الأحد، 29 ديسمبر 2024

مشاهدات (145) - ثَقُلَت وخفَّت

بسم الله الرحمن الرحيم 

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

من رحمة الله تعالى بنا أن بيّن لنا كيفية الحساب يوم القيامة لكي نكون على بيّنة ونعرف ما يجب لنا فعله في الحياة الدنيا حتى ننال الفلاح في الآخرة. فالقاعدة الواضحة أنّ الحساب يوم القيامة يكون فقط على أساس الحسنات والسيّئات وليس على أساس شيء آخر ولذلك جاء في القرآن الكريم آيات واضحات لبيان هذا الأمر.

قال الله تعالى: "وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ" (الأعراف 8-9)، فالميزان يثقل بالحسنات ويخفّ بالسيئات. والهدف هنا واضح، أن نحرص على أن يثقل موازيننا بالحسنات لكي ندخل الجنة وننجو من النار، أمّا إن حدث عكس ذلك بمعنى أن يخفّ ميزان الحسنات ويثقل ميزان السيئات، فالعاقبة أليمة والعياذ بالله تعالى.

ولذلك، فإنّ من أهم وظائفنا في هذه الحياة الدنيا أن نحرص على تثقيل موازيننا بالحسنات. كيف ذلك؟ بالحرص على الأعمال الصالحة والابتعاد عن الأعمال السيّئة. ومن رحمة الله تعالى بنا أن بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الأعمال الخاصة التي تزيد من ثقل ميزان الحسنات يوم القيامة ومن ذلك:

- قول (لا إله إلا الله) كما جاء في حديث البطاقة قوله صلى الله عليه وسلم: "فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ" (رواه احمد).

- قول (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) كما قال صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ" (متفق عليه).

- حسن الخُلُق كما جاء في الحديث الشريف: "مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ" (رواه أبو داود).

نحتاج إلى إعادة تفكيرنا وإعادة ترتيب أولوياتنا في حياتنا لأنّ المسألة مصيرية ولن تكون إلا مرة واحدة فقط، ونحن في هذه الحياة لنا فرص كثيرة في كل يوم لكي نزداد من الحسنات ونقلّل من السيئات. ويجب علينا ألا ننسى بأنّ الموت يأتي بغتة من غير سابق إنذار، فإذا جاء الموت، انقطع عمل الإنسان وتوقّف عدّدا الحسنات والسيئات إلا من خلال أعمال معيّنة يستمر فيها حسنات أو سيئات الشخص حتى بعد وفاته.

المسألة ليست بالبسيطة وإنما هو مصير الشخص، وعندما نقول مصير فإنّ ذلك يعني الحياة الأبدية الخالدة. نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الخاتمة وأن يثقّل موازيننا يوم القيامة بالحسنات وأن يرزقنا الفردوس الأعلى من الجنة. والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (أولو الألباب)، يرجى الضغط هنا.

السبت، 30 نوفمبر 2024

مشاهدات (144) - أولو الألباب

بسم الله الرحمن الرحيم 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

من الفئات التي وردت في كتاب الله تعالى (أولو الألباب) وقد وردت في القرآن الكريم ستّ عشرة مرة مما يدلّ على أهميتها وأنّ الله تعالى يريدنا أن نكون من هذه الفئة. وقد ورد في معنى أولو الألباب أنّهم أولو الأفهام والعقول الراجحة والرزينة والكاملة وهذه الصفات لا شكّ أنّها صفات عظيمة وإيجابية تفتح للشخص أمورا كثيرة وتعطيه ثمرات متعددة في الدنيا والآخرة.

الأمر الهام هنا هو أن نعرف كيف نصير من أولي الألباب وإحدى الطرق الرئيسة لمعرفة ذلك هو تتبّع ما جاء في كتاب الله تعالى في وصف هذه الفئة ثم الحرص على تطبيقها ما استطاع الشخص إلى ذلك سبيلا، وكلّما زاد تطبيقه لهذه الصفات كان أكثر اقترابا من أن يكون من هذه الفئة المباركة بعد توفيق الله تعالى.

فمن صفات هذه الفئة التقوى كما قال سبحانه: "وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ" (البقرة 197)، والتقوى من أكبر أسباب دخول الجنّة وهي تدلّ صاحبه إلى سلوك الطريق القويم وهذا مما يجعل صاحبه من ذوي العقول الراجحة الذين هم أولو الألباب.

ومن صفات هذه الفئة كثرة ذكر الله تعالى والدعاء والتفكّر في عظيم ملك الله تعالى ومخلوقاته كما قال تعالى: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (آل عمران 190-191)، وكلّ عبادة من هذه العبادات لها فضل كبير وثمرات كثيرة في الدنيا والآخرة ويكفي أنّها تقرّب صاحبها من الله تعالى وهذا يدلّ على رجاحة عقول أصحابه كما وصفهم بذلك ربّ العزة والجلال.

ومن صفاتهم العظيمة الاعتبار من التاريخ وما حدث في الأمم السابقة من أحداث وقصص كما قال سبحانه: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ" (يوسف 111)، فهذا الاعتبار والاستفادة من أكثر ما يعين الشخص على اتخاذ القرارات السليمة والتفكير الصحيح والحكمة في الأمور وهذا كلّه كذلك من رجاحة عقل صاحبه.

ومن صفات أولو الألباب معرفة الحق كما قال سبحانه: "أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ" (الرعد 19)، ومعرفة الحق من أهم الأمور التي تقود صاحبه إلى الجنّة وتنجيه من النار وهذا لا شكّ كذلك من صفات ذوي الأفهام والعقول.

صفة أخرى عظيمة لأولي الألباب جاءت في قوله تعالى: "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" (ص 29). فتدبّر القرآن الكريم وآياته فيه خير عظيم لصاحبه لأنّه يقوده إلى معرفة الله تعالى وزيادة الإيمان به بالإضافة إلى الحرص على الأعمال الصالحة والابتعاد عن الأعمال السيئة وكل ذلك من علامات رجاحة العقل وكماله.

هذه بعض الصفات وهناك صفات أخرى متعددة يمكن معرفتها من خلال كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم. الأمر الهام والملاحظ أنّ كل ما ذكرناه يدلّنا بوضوح أنّه كلما اقترب الشخص من الله تعالى من خلال أداء ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، كلما كان أكثر اقترابا من هذه الفئة المباركة (أولو الألباب). نسأل الله تعالى أن يجعلنا من هذه الفئة وأن يوفّقنا دائما إلى كل خير، والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (هكذا نبدأ)، يرجى الضغط هنا.

الخميس، 21 نوفمبر 2024

مشاهدات (143) - هكذا نبدأ

بسم الله الرحمن الرحيم 


 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

كما جرت العادة، أكتب مقالا بعد معرض الشارقة الدولي للكتاب أشارك فيه بعض الخواطر التي استفدتها من زيارتي للمعرض أو ما يتعلّق بأهمية الكتاب والقراءة. وقد كان شعار هذه الدورة جميلا (هكذا نبدأ)، فالقراءة هي الأساس وهي ما يجب أن نبدأ به في جميع أمورنا العملية والحياتية.

بعد زيارتي للمعرض، تذكّرت قوله تعالى: "وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" (الإسراء 85) حيث كنت في بعض اللحظات خلال المعرض ضائعا لا أدري ما أشتري من كثرة العناوين المعروضة، والحمد لله على أن وفّقني لشراء مجموعة من الكتب في مجالات مختلفة سأسعى لقراءتها بإذن الله تعالى إلى المعرض القادم.

صدق من قال بأنّه من ظنّ أنّه قد اكتفى من العلم فقد بدأ طريق الجهل، فمهما قرأنا في مجال معيّن، فهناك الكثير والكثير من المعاني الأخرى التي لا نعلمها نظرا لكثرة التجارب الحياتية والخبرات الشخصية بالإضافة إلى الأبحاث العلمية التي تخرج إلى الساحة ببين فترة وأخرى، وسأضرب لذلك مثالين اثنين.

الأول هو السيرة النبوية المطهّرة وقد قرأت عددا لا بأس به من الكتب في هذا المجال، ومع ذلك، فهنالك الجديد دائما، وأتحدّث هنا عن الكتب العلمية والموثوقة حيث يقوم المؤلّفون باستنباطات جديدة والإتيان بمفاهيم ومعانٍ جديدة رغم أنّ السيرة واحدة ولكنّه العلم المتجدد.

الثاني هو مجال القيادة وقد قرأت كذلك عددا لا بأس به من الكتب في هذا المجال يقترب من العشرين كتاب والحمد لله، ومع ذلك، يكون في كل معرض كتب جديدة عن القيادة ذات مفاهيم ومعان وتجارب جديدة. ومن تجربة شخصية، فكلّما قرأت أكثر في هذا المجال، يتفتّح الذهن لآفاق جديدة للقيادة، ومع ذلك، فالتعلّم لا يتوقّف ولا ينبغي له التوقّف لأنّ ما نجهله أكبر بكثير عمّا نعلمه، وأعيد هنا قوله تعالى: "وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" (الإسراء 85).

بقي أن أقول وربّما ذكرت ذلك في مقالات سابقة عن المعرض بأنّ دور الشباب وتواجدهم في المعرض واضح سواء من خلال التأليف وإصدار الكتب أو الشراء وهذا دليل خير وإشارة إلى اهتمام هذا الجيل بالقراءة التي هي من أساسيات تطوّر أي مجتمع. ولا نريد كذلك أن نغفل دور الآباء والأمهات والقائمين على التعليم في تشجيعهم الأبناء والطلاب على القراءة.

وأخيرا، فالشكر والتقدير لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حفظه الله تعالى على اهتمامه ورعايته لهذا المعرض النافع والإيجابي، وكذلك الشكر والتقدير لهيئة الشارقة للكتاب على هذا التنظيم الجميل والرائع. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الأولويات)، يرجى الضغط هنا.

الأربعاء، 30 أكتوبر 2024

مشاهدات (142) - الأولويات

بسم الله الرحمن الرحيم 

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

في أغلب الدورات التدريبية أو الكتب التي تتحدث عن القيادة أو الإدارة أو إدارة الذات، نجد موضوع الأولويات حاضرا بقوة كونها من أسباب النجاح أو الفشل. فالشخص الذي يعرف أولوياته سوف ينجح والأمثلة على ذلك كثيرة من التاريخ القديم والحديث.

وكما هو الحال في الكتب والدورات الإدارية، فإنّ موضوع الأولويات حاضرة كذلك في الإسلام ولذلك نجد في الكتب والمحاضرات مصطلح (فقه الأولويات) وهي موازية لمصطلحات (إدارة الأولويات) و (ترتيب الأولويات). أمّا عن تعريف الأولويات فهي باختصار تقديم الأهم على المهم، فالجانب النظري واضح إلى حدّ ما ولكنّ التحدّي هو التطبيق.

في وجهة نظري، ليس من السهولة ترتيب الأولويات في كل مرة، فهناك عوامل كثيرة تتداخل فيما بينها عند حدوث أمر ما نحتاج فيه إلى أن نتّخذ قرارا على حساب أمر آخر، بل قد يتكرّر نفس الأمرين في مناسبة أخرى ويكون القرار فيها مختلفا لأنّ العوامل والظروف مختلفة.

هناك قواعد عامة تساعد في مسألة تحديد وترتيب الأولويات، ولكن يحتاج الشخص بالإضافة إلى هذه القواعد إلى عوامل أخرى لمساعدته في هذا الشأن، كالمعرفة والقراءة وسؤال المختصين والخبراء والحكماء والتعلّم من التجارب الشخصية وتجارب الآخرين وقبل ذلك كلّه طلب التوفيق من الله تعالى. الهدف هنا أن يصل الشخص في ترتيب أولوياته إلى أفضل اختيار.

مسألة ترتيب الأولويات حاضرة تقريبا في جميع أمور حياتنا ابتداء من الأسرة ومرورا بالعمل أو الدراسة وانتهاء بالحياة الشخصية والاجتماعية، ولذلك يعتبره الخبراء من عوامل النجاح، لأنّ نجاح الشخص في ترتيب أولوياته في هذه الجوانب يضمن له تحقيق أهدافه سواء الحياتية منها أو الأخروية. وتزداد أهمية هذا الأمر وقت المشاكل والتحديات حيث يحتاج الشخص إلى معرفة وترتيب الأولويات بشكل جيّد حتى يستطيع حلّ المشكلة أو على الأقل الخروج بأقل الخسائر. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (الكوارث الطبيعية رسالة لنا)، يرجى الضغط هنا.

الخميس، 17 أكتوبر 2024

مشاهدات (141) - الكوارث الطبيعية رسالة لنا

بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

تحدث الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وأعاصير وحرائق وغيرها في أماكن متعددة من العالم وفي أوقات مختلفة، وبسبب انتشار وقوة وسائل الإعلام في عصرنا الحالي، فقد أصبحنا نسمع ونشاهد بشكل أكبر هذه الكوارث في أنحاء متفرّقة من العالم وما تُحدِثُه من آثار ونتائج مدمّرة سواء كان على مستوى الأشخاص أو البنى التحتية.

هذه الكوارث الطبيعية رسالة من الله تعالى إلى البشر ينبغي الوقوف عندها بتأمل كبير وعدم المرور عليها مرور الكرام كما يفعل الكثيرون للأسف الشديد، فهذه الكوارث تحمل في طيّاتها معان وقيم متعددة منها:

- تذكّر قوّة وقدرة الله تعالى المطلقة حيث تُعتبر هذه الكوارث من جنود الله تعالى يأمرها سبحانه بما يشاء في الوقت الذي يشاء، ومهما فعل البشر من احتياطات وإجراءات، فليس لهم طاقة بالوقوف أمام هذه الكوارث كما يشهد بذلك التاريخ القديم والحديث.

- هذه الكوارث فرصة عظيمة للعودة إلى الله تعالى والتوبة إليه سبحانه، فقد تكون في هذه الكوارث نهاية الشخص من حيث لا يتوقع، فكثير من الناس ماتوا في هذه الكوارث في لحظات محدودة، ولذلك ينبغي لنا ونحن نسمع عن أية كارثة أن نسارع بالعودة إلى الله تعالى لأنّ الكارثة القادمة قد تكون موجّهة إلينا في لحظة لا نتوقّعها أبدا.

- ينبغي لنا كذلك أن نشكر الله تعالى كثيرا على أن حفظنا من هذه الكوارث ومن نتائجها التدميرية ونسأله تعالى دائما أن يحفظنا ومجتمعاتنا من هذه الكوارث.

- لله تعالى حِكَمٌ كثيرة في إرسال هذه الكوارث على أية بقعة في العالم، ولذلك لا ينبغي لنا التسرّع في إطلاق التفسيرات لأية كارثة لأنّ البعض يعتبر أية كارثة عبارة عن عقاب من الله تعالى وهذا ليس بصحيح، فالأصل لنا الاعتبار من هذه الكوارث وسؤال الله تعالى العافية والحفظ وعدم الشماتة بأحد.

وأخيرا، فعند سماع أو رؤية هذه الكوارث، فمن الجميل تذكّر الحديث الشريف الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "من رأى مبتلًى فقال: الحمدُ للهِ الذي عافاني مما ابتلاكَ به، وفضَّلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا، لم يُصِبْهُ ذلك البلاءُ(رواه ابن ماجه). والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (التربية أيضا تحدّ)، يرجى الضغط هنا.

الاثنين، 30 سبتمبر 2024

مشاهدات (140) - التربية أيضا تحدً

بسم الله الرحمن الرحيم 

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

كنت كتبت فيما سبق سلسلة بعنوان (تحديّات) ذكرت فيها بعض التحديات التي تواجه الشخص في حياته وكيفية مواجهتها وعبورها بإذن الله تعالى. ومع تقدّم العمر، وجدتّ بأنّ هناك تحديات أخرى في الحياة لم أكتب عنها في هذه السلسلة لعلّ من أعظمها تحدّي تربية الأبناء.

شخصيا، أعتبر تربية الأبناء من أكبر التحدّيات التي تواجه الأبوين بالذات على الإطلاق، ذلك لأنّ هذا التحدّي متجدّد ويحتاج إلى جهد ضخم جدا بالإضافة إلى معرفة كبيرة في مجالات متعددة. ولذلك، فإنّ هذا التحدّي لا يقدر عليه البعض وهذا ما نراه في واقعنا من انتشار كثير من المشاكل التربوية التي تؤثّر سلبا على الأسرة وعلى المجتمع.

كون التربية تحديّا يأتي كذلك من منطلق بأنّنا نتعامل مع بشر له احتياجات متعددة وتعاملات مختلفة. ليس هذا فقط، فهذه الاحتياجات والتعاملات تختلف من سنّ إلى آخر ومن شخص إلى آخر بل وتختلف بين الذكور والإناث. بالإضافة إلى كل ذلك، فإن طبيعة كل عصر وخاصة مع تطوّر التقنيات الكبير والحضور القوي لوسائل الإعلام المختلفة وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي تؤثّر كذلك في التربية بشكل كبير. كل ذلك تجعل مسألة التربية تحدّ كبير يحتاج من الوالدين والمربّين إلى جهود ضخمة.

ما هو الحلّ لمواجهة هذا التحدّي؟ أولا، يحتاج الوالدان إلى طلب الإعانة والتوفيق من الله تعالى بشكل مستمر في هذه الرحلة الطويلة، وبجانب هذا الطلب، يحتاج الوالدان إلى اكتساب المعرفة المستمرة في طرق وأساليب التربية المختلفة من خلال القراءة وحضور الدورات والندوات وغير ذلك.

يأتي كذلك سؤال المختصّين التربويين كجانب هام خاصة فيما يتعلّق بالمشاكل والتحدّيات التي يواجهها الوالدان مع أبنائهما، وأؤكّد هنا على هذه المسألة لأنّ البعض للأسف الشديد يطلب الحلول من زملائه أو زميلاته في العمل وهم غير مختصّين، فيشيرون عليه بأمور قد تأتي بنتائج سلبية. لا مانع بالطبع من الاستفادة من تجارب الآخرين الإيجابية أو السلبية ولكن الأصل هو سؤال المختصين والمراكز المتخصصة التي توفّرها الدولة في هذا المجال.

إذا أردنا لأبنائنا أن يتميّزوا ويكونوا إيجابيين ومنتجين في مجتمعاتهم وقبل ذلك وبعده أن يتحقّق لهم الفلاح في الآخرة، لابدّ لنا كآباء وأمهّات أن نبذل الجهود والأوقات في سبيل أن نتعلّم كيف نربّي أبنائنا، فهذه الرحلة تبدأ منذ اللحظة الأولى للولادة - وأحيانا كما قال البعض قبل ذلك - إلى أن يكبر الشخص بل وقد تستمر التربية إلى آخر لحظات العمر. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (أعظم اختراع للبشرية)، يُرجى الضغط هنا.

الأربعاء، 18 سبتمبر 2024

مشاهدات (139) - أعظم اختراع للبشرية

بسم الله الرحمن الرحيم 

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

حضرت الأسبوع الماضي فعالية في مقر العمل عن الثورة الصناعية الرابعة وكانت فعالية ممتعة ومفيدة جدا حيث تحدّث المشاركون عن تاريخ الثورات الصناعية وبعضا من التقنيات الحديثة الموجودة في الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها.

أثناء الفعالية، تم طرح سؤال على الحاضرين عن أعظم اختراع عرفته البشرية إلى الآن، فكانت الإجابات متعددة ومختلفة مثل الانترنت والذكاء الاصطناعي وغيرها. الذي شدّني في هذا الأمر هو اختلاف الآراء في مجموعة قليلة لا يتجاوز عددها خمسين إلى ستين شخص، فكيف إذا تمّ طرح السؤال على مئات أو آلاف الأشخاص؟ بالتأكيد سوف نحصل على مئات الإجابات.

لماذا هذا الاختلاف؟ أولا، يجب أن ندرك بأنّ اختلاف البشر أمر طبيعي جدا، وربّما ذكرت هذا الأمر في مقالات سابقة ولكن ينبغي لنا دائما أن نذكّر بهذا الأمر حتى لا نقع فريسةً للصراع أو التنازع أو التقليل من شأن الآخرين بسبب آرائهم المختلفة، فالأصل دائما هو احترام آراء الآخرين وتقبّلها بكل رحابة صدر ولا مانع بالطبع من المناقشة والاستفسار عن سبب هذه الآراء بكل احترام.

أمّا الإجابة عن السؤال الفائت، فالناس مختلفون في الإجابات والآراء لأسباب كثيرة، فالتربية تؤثّر، والتعليم يؤثّر، والإعلام يؤثّر، والخبرة والتجارب الشخصية تؤثّر، والإعلام بجميع أنواعه يؤثّر، والبيئة المحيطة بالشخص من أسرة وأصدقاء تؤثّر. كل هذه العوامل وغيرها تؤثّر في اختيار الشخص لأعظم اختراع عرفته البشرية.

أمر آخر هام له تأثير كذلك وهو الزمن الذي يعيش فيه الشخص، فإذا طرحنا نفس السؤال قبل عشر سنوات، فقد نحصل على إجابات مختلفة عن الوقت الحالي. ونفس الأمر سيتكرر إن سألنا نفس السؤال بعد عشر سنوات حيث سنحصل على إجابات مختلفة كذلك. بالطبع، لا ولن نستطيع تفسير أية إجابة أو رأي يصدر عن الشخص تفسيرا دقيقا لأنّ عمليات كثيرة تحدث داخل عقل الشخص حتى يخرج في النهاية بهذه الإجابة. لا نستطيع إلا أن نقول: "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" (النمل 88)، فما يحدث داخل عقولنا من عمليات بناء على عوامل متعددة شيء معجز بالفعل.

هذا يقودنا كذلك إلى أن نفهم أنّ فرض الآراء على الناس لا يجدي نفعا خاصة في مثل هذه القضايا، نعم، يمكن للشخص أن يقنع ويستخدم الأدلة والبراهين لإثبات وجهة نظره أو إجاباته، ولكن في النهاية تبقى وجهة نظر ومن الخطأ نسف آراء الآخرين أو التقليل من شأنها بحجّة أنها لا توافق رأيه.

نحتاج فعلا أن نتعلّم أدب الاختلاف وتقبّل الآراء ووجهات النظر حتى لا نقع في الخلاف والنزاع والشقاق. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (أسألك اللهم علما نافعا)، يُرجى الضغط هنا.

الجمعة، 30 أغسطس 2024

مشاهدات (138) - أسألك اللهمّ علما نافعا

بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

الإسلام رفع من قيمة العلم ويمكن ملاحظة ذلك بشكل واضح في الآيات الكريمة والأحاديث النبوية المتعددة التي وردت في هذا الأمر، ومع ذلك فقد ركّز النبيّ صلى الله عليه وسلم على العلم النافع في أحاديث متعددة كقوله صلى الله عليه وسلم: "سَلوا اللهَ عِلمًا نافعًا وتعَوَّذوا باللهِ مِن علمٍ لا ينفعُ" (رواه ابن ماجه)، وفي الحديث الآخر: كانَ صلى الله عليه وسلم يقولُ إذا صلَّى الصُّبحَ حينَ يسلِّمُ: "اللَّهمَّ إنِّي أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيّباً وعملاً متقبّلا" (رواه ابن ماجه).

ما هو العلم النافع؟ لا شكّ أنّه إذا بحثنا في الكتب والمقالات وسمعنا المقاطع في هذا الموضوع، فسنجد تعريفات كثيرة وبالتالي قد يرتبك الناس في تحديد إن كان علم ما نافعا أم لا. في وجهة نظري، هناك ثلاثة معايير رئيسة تساعدنا على معرفة العلم إن كان نافعا أم لا، والهدف الأساسي من ذلك هو تطبيق وصيّة الرسول صلى الله عليه وسلم.

- العلم النافع هو الذي يُرجى أن يحصل من خلاله الشخص على أجر من الله تعالى، وبالتالي يترتّب على هذا الأمر أن يكون هذا العلم مشروعا لا يصادم الإسلام ولا يخالف ما قاله الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم.

- العلم النافع هو العلم الذي يفيد صاحبه ويطوّره وينمّيه في دينه وحياته وخاصة في الجوانب الأساسية كالجانب الإيماني والتربوي والأخلاقي والاجتماعي والتقني والإداري وغيرها.

- العلم النافع هو العلم الذي يفيد الآخرين كذلك ويطوّرهم في دينهم وحياتهم وخاصة في الجوانب الأساسية التي ذكرنا أمثلة منها في النقطة السابقة.

لا شكّ أن هناك معايير أخرى تحدّث عنها آخرون ولكنّ الأمر الهام هنا أن يعرض كل شخص نفسه على هذه المعايير ثم يقرّر إن كان سيستمر أو يتوقّف في تعلّم العلوم بناء على هذه المعايير.

قد يقوم شخص ما بخداع الآخرين بأنّ علما ما نافع مع أنّه ليس كذلك، ولكن أين سيذهب هذا الشخص يوم القيامة أمام الله حيث الأمور واضحة وليس هناك أي مجال للخداع؟ التراجع في الدنيا أبسط وأفضل وأضمن للشخص قبل الندم يوم القيامة. والله الموفّق إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (ضاقت عليهم أنفسهم)، يُرجى الضغط هنا.

الأحد، 18 أغسطس 2024

مشاهدات (137) - وضاقت عليهم أنفسهم

بسم الله الرحمن الرحيم 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

منذ أيام، قرأ إمام مسجدنا في صلاة العشاء آيات من سورة التوبة منها آية قصة الثلاثة المخلّفين: "وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (التوبة 118)، فوقفت عند قوله تعالى: "وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ" وتساءلت، ما الذي يؤدّي إلى ضيق النّفْس؟

بحثت عن أقوال المفسّرين في معنى هذه الآية، فقال الإمام ابن عاشور رحمه الله تعالى: (وضيق أنفسهم استعارة للغم والحزن لأن الغم يكون في النفس بمنزلة الضيق. ولذلك يقال للمحزون ضاق صدره، وللمسرور شُرح صدره)، وقال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (فضاق عليهم الفضاء الواسع، والمحبوب الذي لم تجر العادة بالضيق منه، وذلك لا يكون إلا من أمر مزعج، بلغ من الشدة والمشقة ما لا يمكن التعبير عنه).

فضيق النّفْس أو الصدر كما عبّر عنه القرآن في آيات أخرى هو شعور بالتألّم والضجر والهمّ والغمّ والحزن، وأسباب ضيق النفْس أو الصدّر متعددة منها الضغوطات التي تحصل للشخص من أسرته أو عمله أو مجتمعه، ومنها ارتكاب المعاصي والمنكرات، ومنها عدم استجابة الناس للأمور التي يراها الشخص صحيحة، ومنها عدم وضوح الأهداف أو الرؤية، ومنها المشاكل المادية التي تصيب الشخص وغيرها.

الأمر الهام هنا هو كيفية التخلّص من هذه المشاعر السلبية حتى لا تؤدّي إلى نتائج كارثية على الشخص. الأمر الأول هو الاستعانة بالله تعالى والإكثار من ذكره وعبادته وهذا ما أمر الله تعالى به نبيّه في القرآن الكريم حين قال سبحانه: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" (الحجر 97-99)، فهذا العلاج الربّاني هو أقوى العلاجات لضيق النفْس وهو السبيل الذي يؤدّي إلى الاطمئنان والسكينة والسعادة، والأدلّة والأمثلة على ذلك كثيرة من التاريخ القديم والحديث.

من الأمور التي تساعد كذلك على التخلّص من ضيق النّفْس، البيئة الإيجابية الصالحة سواء كان ذلك في الأسرة أو العمل أو الأصدقاء، فهذه البيئة تساعد على خروج هذا الشخص من ضيقه من خلال نصحه أو الخروج معه في رحلة أو برنامج أو غير ذلك.

من الأمور كذلك سماع العلماء وقراءة الكتب المفيدة حيث يمكن لموعظة أو قصّة أو مقولة أن تغيّر الشخص إلى الأحسن. وأيضا، فليتفكّر الشخص في فائدة ما هو فيه من ضيق النفْس وهل هو حقّا مفيد وهل هناك أي نتائج إيجابية من هذا الوضع الذي هو فيه. أغلب الظنّ أنّه لا توجد أية نتائج إيجابية وإنّما هو الحزن والغمّ والهم ولذلك ينبغي الخروج من هذا الوضع بأسرع ما يمكن. بالطبع، ربّما لا يدرك الشخص هذا بنفسه ولذلك فإنّ البيئة الصالحة تلعب دورا كبيرا في ذلك.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (أكبر مكان للعبرة!!!)، يرجى الضغط هنا.

الخميس، 15 أغسطس 2024

سلسلة (صناعات) - سلسلة تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع الشخص أن يصنعها في حياته لكي يحقق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحلقة الأولى (المقدمة) - 15 أغسطس 2024


الحمد لله رب العالمين، له الحمد على جميع النعم ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم. أما بعد:

من رحمة الله تعالى بنا أن أعطانا مساحات كثيرة في حياتنا لنتّخذ فيها قرارات مناسبة لنا تفيدنا في دنيانا وآخرتنا، ومع ذلك، لا يأخذ البعض قرارات صحيحة بل وقد لا يعرفون كيف يأخذونا من الأساس ولذلك نرى مشكلات في السعادة والأمل والطموح والقيادة والتطوير الذاتي وقبل ذلك والأهم من ذلك كلّه مشكلات في العلاقة مع الله تعالى.

ولذلك، قرّرت أن أكتب هذه السلسلة بعنوان (صناعات) والتي تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع أن يفعلها الشخص في حياته لكي يحقّق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد أسميتها بهذه التسمية لكي أبيّن بأنّ الشخص يستطيع أن يصنع هذه الأمور بمعنى أن يشكلّها بطريقة تناسبه، وبالطبع ضمن الضوابط والقواعد التي جاء بها الشرع الحكيم حتى لا ينحرف الشخص عن الصراط المستقيم فيضيّع دنياه وآخرته.

هناك صناعات كثيرة يستطيع الشخص أن يصنعها في حياته، وكلّ هذه الصناعات ضمن قدرة الإنسان كما سنرى في هذه الحلقات، فلا نريد في النهاية أمراً مستحيلا يعجز الشخص عن القيام به، وفي نفس الوقت، كل صناعة من هذه الصناعات ستتطلّب جهدا ووقتاً، فالذي يريد التغيير نحو الأفضل لابدّ له أن يبذل الجهد وإلا لصار كل الناس متميّزين وناجحين وهذا غير منطقي.

الهدف هو أن يصبح الشخص بارعا في كلّ أو معظم الصناعات ومتى ما بدأ في صناعة أمر ما، سيبتكر أساليب جديدة ويتطوّر بإذن الله تعالى نحو الأفضل. ربّما يكون الأمر غامضاً للبعض ولكن متى ما بدأنا في سرد الصناعات خلال الحلقات القادمة، ستكون الصورة أوضح بإذن الله تعالى.

أسأل الله تعالى أن يوفّقني لتقديم شيء مفيد وأن نكون جميعا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب. والحمد لله رب العالمين.

********************************

الحلقة الثانية (اصنع سعادتك) - 26 أغسطس 2024

الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعات) والتي تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع أن يفعلها الشخص في حياته لكي يحقّق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. وقد أسميتها بهذه التسمية لكي أبيّن بأنّ الشخص يستطيع أن يصنع هذه الأمور بمعنى أن يشكلّها بطريقة تناسبه ضمن الضوابط والقواعد التي جاء بها الشرع الحكيم حتى لا ينحرف الشخص عن الصراط المستقيم فيضيّع دنياه وآخرته.

السعادة مطلب إنساني يسعى إليها مختلف الناس من الصغار والكبار والأغنياء والفقراء والرجال والنساء والمدراء والموظفون وغيرهم. وهي من المفاهيم المختلف عليها بين المفكّرين والعلماء، ومهما كان هذا الاختلاف سواء في المعنى أو المصطلحات، فالجميع متّفق على وجود هذا الشعور الجميل.

كيف نصنع سعادتنا؟ أودّ هنا أن أقدّم الأفكار التالية:

أولا: يجب أن نعلم ونتيقّن بأنّ السعادة الكاملة الأبدية هي في الجنّة، وكلّ سعادة في الدنيا لا يمكن مقارنتها بأي حال من الأحوال بسعادة دخول الجنّة والتلّذذ بنعيمها، ولذلك نستطيع أن نفهم ورود كلمة السعادة لمرة واحدة في القرآن الكريم مرتبطة بالجنّة في قوله تعالى: "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ" (هود 108).

ثانيا: يرتّب على النقطة السابقة، بأنّ سعادتنا في الدنيا هي في الأمور التي توصلنا إلى هذه الجنّة، أي في الأمور التي ترضي الله تعالى من أداء ما أمر به تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب ما نهى الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهي أمور في أيدينا وفي اختيارنا.

ثالثا: ابحث عن سعادتك في الشعائر التعبدية، فبعد الحفاظ على الفرائض، فهناك من يجد سعادته في الصلاة وآخر في الصيام وثالث في ذكر الله تعالى ورابع في تلاوة القرآن وخامس في غيرها. المهّم هنا أن تبحث عمّا يبعث فيك شعور السعادة والسكينة والطمأنينة وحافظ عليها وأكثر منها لكي تزيد سعادتك. وبالطبع، فقد يكون هناك أكثر من عبادة وفي كل ذلك خير.

رابعا: اصنع سعادتك في منزلك وفي أسرتك مهما كان دورك سواء كنت زوجا أو أبا أو أخا أو ابنا – وينطبق هذا كذلك على النساء -، فاجعل منزلك وأسرتك سَكَنا وسعادة من خلال التعامل الحسن والكلمات الطيّبة والبرامج والمشاريع. وكلّ ذلك أمور في أيدينا وفي اختيارنا.

خامسا: اصنع سعادتك في بيئة عملك أو دراستك أو في المجال الذي أنت فيه من خلال وجود الشغف لتحقيق الأهداف المشروعة والتعامل الحسن مع الجميع والمبادرات والاقتراحات ومواجهة التحديات والبعد قدر الإمكان عن المشاكل والمنغّصات.

أخيرا: اصنع سعادتك مع نفسك من خلال وجود أهداف في حياتك في مختلف النواحي والحرص على تطويرها وتنميتها مع وجود الشغف والإيجابية، فالهدف هو في النهاية النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.

توجد بالتأكيد وسائل أخرى كثيرة يستطيع بها الشخص أن يصنع سعادته في أي مكان وحال هو فيه، الأمر الهام دائما هو الحرص على الوسائل التي تؤدّي في النهاية إلى السعادة الأبدية والكاملة. والحمد لله رب العالمين.

********************************

الحلقة الثالثة (اصنع تميّزك) - 15 سبتمبر 2024

الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعات) والتي تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع أن يفعلها الشخص في حياته لكي يحقّق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. وقد أسميتها بهذه التسمية لكي أبيّن بأنّ الشخص يستطيع أن يصنع هذه الأمور بمعنى أن يشكلّها بطريقة تناسبه ضمن الضوابط والقواعد التي جاء بها الشرع الحكيم حتى لا ينحرف الشخص عن الصراط المستقيم فيضيّع دنياه وآخرته.

التميّز هو الانفراد بصفة أو عمل أو مهارة عن الآخرين أو هو تجاوز المعايير العادية في أداء عمل أو مهارة ما. فالتميّز مطلب لكثير من الناس وخاصة من يسعى إلى التأثير والفعالية. ولكي يصنع الشخص تميزه، فأقترح الأمور التالية:

أولا: يجب أن يكون التميز في أمر مشروع، وأقصد بالمشروع هنا ألا يخالف ما جاء به الإسلام من أوامر ونواهٍ وألا يخالف قوانين المجتمع أو الدولة، وكذلك لا يخالف أعراف المجتمع والأسرة. قد تكون هناك استثناءات محدودة ولكن الأصل هو ما ذكرناه وإلا صار التميز سلبيا وقد تترتب على ذلك عواقب دنيوية وأخرويّة.

ثانيا: ضرورة وجود رؤية وهدف واضح يسعى إليه الشخص، فهذه الرؤية والأهداف هي ما سيحقق التميز للشخص.

ثالثا: التركيز من أهم قواعد التميز، والتركيز هو توجيه التفكير والنشاطات إلى أمور محددة فلا يضيع جهده ووقته في أمور لا تحقق له رؤيته أو أهدافه.

رابعا: من الأفضل أن يكون التميز في أمر واحد بحيث يركز عليه الشخص ويصرف عليه معظم جهده ووقته، ولكن لا مانع من التميز في عدة أمور إن كان الشخص سيضمن الإنتاجية العالية في كل هذه الأمور مما يتطلب تخطيطا وإدارة عالية للذات وللوقت.

خامسا: لا يعني التميز في أمر ما إهمال الواجبات والفرائض كالشعائر التعبدية والواجبات الأسرية والمهنية، فالأصل هو التميز أولا في هذه الأمور ثم تأتي بعد ذلك الأمور الأخرى، وإن لم يستطع الشخص ذلك فلا أقل من أداء الحد الأساسي من كل أمر.

سادسا: التعلم المستمر جزء لا يتجزأ من التميز، بل إن المتميز يُعرف دائما بالتطور والتجدد ولكي يتحقق ذلك، لا بد من التعلم المستمر بمختلف الوسائل والأدوات.

أخيرا: أهم سؤال ينبغي أن يسأل الشخص نفسه، لماذا أريد أن أتميز؟ هل هو لمرضاة الله تعالى ودخول الدرجات العلا من الجنة ولخدمة العالم والوطن والمجتمع والأسرة أم إنّ المسألة هي للشهرة ولجلب المعجبين والحصول على الأموال والمناصب. لماذا هذا السؤال؟ لأن نفس السؤال سيتكرر يوم القيامة، ومن الأفضل هناك أن تكون الإجابة إيجابية وإلا كانت وبالا على الشخص والعياذ بالله.

توجد بالتأكيد وسائل أخرى كثيرة يستطيع بها الشخص أن يصنع تميزه، الأمر الهام دائما هو الحرص على التميز الإيجابي حتى يحصل الشخص على ثمرات هذا التميز في الدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين.

********************************

الحلقة الرابعة (اصنع طموحك) - 25 سبتمبر 2024


الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعات) والتي تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع أن يفعلها الشخص في حياته لكي يحقّق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. وقد أسميتها بهذه التسمية لكي أبيّن بأنّ الشخص يستطيع أن يصنع هذه الأمور بمعنى أن يشكلّها بطريقة تناسبه ضمن الضوابط والقواعد التي جاء بها الشرع الحكيم حتى لا ينحرف الشخص عن الصراط المستقيم فيضيّع دنياه وآخرته.

جاء في معنى الطموح أنّه السعي بِرَغْبَةٍ لِلْحُصُولِ على مَا هُوَ أَعْلَى وَمَحْمُودٌ وَنَبِيلٌ، فالناجحون والمتميزون والعظماء في القديم والحديث كان لديهم طموح في مجال ما وهو ما قادهم إلى تحقيق الإنجازات المتتالية. ولكي يصنع الشخص طموحه، فأقترح الأمور التالية:

أولا: ينبغي أن يكون طموح الشخص الأسمى والأعلى هو نيل رضوان الله تعالى ودخول الفردوس الأعلى من الجنّة وهذا ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ وأَعْلَى الجَنَّةِ" (رواه البخاري)، فهذا الطموح العالي لدخول أعلى درجات الجنّة هو ما سيقود الشخص إلى التميّز في عمل كل ما يقرّب إلى الله تعالى.

ثانيا: الشخص الطموح يسعى لأن ينافس العظماء والمتميزين بل ويكون أفضل منهم، كل ذلك عن طريق التنافس الشريف والمحمود مع الابتعاد عن كل أسباب البغضاء والكراهية والحسد. قال الله تعالى في وصف عباد الرحمن أنهم يقولون في دعائهم: "وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً" (الفرقان 74)، فالمتّقون هم من أعلى فئات المؤمنين، ومع ذلك فهم يدعون بأن يكونوا إماما لهذه الفئة مما يدلّ على وجود طموح عالٍ لأن يكونوا أفضل منهم.

ثالثا: الطموح ينبغي أن يكون في أمور مفيدة من شأنها أن تنفع الشخص والآخرين في دنياهم وآخرتهم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها" (صحيح الجامع)، فالحديث يحثّ على أن يجعل الشخص طموحه في مجال مفيد وليس فيما يضرّ الشخص في دنياه وآخرته.

رابعا: حدّد مجال طموحك بناء على قدراتك ومهاراتك ومعرفتك وخبرتك، فاختيار مجال أو مجالات الطموح ينبغي أن يكون مدروسا حتى يحصل الشخص على الثمرات المرجوّة في الدنيا والآخرة.

خامسا: قراءة قصص الناجحين والعظماء والمؤثّرين عبر التاريخ يفيد كثيرا في تحديد الطموح ثم العمل على تحقيق الطموح، ويعطي الشخص كذلك طاقة إيجابية وشغفا لتحقيق طموحه.

وأخيرا: وجود الطموح أمر جميل جدا والأجمل منه هو العمل وتحويل هذا الطموح إلى إنجازات متتالية، ومن المهم هنا الاستعانة الدائمة بالله تعالى وطلب التوفيق منه سبحانه وكذلك الحرص على وجود البيئة الصالحة والإيجابية التي تساعد الشخص على صناعة الطموح وتحقيقه.

توجد بالتأكيد وسائل أخرى يستطيع بها الشخص أن يصنع طموحه، الأمر الهام هنا هو الحرص على الطموح الإيجابي حتى يحصل الشخص على ثمرات هذا الطموح في الدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين.

********************************

الحلقة الخامسة (اصنع علاقاتك) - 15 أكتوبر 2024


الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعات) والتي تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع أن يفعلها الشخص في حياته لكي يحقّق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. وقد أسميتها بهذه التسمية لكي أبيّن بأنّ الشخص يستطيع أن يصنع هذه الأمور بمعنى أن يشكلّها بطريقة تناسبه ضمن الضوابط والقواعد التي جاء بها الشرع الحكيم حتى لا ينحرف الشخص عن الصراط المستقيم فيضيّع دنياه وآخرته.

العلاقات الاجتماعية من الأمور الأساسية في الحياة وتختلف قوة واتّساع هذه العلاقات بين الناس حسب معايير متعددة، ولكنّ الشيء الأكيد هي أنّ العلاقات سبب أساسي لتميّز ونجاح الشخص في الحياة كما يؤكّد على ذلك العلماء والمفكّرين، ولذلك يحتاج الشخص إلى صنع علاقاته في الحياة لكي يحقّق هذا النجاح والتميّز، ليس فقط في الدنيا وإنّما كذلك في الآخرة. ولكي يفعل الشخص ذلك، فأقترح الأمور التالية:

أوّلا: يجب أن يحرص الشخص على علاقات قوّية مع أقرب الناس إليه. نتكّلم هنا عن الوالدين والزوج أو الزوجة والأبناء، فهؤلاء سبب رئيس لسعادة وراحة وتميّز الشخص إن كانت العلاقات قويّة ومتينة لأنهم سيكونون مصدر دعم وتشجيع وتحفيز للشخص.

ثانيا: العلاقات مع الأرحام من الأمور الأساسية في الحياة وقبل ذلك مطلب شرعي كما جاءت بذلك الآيات الكريمة والأحاديث النبوية. وكلّما حرص الشخص على تقوية علاقاته مع أرحامه القريبين والبعيدين، كان ذلك أفضل له في دنياه وآخرته، فثمرات صلة الأرحام متعددة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (متّفق عليه). وأنصح هنا بقراءة تفسير هذا الحديث ليعرف الشخص هذه الثمرات الرائعة.

ثالثا: العلاقات مع الأصدقاء هامّ كذلك للشخص، فالصديق له دور كبير في حياة الشخص كما قال صلى الله عليه وسلم: "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُر أَحَدُكُم مَنْ يُخَالِل" (رواه الترمذي)، فقوة العلاقات مع الأصدقاء له دور كبير في تميّز الشخص وذلك لأنّ الأصدقاء يدعمون ويشجّعون وينصحون الشخص في مواقفه المختلفة السعيدة منها والحزينة.

رابعا: من المهم الحرص على العلاقات الطيّبة مع جميع الناس من خلال تطبيق الأخلاق الكريمة والابتعاد عن الأخلاق السيئة. فالعلاقات الطيّبة مع الناس تنفع الشخص في دنياه وآخرته. قال الله تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" (البقرة 83).

وأخيرا: يجب الاهتمام كذلك بالعلاقات الافتراضية التي تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيمكن لأي شخص أن يكوّن شبكة علاقات ضخمة مع أي شخص في العالم من خلال هذه الشبكات ولذلك وجب على الشخص الحرص والانتباه والحذر حتى يحصل على النتائج الإيجابية من هذه العلاقات.

توجد بالتأكيد وسائل أخرى يستطيع بها الشخص أن يصنع علاقاته، الأمر الهام هنا هو الحرص على العلاقات الإيجابية والطيّبة والنافعة مع الجميع حتى يحصل الشخص على ثمرات هذه العلاقات في الدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين.

********************************

الحلقة السادسة (اصنع أملك) - 26 أكتوبر 2024


الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعات) والتي تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع أن يفعلها الشخص في حياته لكي يحقّق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. وقد أسميتها بهذه التسمية لكي أبيّن بأنّ الشخص يستطيع أن يصنع هذه الأمور بمعنى أن يشكلّها بطريقة تناسبه ضمن الضوابط والقواعد التي جاء بها الشرع الحكيم حتى لا ينحرف الشخص عن الصراط المستقيم فيضيّع دنياه وآخرته.

جاء في معنى الأمل أنّه الرجاء والتفاؤل الشديد ورؤية المستقبل المشرق، فالأمل وقود العمل وهو مطلب في جميع مجالات الحياة ابتداء في العلاقة مع الله تعالى والصراع مع الشيطان ومرورا بالأسرة والعمل وانتهاء بالأصدقاء والمجتمع والعالم أجمع. ولذلك يحتاج الشخص إلى صنع أمله في الحياة لكي يضمن أنّه يسير في الطريق الصحيح. ولكي يفعل الشخص ذلك، فأقترح الأمور التالية:

أولا: مصدر الأمل الأول هو الله تعالى ولذلك يجب على الشخص أن يلجأ إلى الله تعالى دائما ويدعوه بأن يرزقه الأمل في جميع أموره.

ثانيا: تدبّر القرآن الكريم وخاصة الآيات التي تحثّ على الأمل أو الآيات التي تتكلّم عنه، فآيات القرآن الكريم مليئة بالأمل، والمطلوب من الشخص اليقين بكلّ ما جاءت به الآيات الكريمة حتى لو كان الواقع مغايرا الآن.

ثالثا: الحرص على قراءة السيرة النبوية المطهّرة والأحاديث النبوية الشريفة فهي مليئة كذلك بالأمل، ومن يقرأ السيرة النبوية والأحاديث النبوية فسيرى أثر ذلك على حياته. المطلوب هنا اليقين كذلك كما ذكرنا ذلك بالنسبة للقرآن الكريم.

رابعا: قراءة التاريخ القديم والحديث من المصادر الهامة لتعلّم الأمل، فهناك أشخاص حقّقوا إنجازات وصاروا عظماء رغم التحدّيات والصعوبات فقط لأنّهم تشبّثوا بالأمل فواصلوا حتى نهاية الطريق. ومن ضمن قراءة التاريخ، قراءة قصص وسير الناجحين والعظماء، فهؤلاء ضربوا أروع الأمثلة في التمسّك بالأمل حتى آخر لحظات حياتهم.

خامسا: الحرص على البيئة الإيجابية والابتعاد قدر الإمكان عن البيئة والأخبار السلبية بما في ذلك الأشخاص السلبيين، ومع قوة الإعلام بمختلف وسائله في عصرنا الحالي، أصبح نشر وتناقل الأخبار والأحداث السلبية سهلا للغاية وبالتالي وجب على الشخص أن يحصّن نفسه من هذه الأمور وذلك بالتمسّك بالأمل من خلال الحرص على المصادر التي ذكرناها سابقا.

وأخيرا: يجب أن يتحوّل الأمل إلى عمل وبذل وجهد فهذا هو الهدف من الأمل وإلاّ كان أملا كاذبا، فالعظماء والناجحون عبر التاريخ حوّلوا آمالهم إلى عمل فوصلوا إلى ما وصلوا إليه، أمّا من يدّعي الأمل فقط بدون عمل، فلن يحقّق شيئا.

توجد بالتأكيد وسائل أخرى يستطيع بها الشخص أن يصنع أمله، الأمر الهام هنا هو إبقاء هذا الأمل دائما مع ضرورة تحوّل هذا الأمل إلى عمل إيجابي. والحمد لله رب العالمين.

********************************

الحلقة السابعة (اصنع عطاءك) - 17 نوفمبر 2024


الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعات) والتي تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع أن يفعلها الشخص في حياته لكي يحقّق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. وقد أسميتها بهذه التسمية لكي أبيّن بأنّ الشخص يستطيع أن يصنع هذه الأمور بمعنى أن يشكلّها بطريقة تناسبه ضمن الضوابط والقواعد التي جاء بها الشرع الحكيم حتى لا ينحرف الشخص عن الصراط المستقيم فيضيّع دنياه وآخرته.

العطاء مطلب إسلامي وإنساني وله ثمرات وفوائد كثيرة تعود على الشخص والمجتمع والعالم أجمع إذ بغير العطاء سيتأثّر الكثيرون خاصة من المحتاجين والفقراء. وينبغي العلم بأنّ معنى العطاء أوسع بكثير من مجرّد إنفاق الأموال إذ يدخل فيه كل شيء نافع يعطيه الشخص للآخرين كالنصيحة والمساعدة والدلالة على الخير وحتى الابتسامة. ولذلك يحتاج الشخص إلى صنع عطائه في الحياة حتّى يحقّق أكبر قدر من الثمرات والفوائد. ولكي يفعل الشخص ذلك، فأقترح الأمور التالية:

أولا: أن يخلص الشخص في عطائه لله تعالى، إذ أنّه بغير الإخلاص يذهب كل عطاء الشخص هباء منثورا يوم القيامة حتى لو حصل على ما أراد في الحياة الدنيا. والأمر الخطير هنا أنّ عدم وجود الإخلاص قد يجعل الشخص ممّن يُسعَّر بهم النار يوم القيامة كما جاء في الحديث الشريف: "إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ – وذكر منهم - رَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ" (رواه مسلم). فالأمر خطير جدا وينبغي الانتباه له.

ثانيا: فليحرص الشخص على طرق أبواب العطاء المختلفة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فلكل باب من هذه الأبواب أجر عظيم وفضل كبير مع ما للعطاء نفسه من أجر كبير.

ثالثا: الاستمرارية في العطاء يحقّق للشخص ثمرات وفوائد متتالية في الدنيا والآخرة، فليحرص الشخص على الاستمرار في العطاء ولو كان يسيرا، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها وإن قَلَّ" (رواه البخاري). ومن المفيد هنا أن يضع الشخص في خطّته أو برنامجه تذكيرا للعطاء بشكل دوري بحيث يداوم عليه ولا ينساه.

رابعا: من الجميل أن يتّخذ الشخص لنفسه شكلا من أشكال العطاء يكون متميزا فيه ويحرص فيه أكثر من غيره كالمساهمة مثلا في بناء المساجد أو حفر الآبار أو كفالة الأيتام أو بناء المستشفيات أو غير ذلك من أشكال العطاء المختلفة.

خامسا: هناك أمور تحدث في الحياة تتغيّر من شأنها أولويات العطاء ولذلك ينبغي التنبّه إلى هذه الأحداث فقد يكون مساعدة الأشخاص في مجتمع ما أولى من بناء المساجد وقد يكون بناء مستشفى أولى من إرسال الطعام وهكذا. وهذا الأمر ينبغي فيه سماع العلماء والجمعيات الخيرية المتخصصة.

وأخيرا: استشعار الأجر العظيم المترتّب على العطاء فهذا مما يساهم بشكل كبير في استمرارية العطاء، ولا ينسَ الشخص أن يجعل من عطائه نصيبا مما يبقى له بعد موته كما قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍصَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". (رواه مسلم).

توجد بالتأكيد وسائل أخرى يستطيع بها الشخص أن يصنع عطاءه. الأمر الهام هنا هو إبقاء هذا العطاء دائما مع الحرص على تتبّع ما فيه مصلحة العباد والبلاد. والحمد لله رب العالمين.

********************************

الحلقة الثامنة (اصنع قوتك) - 26 نوفمبر 2024


الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعات) والتي تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع أن يفعلها الشخص في حياته لكي يحقّق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. وقد أسميتها بهذه التسمية لكي أبيّن بأنّ الشخص يستطيع أن يصنع هذه الأمور بمعنى أن يشكلّها بطريقة تناسبه ضمن الضوابط والقواعد التي جاء بها الشرع الحكيم حتى لا ينحرف الشخص عن الصراط المستقيم فيضيّع دنياه وآخرته.

جاء في الحديث الشريف: "المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ" (رواه مسلم). فالقوة مطلب إسلامي وهو يحقّق الخيرية للشخص الذي يتّصف به كما جاء في الحديث الشريف، ولكن يحتاج الشخص قبل ذلك أن يفهم معنى القوة الحقيقية وأن يصنع قوّته. ولكي يفعل الشخص ذلك، فأقترح الأمور التالية:

أولا: أهم أنواع القوة هو القوة الإيمانية ونقصد بها هنا قوة العلاقة مع الله تعالى، ويتحقق ذلك من خلال أداء الفرائض والإكثار من النوافل ما استطاع إلى ذلك سبيلا، كل ذلك في ضوء ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ثانيا: القوة الأخلاقية من الأمور التي يجب أن يحرص عليها الشخص، والقوة هنا تأتي من أمرين هما الالتزام بالأخلاق الكريمة والابتعاد عن الأخلاق السيئة. وينبغي أن يكون هذا الالتزام في جميع الأحوال والأوقات وكذلك أن يكون مستمرا مع الإنسان حتى مماته، وكلّما كان الالتزام أكبر كانت القوة الأخلاقية أكبر.

ثالثا: القوة الاجتماعية من خلال العلاقات القوية مع الأسرة القريبة والبعيدة، وكذلك العلاقات القوية مع الأصدقاء المقرّبين والحسنة مع الآخرين.

رابعا: القوة المعرفية أصبحت من أساسيات العصر الحالي ولذلك لابدّ من الاهتمام بها اهتماما شديدا، ويأتي ذلك من خلال الاهتمام بمصادر المعرفة مثل القراءة وسماع العلماء والمفكّرين وحضور الدورات والمحاضرات وغير ذلك. ولابدّ من الاهتمام بالمعرفة في مجال التخصص حتى يكون الشخص قويّا.

خامسا: القوة التقنية والتكنولوجية من أساسيات العصر الحالي كذلك وهي من الضرورات التي ينبغي الاهتمام بها وهي مرتبطة بالقوة المعرفية بالإضافية إلى الإنتاجات ومعرفة التقنيات الحديثة في مجالاتها المختلفة.

وأخيرا: لا ينبغي التغافل عن القوة الجسدية والصحية فهما ضرورة لكي يحصل الشخص على بقية القوى التي ذكرناها من قبل. وينبغي التنبيه هنا بأن الاهتمام بالجسد ينبغي أن يكون في حد المعقول وليس زائدا عن الحاجة حتى لا تتحول هذه القوة إلى ضعف.

توجد بالتأكيد وسائل أخرى يستطيع بها الشخص أن يصنع قوّته. الأمر الهام هنا هو أن تكون جميع هذه القوى إيجابية بمعنى أن تكون مسخّرة في تنمية الشخص ومصلحة البلاد والعباد. والحمد لله رب العالمين.

********************************

الحلقة التاسعة (اصنع لحظاتك) - 25 ديسمبر 2024


الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعات) والتي تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع أن يفعلها الشخص في حياته لكي يحقّق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. وقد أسميتها بهذه التسمية لكي أبيّن بأنّ الشخص يستطيع أن يصنع هذه الأمور بمعنى أن يشكلّها بطريقة تناسبه ضمن الضوابط والقواعد التي جاء بها الشرع الحكيم حتى لا ينحرف الشخص عن الصراط المستقيم فيضيّع دنياه وآخرته.

لحظات الشخص هي حياته، فاللحظات هي وقت الإنسان ولذلك ينبغي الحرص عليها أشدّ الحرص لأنّها هي ما سيحاسب عليها الشخص يوم القيامة، والأحاديث الواردة في أهمية الوقت الذي هو لحظات الشخص وضرورة استثماره في الخير متعددة. ولذلك يحتاج الشخص في هذه الحياة الدنيا إلى أن يصنع لحظاته حتى يحقّق أقصى استفادة، ولكي يفعل الشخص ذلك، فأقترح الأمور التالية:

أولا: معرفة أنّ الشخص سيحاسب على لحظات حياته كلّها كما جاء في الحديث الشريف: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ... الحديث" (رواه الترمذي)، وهذا مما يحثّ الشخص على استثمار لحظاته في هذه الحياة أفضل استثمار.

ثانيا: عندما يكون للشخص رؤية واضحة في حياته، فإنه سيحرص على استثمار لحظاته أفضل استثمار لكي يحقق هذه الرؤية. وينبغي أن تتحول هذه الرؤية إلى خطط وأهداف.

ثالثا: وجود خطة يومية للشخص يساعد كثيرا على استثمار لحظات الشخص بأفضل طريقة ممكنة، وهذه الخطة ينبغي أن تتضمن أهدافا بحيث يستثمر لحظاته خلال اليوم.

رابعا: طلب العلم النافع وممارسة الشعائر التعبدية من صلاة وقراءة قرآن وذكر لله تعالى وغير ذلك مما جاء في كتاب الله تعالى وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل ما يستثمر الشخص به لحظاته في هذه الحياة الدنيا ويعود بالنفع الكبير على الشخص يوم القيامة.

خامسا: قراءة سير الصالحين والعظماء في استثمار لحظاتهم من أفضل ما يعين الشخص على معرفة الأمور التي تعينه على حسن استثمار لحظاته في هذه الحياة الدنيا، فهؤلاء الصالحين والعظماء لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا من خلال استثمار لحظاتهم في الأمور النافعة لهم وللآخرين.

وأخيرا: الحرص على الابتعاد عن مضيّعات الوقت وهي الأمور التي لا تنفع الشخص في دنياه وخاصة المحرّمة منها، وكذلك الحرص على عدم الإكثار من المباحات كالخروج مع الأصدقاء لساعات طويلة من غير فائدة حتى لا تضيع لحظات الشخص فيما لا يفيد.

توجد بالتأكيد وسائل أخرى يستطيع بها الشخص أن يصنع لحظاته. الأمر الهام هنا هو أن تكون جميع هذه اللحظات إيجابية بمعنى أن تكون مسخّرة في تنمية الشخص ومصلحة البلاد والعباد. والحمد لله رب العالمين.

********************************

الحلقة العاشرة (اصنع خبرتك) - 15 يناير 2025


الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

مع حلقة جديدة من سلسلة (صناعات) والتي تهدف إلى بيان الأمور التي يستطيع أن يفعلها الشخص في حياته لكي يحقّق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. وقد أسميتها بهذه التسمية لكي أبيّن بأنّ الشخص يستطيع أن يصنع هذه الأمور بمعنى أن يشكلّها بطريقة تناسبه ضمن الضوابط والقواعد التي جاء بها الشرع الحكيم حتى لا ينحرف الشخص عن الصراط المستقيم فيضيّع دنياه وآخرته.

الخبير من الأشخاص الذين تبحث عنهم المؤسسات المختلفة بشكل مستمر، وتستخدم شتّى العروض والمغريات لاستقدامهم والعمل لديهم. والشخص الخبير هو المتمكّن في مجال عمله أو في أي أمر من الأمور سواء كانت شرعية أو حياتية. ويستطيع الشخص أن يصنع خبرته من خلال الأمور المقترحة التالية:

أولا: الخبرة تأتي من التعلّم المستمر بشتّى الوسائل كالقراءة وسماع المختصين وحضور الدورات والندوات والمؤتمرات، وأصبح التعلّم والحصول على المعلومات سهلا جدا بتوفّر الشبكة العنكبوتية (الانترنت) ولكن لا ينبغي أن يغني ذلك عن الوسائل الأخرى. المهم هنا هو الاستمرارية في التعلّم.

ثانيا: من أهم وسائل اكتساب الخبرة التعلّم من الأخطاء حيث أنّ الأخطاء جزء من طبيعتنا البشرية كما جاء في الحديث الشريف: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ" (رواه الترمذي)، والأخطاء تعلّم الشخص أمورا كثيرة بشرط أن يوظّفها التوظيف الصحيح، وهناك قصص كثيرة لأشخاص ناجحين ومؤثّرين في الحياة فشلوا فشلا ذريعا في مرحلة ما من حياتهم ولكنّهم تعلّموا من أخطائهم وأصبحوا خبراء وناجحين بعد ذلك.

ثالثا: السؤال من أهم وسائل التعلّم وفي الوقت نفسه، تُكسِب الشخص خبرة في المجال لأنّه مهما كان عند الشخص من معرفة وعلم، فهناك أمور كثيرة قد تخفى عليه ولذلك كان سؤال الآخرين وسيلة لتعلّم هذه الأمور الجديدة ومعرفة وجهات نظر أخرى خاصة من الخبراء الآخرين.

رابعا: الاحتكاك بالخبراء في نفس المجال أو في المجالات الأخرى من الأمور التي تزيد خبرة الشخص خاصة أنّ العلوم أصبحت مرتبطة ببعضها البعض سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. والاحتكاك بالآخرين يسهم كذلك في التعلّم ومعرفة الآراء الأخرى واكتساب أفكار جديدة وغيرها.

خامسا: التركيز من أهم عوامل ازدياد الخبرة لدى الشخص، وأقصد بالتركيز هنا توجيه التفكير والنشاطات إلى مجال أو مجالات معيّنة. وهذا التركيز يؤدي بالشخص إلى أن يجعل كثيرا من وقته في هذه المجالات سواء بالتعلّم أو السؤال أو التجربة أو التطوير أو غيرها.

وأخيرا: مهما كان الشخص خبيرا في أي مجال، فعليه بالتواضع مع الآخرين كما هو شأن العظماء والمؤثّرين في الحياة، فهذا التواضع من شأنه أن يزيد من خبرة الشخص كذلك لأنّه بهذا التواضع سيسعى إلى زيادة خبرته بالوسائل التي ذكرناها سابقا، أمّا التكبّر فلن ينفع الشخص لا في دنياه ولا في آخرته، فقد يكون الشخص خبيرا ولكن بسبب تكبّره، يبتعد عنه الناس ولا يفيد أو يستفيد من خبرته أحد.

توجد بالتأكيد وسائل أخرى يستطيع بها الشخص أن يصنع خبرته. الأمر الهام هنا هو أن تكون جميع هذه الخبرات في مجال مفيد بحيث يفيد نفسه والآخرين. والحمد لله رب العالمين.