشخص التوفيق من الله تعالى دائما فهو وحده الموفّق إلى الخيرات. والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (معلّم الناس الخير)، يُرجى الضغط هنا.

الأحد، 18 سبتمبر 2022

مشاهدات (97) - معلّم الناس الخير

بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

استوقفني حديث جميل قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ" (رواه الترمذي). فهذا الحديث الجميل يبيّن الفضل الكبير والأجر العظيم الذي يحصل عليه الذي يعلّم الناس الخير.

والجميل في الحديث هو استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم لكلمة (الخير) وهذا ما يجعل الأمر واسعا حيث أنّ كلمة خير تشمل كل أمر يحبّه الله تعالى وينفع الناس في شؤون دينهم وحياتهم، فالخير يدخل فيه تعليم الصلاة والقرآن والأخلاق والتعامل الحسن مع الجميع والتميّز الدراسي والوظيفي ونفع الآخرين وغيرها الكثير.

وبالتالي يمكن للوالدين أن يعلّموا الخير لأبنائهم في مجالات كثيرة فيكون بذلك أجراً لهم كلّما قام الأبناء بتطبيق هذا الخير حتى بعد ممات الوالدين كما جاء في الحديث الشريف: "مَن دَلَّ علَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ" (رواه مسلم).

وفي بيئة العمل، فالأمر واسع كذلك لنشر الخير بين الموظّفين، فالقادة والمدراء الذين يحرصون على نشر معاني السعادة والتخطيط السليم والتميز والمبادرات المفيدة ونشر المعرفة وغيرها، كلّ ذلك من أمور الخير لأنّها تفيد الموظفين في حياتهم وقد ينعكس ذلك حتى على المجتمع والدولة فيكون الفضل أكبر.

والجميل كذلك بأنّ تعليم الخير أيّا كان يمكن أن يستمر مع الشخص طوال عمره، فمادام الشخص يملك خيرا لينشره، فيمكنه ذلك في أي وقت. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح نشر الخير أسهل وعلى نطاق أوسع.

وقد جاء كذلك في الحديث الشريف: "إنَّ منَ النَّاسِ مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشَّرِّ، وإنَّ منَ النَّاسِ مفاتيحَ للشَّرِّ مغاليقَ للخيرِ، فَطوبى لمن جعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الخيرِ على يدَيهِ، وويلٌ لمن جَعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الشَّرِّ على يديهِ" (رواه ابن ماجه). فمفتاح الخير يمكن أن يكون أي شخص مادام يعلّم الناس الخير ويدلّهم عليه.

كلمة أخيرة:

مع توسّع مفهوم الخير، إلا أنّه يجب الانتباه كذلك إلى عدم نشر أمور غير صحيحة سواء كانت في أمور الدين أو الحياة بحجّة أنّها من الخير، فهذا مما لا ينبغي وقد يعود على صاحبه بالضرر. والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الإحباط - الجزء الثاني)، يُرجى الضغط هنا.

السبت، 27 أغسطس 2022

مشاهدات (96) - الإحباط - الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

الإحباط مرض خطير وهو من أكبر أعداء الإيجابية، وهو يحدث للشخص في فترات مختلفة في حياته، وقد ذكرت في المقالة السابقة بأنّ هناك أمران يميّزان الأشخاص الإيجابيين عن السلبيين في مسألة الإحباط هما: الخروج من هذا الإحباط بأكبر سرعة ممكنة وعدم تأثير هذا الإحباط على سلوكه، وبالتالي يجب علينا أن نعرف الوسائل التي تساعدنا على الوصول لهذين الأمرين.

شخصياً، لم أجد علاجاً أنفع ولا أفضل ولا أجمل من اللجوء إلى الله تعالى، وقد يكون ذلك بوسائل متعددة كأداء الصلاة وهذا هدي نبوي عظيم كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنّه إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى (رواه أبوداود). والصلاة هنا ليست مجرّد أداء الحركات فهذا قد لا ينفع الشخص ولا يزيل إحباطه وإنّما المطلوب هو الخشوع التام واستشعار المعاني التي فيها، فيكفي مثلا أن يستشعر الشخص حين قراءة الفاتحة في كل ركعة قوله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، فيتذكّر النعم الكثيرة التي أعطاها الله تعالى للشخص فهذا ممّا يعطي الشخص طاقة إيجابية.

والدعاء كذلك من أقوى الوسائل التي تزيل الإحباط، وأثره يتحقق كذلك بالتذلّل لله تعالى وطلب المعونة منه سبحانه، وقد رأيت بأنّ أثر الدعاء يكون أقوى حين يكون في الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء مثل الثلث الأخير من الليل والساعة الأخيرة من يوم الجمعة وبين الأذان والإقامة وغيرها.

ولا أريد أن أنسى كذلك ما لقراءة القرآن الكريم من أثر عظيم في الخروج من الإحباط، فهناك آيات كثيرة تساعد الشخص على الخروج من إحباطه. وقد لاحظت بأنّه كلّما كان الشخص أكثر إخلاصاً عند قراءة القرآن، فإنّ الله تعالى يعينه بأنْ يرسل إليه برسائل قرآنية تساعده على الخروج من الإحباط والقصص في ذلك كثيرة.

الناحية الإيمانية في الخروج من الإحباط هامّة وهي للأسف مفقودة عند كثير من الناس في وقتنا الحالي مع أنّها علاج فعّال وقوي لأنّ الشخص يلجأ ويستعين بالله تعالى. ولا أريد أن يُفهَم من كلامي أنّني أستبعد الوسائل الأخرى التي ينصح بها الخبراء للخروج من الإحباط كأداء الرياضة أو التحدّث إلى صديق أو القراءة أو القيام برحلة أو غيرها، فهذه الوسائل تنفع ولا شك وأنصح بها كذلك ولكنّني أريد للشخص أن يبدأ بتطبيق الوسيلة الأقوى أولا فهو بذلك يحصل على الأجر من الله تعالى ويحصل على العلاج بإذن الله تعالى.

والنقطة الهامّة في مسألة الخروج من الإحباط هو عدم اليأس، فإذا لم ينجح الشخص في الخروج من إحباطه بعد تطبيقه لوسيلة ما، فلا ييأس وليَسْعَ مرة أخرى لتطبيق غيرها وغيرها من الوسائل حتى يخرج من إحباطه، وليعلم كذلك بأنّ هذا الإحباط عبارة عن ابتلاء واختبار من الله تعالى ولذلك فليحرص على النجاح فيه بأن يخرج منه ويعود إلى إيجابيته. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الإحباط - الجزء الأول)، يُرجى الضغط هنا

الأربعاء، 17 أغسطس 2022

مشاهدات (95) - الإحباط - الجزء الأول

 بسم الله الرحمن الرحيم  


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

هناك تحديات كثيرة تمرّ على الشخص في حياته ومن الطبيعي أن يُصاب الشخص بالإحباط أو ببعض المشاعر السلبية في أوقات مختلفة في حياته. وشخصياً، لست مع مَن يطلبون مِن الناس ألا يُحبَطوا من أي موقف وأن يكونوا إيجابيين دائما فهذا عكس قوانين الحياة وهذا من الطرح المثالي الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية في بعض الأحيان.

فكّر في الموقف التالي: بَذلْتَ جهدا كبيرا في أمر ما وعندما حان الوقت المنتظر لعرض النتيجة، قام أحدهم بنقد الأمر الذي فعله نقدا سلبيا ولم يقدّر أبدا الجهد الكبير الذي بذلته. خذ كذلك موقفا آخر وهو أنه قد حققت إنجازا معيّنا تفتخر به كثيرا وعندما عرضته على شخص ما، لم يعرك انتباهاً بل وربّما قلّل من شأن هذا الإنجاز.

الطبيعي هنا أن يحدث إحباط للشخص وتختلف درجة الإحباط على حسب منزلة الشخص المنتقِد أو درجة قرابته من الشخص أو طريقة إلقاء النقد أو الملاحظة. وما يجب أن ندركه أنّنا لا نعيش في عالم مثالي يقدّر جميع الناس بعضهم البعض، فهناك أشخاص متخصّصين في النقد السلبي الهدّام الذي لا يُرجى منه أي فائدة سوى تحطيم الشخص أو التقليل من شأنه.

وهناك أشخاص لا يقدرّون الإنجازات مهما كانت حجمها وقد يكون ذلك لأسباب مختلفة، وهناك أشخاص لا يعبّرون بالطريقة الصحيحة أو يلقون كلمات سواء بقصد أو بغير قصد من شأنها أن تُحبط الشخص الأول.

ولا أريد أن يُفهَم من كلامي أنني لست مع النقد أو إبداء الملاحظات فهذه الأمور من شأنها أن تطوّر الشخص وتلفت نظره إلى زوايا مختلفة، ولكن طريقة إبداء النقد أو إعطاء الملاحظة هامّة بقدر أهمية النقد أو الملاحظة نفسها فقد تكون الملاحظة غاية في الأهمية ولكنّ الطريقة غير مناسبة تماما فيسبّب إحباطا للطرف الآخر بدلا من استفادته.

وأودّ التأكيد كذلك أنّني لست مع الإحباط وأعتبره عدوّا أساسيا من أعداء الإيجابية ويجب على الشخص أن يحرص على التغلبّ عليه قدر الإمكان لأنّ آثاره مدمّرة ولكنّني في نفس الوقت لست مع من يقول أنّ الشخص لا ينبغي له أن يُحبَط أبدا، فالمهم هنا كيفية التعامل مع الإحباط والخروج منه بأسرع وقت وبأقل الأضرار.

إنّ ما يميّز الإيجابيين عن السلبيين هو تعاملهم مع الإحباط فهم لا ينكرونه في الأساس ولكنهم يحرصون على أمرين أساسين. الأمر الأول هو الحرص على عدم طول مدّة هذا الإحباط والأمر الثاني هو عدم انعكاس هذا الإحباط على السلوك، وإن حدث وتصرّف الشخص بشكل سلبي، فهو يعود بسرعة إلى رشده وإيجابيته.

الخلاصة هي أنّنا لا نريد أن نتسبّب في إحباط الآخرين وأنْ نحرص إن وقعنا في الإحباط أن نخرج منه بأسرع وقت وأن نقلّل من آثاره. وسنكمل في الحلقة القادمة مزيدا من المعاني عن الإحباط بإذن الله تعالى، والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الشغف)، يُرجى الضغط هنا.

الاثنين، 1 أغسطس 2022

مشاهدات (94) - الشغف

 بسم الله الرحمن الرحيم  



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

القراءة في سير العظماء والمؤثّرين في التاريخ ممتعة، فهي تعرّف القارئ بالصفات التي تمتّع بها هؤلاء حتى وصلوا إلى هذا التميّز، وأريد أن أقف في هذه الحلقة مع صفة هامّة تميّز بها هؤلاء، وهذه الصفة لا تقف على عمر معيّن إذ يمكن أن تكون لدى الصغار أو الكبار. هذه الصفة هي الشغف.

الشغف يعني الرغبة القوية اتّجاه أمر ما بحيث يسيطر على تفكير الشخص ووقته. والشغف قد يكون برؤية أو مشروع أو هدف أو منتج، وهو بمثابة طاقة داخلية تدفع الشخص لتحقيق الإنجازات والوصول إلى ما يطمح أو ما يهدف إليه.

ولذلك نستطيع أن نفهم لماذا بذل الإمام البخاري جهودا وأوقاتا طويلة حتى أخرج صحيح البخاري أو لماذا لم ييأس توماس أديسون من عدد التجارب والمحاولات الفاشلة التي أجراها حتى نجح في اكتشافاته واختراعاته، وهناك الآلاف من النماذج الأخرى في التاريخ القديم والحديث من أشخاص بذلوا جهودا ضخمة وأوقاتا طويلة دون كلل أو ملل.

وقد يعجب البعض حين يسمع مثل هذه القصص ولكن العجب يزول حين نعرف أنّ هؤلاء الأشخاص اتّصفوا بالشغف اتجاه ما فعلوه فلم يشعروا بالوقت أو الجهد المبذول بل أعتقد أنّهم كانوا يتحسّرون على سرعة فوات الوقت أثناء عملهم وبحثهم وتجاربهم. الشغف بالشيء من أهمّ الطرق لتحقيق الإنجازات.

والقائد الفعّال كذلك ينبغي أن يتّصف بالشغف اتجاه رؤيته وأهدافه لأنّ هذا الشغف هو الذي سيدفعه للتخطيط والمبادرات والابتكارات وتشجيع الآخرين، وسينتقل هذا الشغف بشكل تلقائي إلى الآخرين فيصبح الجميع منتجين وإيجابيين. ولعلّ في دولة الإمارات العربية المتحدة خير مثال لهذا الشغف من القادة والشعب.

بقي أن أذكر بأنّ الشغف ينبغي أن يكون اتّجاه أمر إيجابي لأنّ هناك أشخاص شغوفين بأمور سلبية فيقضون أوقاتا طويلة ويبذلون جهودا كثيرة ولكن في الاتّجاه الخطأ. الشغف ينبغي أن يكون إيجابيا حتى ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.

كلمة أخيرة:

من أفضل أنواع الشغف، الشغف بالأعمال الصالحة سواء الشعائر التعبدية كالصلاة والقرآن أو ما ينفع الآخرين كالأعمال التطوعية ومساعدة المحتاجين والضعفاء. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله ربّ العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (فن الصمت)، يُرجى الضغط هنا.

الأحد، 17 يوليو 2022

مشاهدات (93) - فنّ الصمت

 بسم الله الرحمن الرحيم  


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

جاء عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه قوله: (تعلّموا الصمت كما تعلّمون الكلام، فإنَّ الصمت حِلم عظيم، وكُنْ إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم في شيء لا يعنيك). الصمت فن عظيم لا يتقنه كثير من الناس، وأقصد هنا بالفنّ معرفة الوقت والموقف المناسبين للصمت وعدم الكلام، فهذا يتطلّب حكمة وخبرة ومعرفة لأنّ الصمت قد يكون فضيلة في وقت أو موقف وغير مرغوب به في وقت أو موقف آخر.

والأصل أن يكون للشخص خيارين أثناء حديثه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ" (رواه البخاري)، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (فمعناه: أنّه إذا أراد أن يتكلم، فإن كان ما يتكلم به خيرًا محقّقًا يُثاب عليه واجبًا أو مندوبًا فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام).

فإمّا أن يقول الشخص خيراً وهذا الخير واسع بفضل الله تعالى، فإن لم يجد فعليه بالصمت بدل أن يقول كلاماً لا يعود بالنفع عليه بل قد يكون مصدرا للسيّئات والعياذ بالله تعالى. ولذلك، حينما نقرأ سيرة الصالحين نجدهم حريصين أشد الحرص على لسانهم فلا يقولون إلا ما يرضي الله تعالى وإلا فكان الصمت هو ديدنهم تطبيقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.

وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: (بكثرة الصمت تكون الهيبة)، فالصمت له فوائد متعددة لعلّ أهمها في وجهة نظري أمرين هما الاستماع إلى الآراء والأفكار ووجهات النظر الأخرى حيث إنّ الصمت له ارتباط وثيق بالاستمتاع الفعّال، وهذا الأمر له فوائد كبيرة على الشخص إذ تزيد من معرفته وحكمته وخبرته ويوسّع إدراكه واطّلاعه على أفكار وآراء جديدة.

وثاني الفوائد هو كسر شهوة الكلام إذ أنّ بعض الناس يحبّ أن يدلي بدلوه في كل صغيرة وكبيرة ويريد أن يتحدّث في كل موضوع، فيأتي الصمت ليكسر هذا الأمر ويجعل الشخص يقف ويفكّر قبل أن يتكلّم، وقد قال أحد العلماء: (إن كنتُ كلّما دعتني نفسي إلى الكلام تكلّمت فبئس الناظر أنا). فالصمت قوة في بعض الأحيان وأفضل بكثير من الكلام.

كلمة أخيرة:

قال صلى الله عليه وسلم: "من صمت نجا" (رواه الترمذي). فاكتساب فنّ الصمت يحتاج إلى جهد وحكمة ومعرفة وسماع للعلماء وقبل ذلك وبعده توفيق ومعونة من الله تعالى. والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة: (التعامل مع الآخرين)، يُرجى الضغط هنا.

الأربعاء، 6 يوليو 2022

مشاهدات (92) - التعامل مع الآخرين

 بسم الله الرحمن الرحيم 


 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

في كتابه (قراءة العقول)، يقول نيكولاس إيبي: (عقول الآخرين ليست كتبا مفتوحة أمامنا، ولكن ذلك لا يثنينا من محاولة قراءتها على أية حال. الأدوات المتاحة تحت تصرفنا البديهي، عقلنا نفسه والصور النمطية الموجودة لدينا عن عقول الآخرين). شخصياً، اعتبر التعامل مع الآخرين تحديّا من التحديات الموجودة في الحياة وذلك باختصار لأننا نتعامل مع بشر.

هؤلاء البشر يختلفون اختلافا شديدا فيما بينهم ولذلك يتطلّب التعامل مع كل واحد منهم متطلّبات وقواعد معيّنة. لنأخذ مثالا واحدا وهو مسألة الأعمار وكيفية التعامل معها حيث يتطلّب منّا تعاملا مختلفا مع الفئات العمرية المختلفة كالأطفال والشباب والكهول والشيوخ. ليس هذا فحسب، وإنما في كل مرحلة هناك تعامل مختلف حيث يختلف التعامل مثلا مع طفل ذو سنة واحدة عن الطفل ذو الثلاث أو الخمس سنوات، وكذلك الحال بالنسبة للشباب حيث يختلف التعامل مع شخص في أول الشباب عنه في سنّ الثلاثين أو الأربعين.

هذا بالنسبة للأعمار فقط، وهناك مسألة الأقارب والأصدقاء والجنسيات المختلفة والجنس الآخر والمكانة الاجتماعية والنفسيات وغيرها من المعايير التي يتطلب منّا معرفة التعامل الصحيح مع كل منها. لماذا أطرح هذا الأمر؟ لكي نكون إيجابيين في تعاملنا قدر الإمكان مع الكل فنكسب الاحترام والتقدير ولا نكون مصدر سلبية وتعاسة مع من نتعامل معهم.

وهنا يأتي دور العلم والمعرفة في كيفية التعامل مع الآخرين حيث أنّه كلما قرأنا وتعلّمنا ثم طبّقنا هذا العلم، كان ذلك أدعى لتعاملنا الإيجابي مع الكل. الاعتماد على الخبرة فقط لا يفيد كثيرا لأنّنا قد نتعلّم أمورا خطأ ونستمر في تطبيقها فينعكس ذلك سلباً علينا.

القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة مصدران لا غنى عنهما في تعلّم القواعد الصحيحة في التعامل مع البشر ثم يأتي بعد ذلك دور الكتب والدورات في متابعة التعلّم واكتساب المعرفة اللازمة في التعامل مع الفئات المختلفة.

كلمة أخيرة:

من القواعد الأساسية التي وضعها القرآن الكريم في التعامل مع الناس قوله تعالى: "وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً" (البقرة 83)، وقوله تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (فصلت 34). والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (رسائل من افتتاح مكتبة محمد بن راشد)، يُرجى الضغط هنا.