الأحد، 18 أغسطس 2024

مشاهدات (137) - وضاقت عليهم أنفسهم

بسم الله الرحمن الرحيم 


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:

فهدفي من هذه المقالات هي كتابة أحداث أعايشها أو أشاهدها أو أسمع عنها شخصيا مع بيان وجهة نظري أو تحليلي لهذه الأحداث، وقد يوافقني البعض ويخالفني آخرون وهذا شيء طبيعي لأنه من المستحيل أن يتفق الناس على كل شيء، وسأذكر هذه الأحداث بشكل مختصر مع بيان الأمور التي استفدت منها أو أثرّت عليّ.

منذ أيام، قرأ إمام مسجدنا في صلاة العشاء آيات من سورة التوبة منها آية قصة الثلاثة المخلّفين: "وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (التوبة 118)، فوقفت عند قوله تعالى: "وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ" وتساءلت، ما الذي يؤدّي إلى ضيق النّفْس؟

بحثت عن أقوال المفسّرين في معنى هذه الآية، فقال الإمام ابن عاشور رحمه الله تعالى: (وضيق أنفسهم استعارة للغم والحزن لأن الغم يكون في النفس بمنزلة الضيق. ولذلك يقال للمحزون ضاق صدره، وللمسرور شُرح صدره)، وقال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: (فضاق عليهم الفضاء الواسع، والمحبوب الذي لم تجر العادة بالضيق منه، وذلك لا يكون إلا من أمر مزعج، بلغ من الشدة والمشقة ما لا يمكن التعبير عنه).

فضيق النّفْس أو الصدر كما عبّر عنه القرآن في آيات أخرى هو شعور بالتألّم والضجر والهمّ والغمّ والحزن، وأسباب ضيق النفْس أو الصدّر متعددة منها الضغوطات التي تحصل للشخص من أسرته أو عمله أو مجتمعه، ومنها ارتكاب المعاصي والمنكرات، ومنها عدم استجابة الناس للأمور التي يراها الشخص صحيحة، ومنها عدم وضوح الأهداف أو الرؤية، ومنها المشاكل المادية التي تصيب الشخص وغيرها.

الأمر الهام هنا هو كيفية التخلّص من هذه المشاعر السلبية حتى لا تؤدّي إلى نتائج كارثية على الشخص. الأمر الأول هو الاستعانة بالله تعالى والإكثار من ذكره وعبادته وهذا ما أمر الله تعالى به نبيّه في القرآن الكريم حين قال سبحانه: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" (الحجر 97-99)، فهذا العلاج الربّاني هو أقوى العلاجات لضيق النفْس وهو السبيل الذي يؤدّي إلى الاطمئنان والسكينة والسعادة، والأدلّة والأمثلة على ذلك كثيرة من التاريخ القديم والحديث.

من الأمور التي تساعد كذلك على التخلّص من ضيق النّفْس، البيئة الإيجابية الصالحة سواء كان ذلك في الأسرة أو العمل أو الأصدقاء، فهذه البيئة تساعد على خروج هذا الشخص من ضيقه من خلال نصحه أو الخروج معه في رحلة أو برنامج أو غير ذلك.

من الأمور كذلك سماع العلماء وقراءة الكتب المفيدة حيث يمكن لموعظة أو قصّة أو مقولة أن تغيّر الشخص إلى الأحسن. وأيضا، فليتفكّر الشخص في فائدة ما هو فيه من ضيق النفْس وهل هو حقّا مفيد وهل هناك أي نتائج إيجابية من هذا الوضع الذي هو فيه. أغلب الظنّ أنّه لا توجد أية نتائج إيجابية وإنّما هو الحزن والغمّ والهم ولذلك ينبغي الخروج من هذا الوضع بأسرع ما يمكن. بالطبع، ربّما لا يدرك الشخص هذا بنفسه ولذلك فإنّ البيئة الصالحة تلعب دورا كبيرا في ذلك.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا إلى كل خير والحمد لله رب العالمين.


لقراءة المقالة السابقة (أكبر مكان للعبرة!!!)، يرجى الضغط هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق